نحن أحوج لبنوك المعدمين

> فاروق لقمان:

>
فاروق لقمان
فاروق لقمان
جاء في الأنباء أن البحرين اتخذت إجراءات لتأسيس أول بنك للفقراء في الوطن العربي، وأن وزيرة التنمية الاجتماعية السيدة فاطمة البلوشي وقعت مذكرة تفاهم مع الأستاذ محمد يونس مؤسس (بنك جرامين) للفقراء في بنغلادش بهدف تزويد خبرات لتأسيس بنك مشابه للمصرف الشيهر إلا أن البنك البحريني سيطلق عليه (مصرف العائلة).

والمعروف أن محمد يونس أستاذ الاقتصاد نال جائزة نوبل للسلام العام الماضي تقديرا لسلامة فكرته ونبل مقصده حيث أفاد حتى اليوم سبعة ملايين مشترك ومشتركة في البنك.

و(جرامين) تعني القرية لأن أنشطة البنك موجهة نحو سكان الأرياف. وكنت في أول مقال لي عنه في الثمانينات وصفته بأنه «بنك المعدمين» وليس في ذلك ما يشين لأن الفقر ليس عيبا بقدر ما هو امتحان عسير على الآخرين بذل كل الجهود الممكنة لتجاوزه وإعادة البسمة إلى شفاه الأرامل والأيتام، وطالبت عبر هذه الجريدة الزاهرة أكثر من مرة بوجوب تأسيس بنك أو بنوك مماثلة في الوطن أسوة بجرامين تسير على النهج نفسه وزودت القراء الذين اتصلوا بي بالمعلومات اللازمة لذلك لن أكررها هنا ويمكن الاستعانة بالإنترنت لقراءة المزيد من المعلومات عن واحد من أهم وأنفع المشاريع المصرفية في العالم الثالث. وتوقعت أو أنني تمنيت أن تكون اليمن سباقة إلى تأسيس عدة بنوك مماثلة لحاجتها الماسة إليها وإذا كان الأستاذ يونس قد أفاد سبعة ملايين أسرة حتى الآن يمكن لنا تصور المنفعة التي ستعود على نصف ذلك العدد أو ربعه في الجمهورية اليمنية.

البحرين أحسنت صنعا عندما اتصلت بالأستاذ يونس طالبة منه إفادتها ومدها بخبراء من جرامين لتأسيس (بنك العائلة) ونحن بدورنا بحاجة إلى أكثر من مصرف مهما سميناه مكرس لخدمة الأرامل بالدرجة الأولى والأفراد المعدمين الذين لا ينفقون قروضهم على القات والدخان والمخدرات والمسكنات بل على الأدوات المنتجة كما يفعل جرامين مثل آلات الخياطة والطباخة وغسيل الملابس والأكشاك النظيفة لبيع احتياجات الحي والبذور في المناطق الزراعية وهناك مئات الأغراض التي يمكن تمويلها بواسطة البنك امتدادا من حارات عدن إلى شبوة وإب وبيحان والمحويت وبقية اليمن.

وقد سعدت خلال زيارتي الأخيرة للوطن بلقاء ممثل عن شركة تجارية طلب مني معلومات عن جرامين وكيفية الاتصال به لنيل بعض المعلومات الأساسية ولعله اتصل بالفعل وسيصبح أول مؤسس للبنك مهما كان اسمه.

بدأت العملية بمد قروض لم تتجاوز في أغلبها ألف تاكا- العملة المحلية التي تقل قيمتها عن نصف روبية هندية أو باكستانية. وخطوة خطوة تجاوز عدد الزبائن سبعة ملايين أغلبهم من النساء لأن رجالهن تركوا لهن أطفالا بلا عائل وأكواخا بلا ماء وكهرباء فوجدن في يونس خير معين إذ لم يحدث في تاريخ بنجلاديش وشعوب الدول التي حاكته أن ملايين النساء من أرامل وعوانس استفدن من مثل هذه العبقرية. والجميل في الأمر أن السيدة المقترضة استثمرت أحيانا ما يعادل مائة دولار ونجحت بفضل الله ثم بمثابرتها وصبرها وعزيمتها على إيجاد لقمة لأيتامها بعدما بدد أبوهم دخله في حانة القرية، ومن ثم ألبستهم ثيابا نظيفة كانت تغسلها مع ملابس الزبائن. وكانت المقترضات أفضل من المقترضين في إعادة الديون إلى البنك ولما رأى الرجال المعدمون ذلك اقترضوا وسددوا بسرعة حتى بلغت نسبة السداد أكثر من ستة وتسعين بالمائة.

للإخوة المستثمرين المحتملين الذين يخشون خسارة أموالهم يكفي الإشارة إلى أن دخل جرامين الإجمالي الحالي يبلغ خمسة مليارات تاكا وأرباحه مليار ويتجاوز عدد موظفيه عشرة آلاف وقد قلده حتى الآن المئات في عشرات البلدان.

خلال الأسابيع القادمة سيقوم الدكتور يونس بإرسال وفد من خبراء جرامين من أجل تحديد تفاصيل عمل البنك وآلية الإقراض. فإذا كانت البحرين الغنية والصغيرة نسبيا والتي ترحب سنويا بأربعة ملايين سائح مترف أغلبهم من المملكة العربية السعودية ارتأت وأدركت الحاجة إلى (بنك العائلة) أو بنك المعدمين فما بال اليمن الأفقر والأكثر سكانا والأحوج إلى بنوك مماثلة لا يحرك ساكناً.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى