عدن مدينة مقيدة

> أحمد عمر بن فريد:

>
أحمد عمر بن فريد
أحمد عمر بن فريد
حينما تتحدث الأرقام عوضا عن جدلية المنطق والكلام ، تبدو (الحقيقة) أقرب ما تكون لتمثيل (الحق) بالدليل والبرهان ، وتبدو الأمور واضحة ، وشفافة وأبعد ما تكون عن الغموض والتعتيم و الاستغباء، وفي مثل هذه الحالة تختفي المزايدات، وتنتهي وتموت ما بين بريق الأرقام ولمعانها ، كون لغة (الأرقام) ترتبط ارتباطا عضويا مباشرا بالواقع المعاش على الأرض، فإن قام بعد ذلك متحذلق ما... وانبرى من بين الصفوف الأمامية أو الخلفية للتلاعب بالألفاظ والحقائق، ومحاولا تطويعها على هواه ومبتغاه ، أسكتته (الأرقام المعلنة) ورمت بكل (حذلقته وفهلوته) في مهب السخرية والرثاء وبات منطقه الأعوج نوعا من المزايدات والتملق والنفاق المقيت.

يتحدث مسئول كبير في (الخطوط اليمنية) بلغة تبدو منسجمة مع المنطق في ظاهرها، ولكنها متناقضة وفاضحة للنظرة الرسمية لحال عدن عبر بوابتها الكبرى (مطار عدن الدولي) !! يتحدث مبررا ذلك (الحال البائس) الذي وصلت إليه حركة الطيران في هذا المطار التاريخي، ويقول مبررا العدد المتسارع نحو الهبوط للرحلات الدولية المغادرة والواصلة إلى عدن بعبارة بسيطة مكونة من جملة واحدة فقط وهي : «أعطني راكبا أعطك طائرة».

وبمعنى آخر يقول صاحبنا: انه لا يوجد لدينا ركاب حتى نجهز لهم طائرات للسفر ، وان الوضع الراهن لا يجعلنا - والكلام لمنطق اليمنية - نحقق أية أرباح تذكر ، فيما لو استجبنا للعرض الحالي للركاب المغادرين دوليا من مطار عدن الدولي !!

إنها فلسفة محكومة بقانون (العرض والطلب) وهي فلسفة قانون تجاري ، يمكن أن يتحدث بها (بقال) أو صاحب (متجر) بسيط ، يبحث عن الربح والخسارة بمنطق البيع والشراء، ولا يمكن بل ولا يجوز - على الإطلاق - لهذا المنطق أن يكون حجة دامغة في حديث مسئول ما في الدولة، وهو يتحدث عن مشروع استراتيجي ضخم كميناء عدن الجوي!!

هذه الفلسفة الجدلية التي تعكس إلى حد كبير الاهتمام البالغ !! من قبل الجهات الحكومية بهذه المدينة (العاصمة الاقتصادية والتجارية) للبلاد، تجبر المرء على طرح الكثير من الأسئلة الباحثة بشغف كبير عن إجابات مقنعة للرأي العام المحلي على الأقل .. ومنها على سبيل المثال لا الحصر : كيف يمكن أن نقنع مستثمرا ما بأن يستثمر في مدينة عدن التي نخبره بأنها (العاصمة الاقتصادية والتجارية لليمن) بينما يخبره واقع الحال بأن (فشله) سيكون ذريعا ، وأن ذلك الفشل سيتجسد في مجرد الحصول على (تذكرة عودة) لبلاده التي قدم منها ، من أول مكتب للخطوط اليمنية يقابله في عدن ؟!

وكيف يمكن - بعد ذلك - أن يقنع هذا المستثمر زملاءه الآخرين في وطنه بجدوى الاستثمار في هذه المدينة، وهو يخبرهم أنه قادم إليهم عبر مطار صنعاء وليس عبر مطار عدن ؟! مع العلم الأكيد أن حركة الطيران النشطة في أي مطار في العالم تعتبر مؤشرا معتمدا جهة نشاط التجارة أو كسادها، ومادامت هذه الجدلية البسيطة مفهومة ومعلومة لدى عامة الناس، فكيف يقبل بها المسئولون عن حال عدن وهم يطالبون الآخرين الاستثمار فيها؟

انتهى أخونا المسئول من لغة الجدل وانتهينا نحن منها أيضا.. وعمد إلى لغة الأرقام وسنعمد إليها أيضا وهي لغة كما أسلفنا (دامغة) وممسكة للحقيقة من تلابيبها القليلة ... فها هو يقول من جانب آخر ، وبنوع من التباهي : إن هناك حاليا عدد (62) رحلة أسبوعية ذهابا وإيابا مباشرة من عدن وإن من بينها (25) رحلة خارجية .. بينما سيخبرنا أقرب مكتب وكالة للطيران ، بأن هذا الرقم المذكور هو رقم خرافي ، وأن الحقيقة هي أقل من ذلك بكثير .. بل إن الحديث بات أقرب ما يكون إلى إمكانية الجزم باختفاء الرحلات الدولية من المطار الدولي لعدن ، أو أن هذه الرحلات باتت مقتصرة على ثلاث إلى أربع مدن عربية فقط في أحسن الأحوال.

وإذا كانت الأضواء الباهتة التي تلف هذا المطار ستصدمك للوهلة الأولى إذا ما اقتربت من مبنى المطار .. وإذا ما تعززت هذه الصدمة باقترابك من المبنى ووجدت ذلك السكون التام مطبقا وسيدا للمنطقة الجوية بأسرها .. فإن ملف هذا المطار العريق سيتكفل وحده بإثارة الاستغراب والدهشة في نفسك وفي عقلك إن أخبرتك (الأرقام) بكل تواضع أنه ذات يوم (غابر) وقبل أن تجثم على صدر مدينة عدن عقليات اليسار الجنوبية الكارهة للتطور وتقتله، وقبل أن تطلق عليه بعد ذلك رصاصة الرحمة عـقـليات اليمين الشمالية في عهد دولة الوحدة .. أنه كان يستقبل في عهد البيومي وجرجرة عدد (55 طائرة) للرحلات الدولية أسبوعيا بـينما بلغ عدد الرحلات الداخلية (110) رحلات.

وتأتي الحقيقة الكبرى و(المفخرة) لهذه المدينة الحضارية عدن.. أنه في عام 1963م وتحديدا في شهر مارس، قد جرت مقارنة لحركة الطيران في مطار عدن ومطار طوكيو الدوليين ، فكانت النتيجة متقاربة جدا ما بين المطارين، فبينما حقق مطار طوكيو وصول (1062 ) طائرة.. وصل مطار عدن الدولي في الفترة ذاتها عدد (1020 طائرة !

فأين وصل الحال - حاليا - في مجال المقارنة مابين هذين المطارين؟ وبمعنى آخر هل تجوز المقارنة حاليا ما بين المطارين؟!! ومن هو المسئول عن هذا الوضع الذي وصل إليه الحال في هذه المدينة العريقة ؟

مرة أخرى نقول : امنحوا أبناء عدن إدارة شئون مدينتهم وكفى وصاية على عدن وعلى أبناء عدن.

[email protected]

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى