وجهة نظر حول تشكيل هيئة مكافحة الفساد

> د.محمد علي السقاف:

>
د.محمد علي السقاف
د.محمد علي السقاف
في إطار الحملة العالمية لمكافحة الفساد تبنت الأمم المتحدة اتفاقية دولية لمكافحة الفساد في ديسمبر 2003م، صادقت عليها اليمن في عام 2005م، وصدر على المستوى الوطني القانون رقم (39) لسنة 2006م بشأن مكافحة الفساد. وتأسيساً على نص المادة (36) من اتفاقية الأمم المتحدة التي قضت بأن «تتخذ كل دولة طرف، وفقاً للمبادئ الأساسية لنظامها القانوني ما قد يلزم من تدابير لضمان وجود هيئة أو هيئات متخصصة أو أشخاص متخصصين في مكافحة الفساد من خلال إنفاذ القانون...» خصص القانون اليمني رقم (39) لسنة 2006م، الباب الثاني منه للهيئة الوطنية العليا المكافحة الفساد، وحدد الفصل الثاني منه كيفية تشكيل الهيئة والشروط والمعايير القانونية الواجب توفرها في المرشحين لعضوية الهيئة. ولأهمية دور الهيئة وتشكيلها سنتناول في (أولاً) ما جاء في نص القانون بشكل مجرد، لنطرح في (ثانياَ) وجهة نظراً الكاتب فيما يتعلق بتشكيل الهيئة خلافاً لما عرضته بعض الصحف الرسمية وفهم بعض النخب من منظمات المجتمع المدني المحلية مما قد يساعد في آن واحد مجلس الشورى ومجلس النواب في اختيارهم لأعضاء هيئة مكافحة الفساد.

اولاً: تشكيل الهيئة وفق نصوص القانون

1) حددت الفقرة (أ) من المادة (9) من القانون بأن تشكل الهيئة من أحد عشر عضواً ممن تتوفر فيهم الخبرة والنزاهة والكفاءة على أن تمثل في الهيئة منظمات المجتمع المدني والقطاع الخاص وقطاع المرأة. وسيلاحظ هنا أن هذه الفقرة من المادة (9) حددت الأطراف المكونة للهيئة بطريقة عامة وفضفافة دون تخصيص التخصصات التي يجب توافرها في الأحد عشر عضواً من أعضاء الهيئة. فالقول على سبيل المثال بوجوب تمثيل قطاع المرأة بجانب منظمات المجتمع المدني، لا يفهم ما المقصود بتعبير (قطاع) المرأة، فالمرأة إما موجودة ضمن عضوية منظمات مجتمع مدني غير متخصصة في القضايا النسوية، وإما ضمن منظمات مجتمع مدنى متخصصة أصلاً في قضايا المرأة، هذا من جهة ومن جهة أخرى تمثيل القطاع الخاص وهم أحد مصادر الفساد في بعض مظاهره يجعل المرء يتساءل ولماذا لا يتم أيضاً تمثيل القطاع العام والمختلط، وأيضاً ممثلين عن الوظائف العامة؟ يختلف الأمر في حالة نص القانون على وجود متخصصين في أنشطة القطاع الخاص والعام...إلخ ذلك وليس ممثلين عنهم مباشرة.

2) الشروط والمعايير القانونية لعضوية الهيئة: حددتها الفقرة (ب) من المادة (9) من القانون من ناحية:

- أن يكون يمني الجنسية (وليس من أبوين يمنيين)!!

- لا يقل عمره عن 40 عاماً.

- أن يكون حاصلاً على مؤهل جامعي على الأقل (وحسناً فعل النص بعدم إضافة أو ما يعادله).

- أن لا يكون قد صدر بحقه حكم قضائي بات في قضية من قضايا الفساد أو في قضية مخلة بالشرف والأمانة ما لم يكن قد رد إليه اعتباره.

3) آلية الترشيح والاختيار: وفق الفقرات (ج)، (د)،(هـ) من المادة (9) تقدم الترشيحات إلى مجلس الشورى، الذي يقوم بدوره برفع قائمة مرشحين تتضمن ثلاثين مرشحاً إلى مجلس النواب ممن تتوفر فيهم الشروط التي سبق ذكرها في الفقرتين (أ، ب) من هذه المادة. بعد ذلك يزكي مجلس النواب عن طريق الاقتراع السري أحد عشر شخصاً من بين قائمة المرشحين، ثم ترفع هيئة رئاسة مجلس النواب إلى رئيس الجمهورية أسماء الأحد عشر الفائزين بأغلبية الأصوات ليصدر قراراً بتعيينهم. ويلاحظ هنا من هذه الزاوية اختلاف نوعي في هذه الآلية عن آلية اختيار أعضاء اللجنة العليا للانتخابات نشير إليها لمجرد المقارنة مع علمنا باختلاف طبيعة كل منهما، في إطار اللجنة العليا للانتخابات عدد الأعضاء فيها سبعة يتم تعيينهم بقرار من رئيس الجمهورية من بين قائمة تحتوى على (15) اسماً يرشحهم مجلس النواب، وفي حالة هيئة مكافحة الفساد مؤسستان دستوريتان تلعبان دوراً في تشكيل الهيئة. مجلس الشورى (المعين) من قبل رئيس الجمهورية هو الذي يختار قائمة المرشحين الثلاثين من بين مئات المرشحين لعضوية الهيئة. وفي المرحلة التالية يقوم مجلس النواب المنتخب عند استلام قائمة المرشحين الثلاثين بتزكية أحد عشر شخصاً، قوام أعضاء الهيئة، وبالتالي ينحصر دور رئيس الجمهورية في إصدار قرار تعيينهم. بمعنى آخر مجلس النواب هو الذي يختار كامل أعضاء الهيئة من قائمة المرشحين الثلاثين، أما فيما يخص اللجنة العليا للانتخابات فرئيس الجمهورية هو الذي يختار كامل أعضاء اللجنة السبعة من قائمة المرشحين الـ15 عضواً، وبذلك يكون أمامه مفاضلة لاختيار السبعة أعضاء، بعكس دوره فيما يخص هيئة مكافحة الفساد ليس هو الذي يختار بل مجلس النواب. ومما لا شك فيه أن اختلاف هذه الآلية في الوقت الراهن يبدو شكلياً لكون قائمة المرشحين الثلاثين يتم اختيارهم بعناية من قبل مؤسسة كامل أعضائها معينون من قبل رئيس الجمهورية، وتزكية الأعضاء الأحد عشر من قبل مجلس النواب المكون أصلاً من أغلبية كاسحة من الحزب الحاكم الذي يترأسه رئيس الجمهورية، ومن الطبيعي أن يثير كل ذلك تحفظات كبيرة لدى المواطنين حول إمكانية قيام الهيئة فعلاً بمكافحة الفساد، لكن الأمر قد يختلف نسبياً في المستقبل في حالة تم إقرار الانتخابات بدلاً من قاعدة التعيين لأعضاء مجلس الشورى وحدوث توازن جديد في عضوية مجلس النواب في الاستحقاق القادم في 27 أبريل 2009!!

ثانياً: وجهة نظر الكاتب في كيفية تشكيل الهيئة

من دون المساس بالشروط والمعايير القانونية لعضوية الهيئة وآلية الترشيح والاختيار كما جاءت في نص القانون، ما يطرح الكاتب هنا يتعلق بكيفية ترجمة الفقرة (أ) من المادة (9) من القانون لتشكيل أعضاء الهيئة، فكما سبق الإشارة إليه اكتفى القانون بتحديد الأطراف التي تمثل في الهيئة من منظمات المجتمع المدني والقطاع الخاص وقطاع المرأة، ولكنه لم يوضح التخصصات المطلوب ترشيحها من قبل هذه الأطراف، في حين نصت المادة (36) من اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد التي ذكرناها في مقدمة المقال على إيجاد هيئات متخصصة أو أشخاص متخصصين لمكافحة الفساد، إذاً التركيز في الاتفاقية على التخصص في العضوية، ولمعرفة التخصصات المطلوبة يتطلب ذلك تغطية تشكيل الهيئة لأغلب مجالات أنواع الفساد وأشكاله استناداً لنصوص اتفاقية الأمم المتحدة، والقانون اليمني لمكافحة الفساد.

وفي هذا النطاق نستعرض بعض أمثلة التخصصات المطلوبة:

1) خبراء في مجال الأدلة الجنائية ومحققون.

2) خبراء ماليون متخصصون في عمليات المؤسسات المالية غير المصرفية.

3) مصرفيون عملوا في مصارف عالمية لكشف ورصد حركة الحسابات المصرفية والحوالات، والنقود والصكوك القابلة للتداول.

4) محاسبون قانونيون عملوا في مؤسسات عالمية للمحاسبة.

5) محامون.

6) خبراء في القانون الدولي لمعالجة بعض المهام التي وردت في اتفاقية الأمم المتحدة بخصوص التعاون الدولي وموضوع تسليم المجرمين المطلوبين ولاسترداد عائدات الأفعال المجرمة وفقاً للمادة (66) من الاتفاقية والمساعدة في تسوية المنازعات المتعلقة بتفسير أو تطبيق الاتفاقية (المادة 66) .

7) صحفيون متخصصون في التحقيقات في عملية تقصي الفساد ورصد ما ينشر في الصحف ووسائل الإعلام.

8) متخصصون في تحليل المعلومات وتصنيفها .

9) خبراء في العقار وفي الضرائب والجمارك.

10) محلل سياسي، وخبير في التاريخ السياسي اليمني المعاصر.

تشكيل الهيئة من تلك التخصصات المذكورة بالإمكان توفير عدد منها من منظمات المجتمع المدني من أشخاص ذكور أو إناث بترشيح شخصين أو ثلاثة أشخاص من كل تخصص يختار مجلس الشورى واحداً من كل تخصص.

وهذه التخصصات المطلوبة على مستوى تشكيل الهيئة يجب التمييز بينها وبين الدعم اللوجستي والتطبيقي المساعد للهيئة من اختيارها لكادرها الإداري والفني من ذوي الخبرة والكفاءة والـتخصصات العملية المنصوص عليها في الـفقرة (ج) مـن المادة (12) مـن الـقـانـون. وبذلك يوحي القانون وكأن المطلوب في الهيئة واجهات من منظمات المجتمع المدني حاصلون على مؤهل جامعي على الأقل يعتمدون للقيام بمهامهم على الدعم اللوجستي، وليس أن يكونوا هم أنفسهم تخصصات وخبرات عالية في عدة مجالات، حتى يكونوا طبق الأصل من نموذج بعض الوزارات أو الهيئات العامة في الدولة، بينما المطلوب أن قمة التخصص ترتقي على مستوى عضوية الهيئة، وبقية التخصصات كعوامل مساعدة. ويا حبذا في حالة عدم توفر بعض التخصصات والخبرات في نطاق أنشطة الهيئة أن نقترح نشر إعلانات في صحف عالمية محددة كـ «الفايننشيال تايمز» البريطانية أو «وولستريت جونرال» بطلب من يرغب من حاملي الجنسية اليمنية العاملين في الخارج العودة للعمل في بلادهم وإتاحة الفرصة أمامهم للترشح لعضوية الهيئة، ومن المفترض وفق نص المادة (36) من اتفاقية الأمم المتحدة أن توفر الدول الأطراف في الاتفاقية لأعضاء الهيئة ما يلزم من الاستقلالية وتزويد موظفيها بما يلزم من التدريب والموارد المالية لأداء مهامهم.

وهذه التجربة ونجاحها تشكل اختباراً وتحدياً لليمن قد ترتبط نتائج أدائها بمواقف الدول المانحة والمنظمات الدولية حول مدى استمراريتهم من عدمها في تقديم المساعدات لليمن.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى