اتركوهم يرقدون بسلام

> نظير حسان محمد:

> كم هو عجيب وغريب أن نجد أفعالاً وممارسات واعتداءات تتصف بالهمجية، عبثية بل خرقاء من قبل جهات أو أفراد أو جماعات من شأنها (أي الأفعال والممارسات) مخالفة ما جاء به ديننا الحنيف، وتعد انتهاكا صارخا لمقاصد الشريعة الإسلامية الغراء وسابقة خطيرة نهت عنها الأديان السماوية، وباعثة لاستهجان وغضب عامة الناس وإنكارهم لمثل تلك ممارسات التي هدفها الأول والأخير تحقيق مصالح شخصية وذاتية أو تنفيذ خطط وأهداف كامنة في نفوس أولئك (....)!

ومن تلك الممارسات والاعتداءات ما تتعرض له المقابر، من اعتداءات من قبل أشخاص نافذين هادفين من وراء ذلك بناء مشاريع سكنية أو تجارية ولو على رفات وجماجم وهياكل الموتى، وكان آخر تلك الاعتداءات ما تعرضت له المقبرة التي تضم ما يزيد عن مائة شهيد من شهداء أحداث يناير 86م المشؤوم والكائنة بجانب بوابة معسكر طارق بخورمكسر من اعتداءات كان أولها تكسير البلاط الذي يكسو الضريح والنصب التذكاري وحافة المقبرة مرورا بعملية الهدم لتلك المعالم ومسحها مع الأرض تماما، وانتهاء بحفر جزء من المقبرة ونبش رفات وهياكل بعض من أولئك الشهداء الذين ينتمون إلى كل محافظات الجنوب الست (فيها شهداء من الضالع وأبين وشبوة وردفان وحضرموت ويافع وعدن ولحج والمهرة).

إن باعث الاستغراب والدهشة بل والاسف أن هكذا اعتداءات وممارسات تحدث في دولة يقال إنها مسلمة ودينها الإسلام الذي حث بل وألزم عامة المسلمين بضرورة مراعاة حق الموتى في دفنهم والحفاظ على حرمة مقابرهم من أي اعتداء أو انتهاك أو تدنيس، بل العكس من ذلك نجد أن المجتمعات أو الدول التي لا تدين بالإسلام تحفظ وتصون مقابر موتاها أفضل من بلدان المسلمين.

ومن ناحية أخرى نجد أن العديد من المقابر لرعايا أجانب غير مسلمين كمقبرة اليهود في المعلا والبريقة ومقبرة الانجليز بالمعلا وغيرها من المقابر الموجودة في اليمن وخصوصا في محافظة عدن، نجد أن تلك المقابر لا يتجرأ أحد، أفرادا أو جهات، مهما بلغ من السطوة والنفوذ ولا يستطيع أن يستقطع ولو مترا أو شبرا واحدا منها أو من حرمها، بل نجدها مكسوة بالأشجار والورود ومحاطة بالأسوار من جميع الجهات.

كما لم أسمع قط بأن هناك من اعتدى أو بسط على مقبرة في صنعاء أو في الحديدة أو غيرها من المحافظات سوى محافظة عدن (ومؤخرا لحج) وبدون منافس، بيد أن الإشارة سالفة الذكر أوردتها للتدليل ليس فقط على الفرق والاختلاف في الكيفية والأسلوب الذي تتعامل به سلطات الدولة بين أبناء ما يسمى بالبلد الواحد، وتعاملها بسياسة الكيل بمكيالين، بل للتدليل أيضا على ممارسات كثيرة يدركها الجميع ولعل أهمها أن غياب مبدأ المواطنة المتساوية لم يعد قاصرا فقط على خلق الله الأحياء في هذه البلاد بل شمل الأموات أيضا وإلا فماذا نسمي الاعتداءات المتلاحقة على مقابر عدن دون غيرها؟

يا هؤلاء اتقوا الله في أفعالكم..اتقوا الله من تدنيس المقابر وانتهاك حرمة الموتى..واعلموا بأنه إذا كان الانجليز أو اليهود أو غيرهم يدفعون للدولة أجرة مقابل الحفاظ على مقابر وجثامين موتاهم فاعلموا أن الشهداء الذين نبشتم قبورهم وتريدون مواصلة النبش لما تبقى منها، فاعلموا أنهم -اي الشهداء- قد دفعوا الإيجار أو الثمن (الحفاظة) بالزيادة ودفعوا حياتهم للوطن مقدما.. نعم دفعوا كل ذلك من أجل وطن يكتنز ثروات نفطية وبحرية طائلة بلغت 82% من موارد اليمن حاليا تتصرفون وتعبثون بها كيفما تشاؤون، تركوا لكم بلادا بطولها وعرضها تذهبون وتأتون كما يحلو لكم ثم بعد ذلك تستكثرون عليهم بضعة امتار في أرضهم كمسكن لحياتهم الأخرى بعد أن ظفرتم بمساكن الحياة الدنيا ولم تبقوا فيها مترا واحدا..واعلموا ايضا أن أسر وذوي أولئك الشهداء لم يتبق لديهم شيء بعد أن نهبتم منازلهم واستوليتم على أراضيهم وضيعتم حقوقهم وأخذتم وظائفهم.. نعم لم يتبق لهم سوى تلك المقبرة لشهدائهم وتاريخ أولئك الشهداء اللذين لا يمكن أن يفرطوا فيهما وسيدافعون عنهما مهما كان الثمن.

اتقوا الله يا هؤلاء، ولا تغضبوا الله ورسوله، ولا تدوسوا على كرامة مئات الأسر التي إن غضبت وهاجت فلن يصدهم شيء، ولذا فإن العقل والمنطق يستوجبان الحفاظ على تلك المقبرة وتسويرها وإعادة معالمها البارزة على اعتبار أن مقابر الموتى لها حرمتها، وقد حرمت الشريعة الإسلامية الغراء الاعتداء عليها وحرمه قانون الجرائم والعقوبات اليمني في نص المادة 262 منه.

أما إذا كان القصد من كل ذلك (أي نبش المقبرة) هو امتداد ومواصلة لمشوار نبش المشاعر وإنكاء جروح الماضي (كما حدث في مقبرة الصولبان) فعلى الجميع أن يعلموا ويدركوا جيدا أن تلك الأفعال والممارسات لم تعد تنفع ولا تؤتي ثمارها وأصبحت مفضوحة للقاصي والداني، بعد أن قرر كل الخيرين والشرفاء من أبناء الجنوب تجاوز تلك المرحلة الأليمة وعدم التوقف عندها إلا من اجل استنباط الدروس والعبر فقط، وجسدوا ذلك في لقاءات التصالح والتسامح الجنوبية التي دشنت انطلاقتها الأولى جمعية أبناء ردفان الأبية.

وفي الأخير أقول اتركوا شهداءنا، اتركوهم وشأنهم، اتركوهم يرقدون بسلام.. اتركوهم وإلا حلت عليكم اللعنة..لعنة الله والملائكة .. لعنة التاريخ والأجيال والناس أجمعين.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى