في طريقنا إلى مجلس التعاون ..صراع القات والقوت في حضرموت

> د.عبدالله سعيد باحاج:

> اطلعت بكثير من الاهتمام على ما كتبه د. سعيد الجريري تحت عنوان (مفارقات القات والقوت في تظاهرة حضرموت) وذلك بالصفحة الأخيرة في العدد 5015 من جريدة «الأيام» الصادرة بتاريخ 13/2/2007م .

والمقال بجملته وتفصيله يعكس هما ثقيلا وبغيضا على النفس والقلب، وتنوء بحمله الجبال، ولا يستطيع البوح به إلا من تأصلت في قيمه ووجدانه عزيمة وصدق الرجال، وهم بحمد الله تعالى كثرة كثيرة ومجاميع غفيرة في مجتمعنا، ولكنها صامتة ولا حول لها ولا قوة. أما أولئك القلة القليلة فهي نافذة ومؤثرة وهم من ذوي الحناجر القوية بل والخناجر المسمومة بما يحملونه من سم زعاف ينشرونه هنا وهناك، وهم ممن اشتروا الضلالة بالهدى فما ربحت تجارتهم وما كانوا مهتدين .

ومنذ سنوات عدة يتابع المخلصون والجادون والصابرون من أبناء حضرموت وبمشاعر مضطربة بين الرجاء والإحباط نمو هذه الظاهرة الخبيثة في مجتمعهم وبين ظهرانيهم ويرون أنها قد شبت عن الطوق، وأصبحت يافعة وقد بلغت من العمر سبعة عشر عاما، واقترن يوم مولدها المشؤوم بميلاد أغلى الأماني وأعز الطموحات التي كان مجتمعهم ينشدها ويسعى إليها، وقدم من أجلها تضحيات لا ينكرها إلا جاهل أو جاحد أو منافق.

واختلطت المشاعر والرؤى على أهل حضرموت، وامتزجت ما بين الفرحة والتشاؤم، فهل يفرحون بالمولود السعيد الذي طالما انتظروه بشوق ولهفة وشادوا من أجل قدومه الآمال العظام. أم يتشاءمون من توأمه المسخ؟ وكم تمنوا لو جاء هذا المولود السعيد وحيدا بلا توأم مشوه يفسد عليهم فرحتهم تلك. وأخذتهم الحسرة على زمن مضى لم يكونوا فيه في سعادة تامة للمنغصات التي عانوا منها خلاله ولا تزال آثارها باقية إلى اليوم. ولكن مجتمعهم وأراضيهم حينها لم يلوثا بعد بهذا الوباء السرطاني.

ولا شك أن كل ذي بصر وبصيرة يعلم تماما أبعاد ونتائج صراع القات والقوت في حضرموت بين الأقوياء والمستضعفين، وكيف أن القات قد أصبح عملاقاً يتطاول يوماً بعد يوم ويزداد مهابة وقوة بعد أن اكتسح القوت وجعله قزماً ضعيفاً يصغر يوماً بعد يوم.

ولعله ليس بعيداً ذلك اليوم الذي يصبح فيه قاتنا قوتاً لنا ، بعد أن غاب الرشد وتلاشت الحكمة عن قوم كانوا فيما مضى يفخرون بأنهم من ذوي الحكمة ومن سلالة الحكماء. وإلا فما معنى أن يسمح هؤلاء القوم بأن تمتص زراعة القات حوالي ربع كمية المياه العذبة المستخدمة لديهم مع قلتها وندرتها أحياناً، وبما يعنيه الماء من ضمان وبفضل الله تعإلى على الاستمرار في الحياة. وكذلك أن يبتلع القات ما يصل إلى ثلث أراضيهم الزراعية الخصبة ويطرد منها حبوب البن والفواكه وغيرها من المحاصيل النافعة، والأهم من كل هذا أن يفتك القات بصحة العباد في شتى أصقاع البلاد فتكاً لا هوادة فيه، بل وينفث فيهم سمومه القذرة الملوثة بالكيماويات الخطرة المحرمة دولياً، مما ينذر بأجيال تفقد الكثير من مناعتها الصحية الطبيعية جسدياً ونفسياً، فأين الحكمة والعقل في مثل هذه التصرفات، ومهما كانت المبررات، التي لا علاقة لها بالدين ولا بخلق ولا بمنطق، إلا إذا كان هو منطق القوي الغاشم على الضعيف الخانع.

ومن طريف ما علمنا بشأن القات وما يحظى به من إجلال وتقديس لدى البعض من بني قومنا أن مؤتمرا إسلاميا عقد في المدينة المنورة وأقر بأن القات هو صنف من المخدرات، مما أثار حفيظة وغضب علماء الجمهورية اليمنية من المشاركين في هذا المؤتمر، والأنكى من ذلك أن منظمة الصحة العالمية بجنيف قد أصدرت توصيفاً علمياً للقات بأنه يحتوي على خصائص وسمات المخدرات المعروفة، فهل سنغضب أيضاً على منظمة الصحة العالمية لفتواها العلمية هذه. أم أننا سنغطي رؤوسنا في الرمال بدعوى أننا لم نسمع ولم نر؟ وأين علماء الدين ومثقفو الوطن ونخبتنا الاكاديمية العلمية والاجتماعية والاقتصادية والسياسية من كل ذلك؟ أم أنهم في منأى من هذا البلاء وأصبح لا هم لهم إلا جمع المغانم والجري وراء المصالح والمكاسب التي تعبر عن أنانية مفرطة ومقززة بعد أن تركوا ساحة الجهاد ضد القات للمستضعفين من النساء والولدان والرجال الذين لا حول لهم ولا قوة في مواجهة عدو غاشم يمتلك كل الوسائل وأسلحة الدمار الشامل لنسف المجتمع والدولة معاً.

ويقفز إلى الذهن سؤال ملح وهو: كيف سيكون حالنا مع إخواننا في مجلس التعاون لدول الخليج العربي فيما لو انضممنا إليهم وهم الذين يعتبرون القات مخدراً ويفرضون على مروجيه ومتعاطيه عقوبات شديدة تصل أحياناً إلى الإعدام، فهل سيصبحون مثلنا من متعاطيه؟ أم سنكف نحن عن تعاطيه؟

وكم من السنين تمضي قبل أن نكون قادرين على التخلص الفعلي من هذه الآفة حتى ننضم إلى هذا المجلس؟. أوليس من الأجدر والأصوب والحكمة أن نبدأ بخطوة جادة في هذا السبيل حتى نكون بالفعل قادرين على الالتحاق بركب الآخرين من إخواننا في الخليج العربي. ولعل محافظة حضرموت هي أفضل مكان لانطلاق هذه الخطوة الجادة واجتثاث شجرة الشيطان هذه إلى الأبد.

وكنا قد كتبنا وكتب غيرنا الكثير عن سلبيات القات، وعن ذلك الصراع غير المتكافئ بين القات والقوت في حضرموت والجمهورية اليمنية عموماً، ولم يعد من المفيد تكراره أو اجتراره طالما وأن تلك القلة القليلة من السكان تملك القوة والسلطة والسلطان، مما يجعلها تفرض فسادها وإفسادها على الكثرة الصامتة المستضعفة والرافضة لهذه الدكتاتورية الطاغية والعاتية من مافيا القات التي تنهش بلا رحمة ولا وازع من ضمير ولا رادع ديني أو أخلاقي أو اجتماعي أو قانوني في جسم الأمة، وتغتال حلمها المشروع في مستقبل آمن وتنمية جادة وسليمة يعم فيها الاستقرار والعيش الكريم لرجالها ونسائها وأطفالها، وبما أوجب الله تعالى على المسلمين من حرص على الحياة الكريمة والبعد عن إفسادها بل إن الله عز وجل قد توعد هؤلاء المفسدين في الأرض بالعقاب الأليم والعذاب الشديد في الدنيا والآخرة . وكما أنه سبحانه وتعالى أمر المسلمين كافة بالثورة والتصدي لكل فساد وانحراف على وجه الأرض مما يمس كرامة الإنسان ويهدد حياته، وبكل ما هو متاح من وسائل وبقصد إصلاح الامور، ولكن دون الإيغال أو التطرف في ذلك حتى لا يتحول إصلاح الحال إلى فساد آخر، فلا بد أولاً من اتباع الحسنى والحكمة والتدرج الطبيعي .

ولا شك أن القيادة السياسية في الوطن وكذلك كافة مسؤولي الدولة والمحافظات بمن فيهم مسؤولو محافظة حضرموت - وهم المعنيون بالحرص على سلامـة هذا الوطن وأفـراده - يدركون جيدا وربما أكثر مما ندرك نحن من هذا المـأزق الحضاري الخطيـر، ومن ذلك كيـفية معالجة وضع من ابتلي بزراعة هذه الآفة أو تسويقها وخصوصا إذا ما وجدت الإرادة الصادقة والحقيقـية مـن قبل القائمـين على شؤون البـلاد والعـباد في ولـوج درب المعـالجة.

وقد أثبتت تجارب الشعوب كيف يمكن معالجة مثل هذه الأمور، ولم يعد هناك مستحيل في ذلك مع الإرادة الصادقة والإخلاص المفعم بحب الخير لكل الناس والبعد عن الانانية والاستعلاء والغرور وتبرير الخطأ بمقولات لا تقنع سوى أصحابها من ذوي الغايات الهابطة والدنيئة، وهي بعيدة كل البعد عن الصفات النبيلة التي أمرنا إسلامنا الحنيف ونبينا محمد صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم باتباعها من حرص على الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والتزام الحق والخير والعدل وإشاعة الأمان والاستقرار والعيش الكريم بلا إذلال ولا استعباد. والله الهادي إلى سبيل الرشاد.

باحث في الجغرافيا وقضايا الهجرة والتنمية

منسق عام جمعية حضرموت لمكافحة القات والدخان (جمعية تحت التأسيس)

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى