طريق السباق الجميل

> د. عبد الباري دغيش:

>
د. عبد الباري دغيش
د. عبد الباري دغيش
إن من يصنعون تاريخ الأوطان في الأساس هم أبناؤه ومع مراعاة أثر الخارج المتصاعد في هذا الأمر خاصة في ظل التقارب وتداخل و تشابك العالم ومصالحه إلا أن أهل مكة يظلون هم الأدرى بشعابها وإذا كان دعم الخارج والارتباط به ثمنه دماء أبناء الوطن الواحد فتباً له من دعم وارتباط.... يجب أن نعترف ببعضنا وبحقوق بعضنا تجاه بعض وبحقوق كل منا في التميز والاختلاف وحتى في الصداقات والامتدادات الدولية وهذه أمور لا يمكن نكرانها غير أن هذا التمايز والاختلاف الذي هو من أسباب الثراء والرقي إذا ما أحسنا استثماره في المجالات الخيره والنماء، يجب ألا يتحول هذا التنوع إلى نقمة وبراميل بارود قابلة للاشتعال والإحراق، يجب أن نسعى كي ينتصر الجميع وينتصر الوطن الذي يتسع للجميع وتتوزع موارده على الجميع بشكل عادل يكفل نماء الجميع وأمنهم واستقرارهم الشامل.. إن المؤشرا ت توحي للمراقب وكأن هناك من يحاول إيقاظ الفتنة النائمة تلك التي لن تبقي ولن تذر سوى الخراب والدمار إذا ما اشتعلت والتي ربما تكون قد خرجت وبدأت حلقاتها الأولى - لست أدري- ليس هناك ولن يكون من هو بمنأى عن مضاعفات وحرائق هذه الفتنة إن اضطرمت نيرانها ولينظر من شاء أن يعتبر إلى الصومال والعراق فعندما يكون الوضع سيئاً فلنتذكر أنه قد يصبح أسوأ... ولنسأل لماذا كل هذا السلاح بمختلف أنواعه في أيدي الجماعات المختلفة على امتداد جغرافيا الوطن؟؟ ما هو موقف الدولة من ذلك؟؟ ما الذي يخشاه الناس حتى يتسلحوا كل هذا الشر ويتأبطوه؟؟.. لماذا يتقاتلون؟؟.. هل هناك من ضيم وظلم واقع؟.. هل يقبل الناس رمي أسلحتهم وتسليمها لدولتهم مقابل ضمان حقوقهم وأمنهم من قبلها؟ يجب أن يستشعر الجميع أن هذه دولتهم التي هي كأمهم وهم أبناؤها الأبرار وهي أمهم الحنون التي تحب الجميع أياً كانوا هي أم الجميع وحسابهم فيما يعتقدون به وبما يختلفون عليه فمرده إلى الله رب العالمين فلا تكفير ولا تخوين ولا إقصاء فالوطن بحاجة إلى كل أبنائه والناس والوطن بحاجة ماسة إلى العمل المثمر وفرصه، والبطون بحاجة إلى الإشباع، والعقول بحاجة إلى العلم والثقافة والتنوير، والمرضى بحاجة إلى الدواء... الخ.

فليتنافس المتنافسون في صنع الخيرات وليتسابقوا السباق الجميل في المضمار المسوى للجميع ، وعلى الدولة فرض النظام والعدل وإحقاق الحقوق بما يضمن الحلول الجذرية للمشاكل وبما يكفل عدم الانتكاس مرة أخرى فنحن لسنا في غابة يأكل فيها القوي الضعيف فلا ضرر ولا ضرار وهذا ما يمكن أن يكون أساسه ترسيخ القواسم المشتركة والثوابت القائمة على العدل وتساوي الفرص بين كل الشركاء .. على أولئك الأخوة الأحباب الذين لا يرون سوى الكأس الفارغة أن يستشعروا المسئولية في إرساء دعائم ثقافة الحوار وثقافة الديمقراطية ويعملوا على إبراز القواسم المشتركة للخروج من ظلمة هذا النفق الذي اختلطت فيه الأوراق وصعب فيه تمييز الوجهة والمسار في ظل ظروف دولية وإقليمية شديدة التعقيد ... ليس كل ما يأتي من السلطة هو الشر المستطير وهذا ليس دفاعاً عن السلطة وأخطائها كما ليس كل ما يأتي من الخارج هو رحمة السماء أو لعنة الشيطان وهذا ليس إنكاراً لأهمية وعون وإنسانية ما قد يأتي من بعض الخارج وليس كل ما يأتي من المعارضة هو عين الصواب ولب الحقيقة وهذا ليس إغفالاً لدورها المهم في حياة المجتمع ومنظومته السياسية والاجتماعية.

إن الفساد وهو منتج الجميع يمكن تشبيهه بالقمامة مع مراعاة اختلاف الكميات المنتجة ودرجة سوء رائحتها فهناك من ينتج مقدارا قليلاً (كيس علاقي) يومياً وآخر ينتج مقدار عربية وآخرون ربما وصل إنتاجهم اليومي إلى حمولة سيارة دباب أو قلاب المهم في الأمر أن يتم التخلص من هذه القمامة بشكل دائم وإلا أصابنا منها العفن لو تراكمت في منازلنا و حجراتنا.. وهذا لن يحصل إلا إذا اعترفنا أن لدينا قمامة وتوفرت لدينا إرادة التخلص من هذه القمامة والنفايات... بالأمس القريب استمعت إلى بعض الآراء السديدة في أن مكافحة الفساد تحتاج إلى إرادة سياسية وكي تفعل هذه الإرادة نحتاج إلى إرادة شعبية ضاغطة ومقاومة للفساد فكما كنتم يولى عليكم قال الله جل شأنه في كتابه : {إن الله لايغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم} ولذلك فإني أرى وأدعو إلى تقوية الإرادة السياسية لدى الحاكم في تحقيق هدف مكافحة الفساد وذلك بالحوار المتوازن المسئول الحريص على المستقبل الأفضل للشعب والوطن وهذه الدعوة أيضاً موجهة للحاكم مع دعوتنا للتصالح والتسامح والصفح عن المآسي والجروح والآلام التي سببتها غطرسة القوى ونزق المتهور وسوء التعبئة والتحريض، وطي صفحات الماضي المؤلمة ومداواة ما يمكن مداواته دون نبش لمقابر الموتى.. فلكل مقابر وقبور، ولنترك ذلك لحساب رب العالمين {يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم}.. وليكن هم التغيير والتقدم نحو الأفضل بالإنسان والوطن أكثر أهمية من الثأرات الشخصية.

إن عهد الثورات والانقلابات لم تعد هي السائدة، لذلك فبوسع المرء البناء بنفس اللبنات التي ربما وجب عليه إعادة تشكيلها والتدخل بإسنادها وعلاجها أو نقشها مجدداً لتأخذ مكانها في مصفوفة البناء الشامل .. إنها دعوة مخلصة ومحبة أتوجه بها إلى كل إنسان فاعل في مجتمعنا أياً كان موقعه وأياً كانت ثقافته وتوجهه السياسي لصنع الخير على طريق السباق الجميل.

عضو مجلس النواب

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى