نحو عقد اجتماعي جديد

> فريد بركات:

>
فريد بركات
فريد بركات
ما الذي يتوجب على النخب السياسية والفكرية والثقافية، في الدول العربية، فعله في العام الجديد، بعد أن توارى العام الماضي عن الأنظار، بإيجابياته القليلة وسلبياته الكثيرة، التي كان أظهرها تواصل الهجمة الجديدة لمشروع الشرق الأوسط الكبير أو الجديد، وهو المشروع الذي يتوخى القضاء على مفهوم ومصطلح الوطن العربي، أو الأمة العربية ( في طور التكوين، أو الدولة القطرية المستقلة، أو حركات التحرر الوطني، في عصر ما بعد الاستعمار وتفكيك الامبراطورية العثمانية، واتفاقية سايكس - بيكو التي تجاوزتها الأحداث بعد انهيار الاتحاد السوفيتي والمعسكر الاشتراكي في مطلع التسعينات من القرن الماضي، وقيام النظام العالمي الجديد، ذي القطب الواحد، الأمريكي على أنقاضه، وانتصار الرأسمالية، إضافة إلى توخى فرض إسرائيل على النسيج الاجتماعي العربي، بصفة خاصة، وتوسيعه ليشمل غيرها من البلدان غير العربية كإيران وتركيا وأفغانستان وباكستان لتكون الهيمنة الاقتصادية فيه لإسرائيل، في زمن العولمة الرأسمالية بعد أن كان لها التفوق العسكري على جميع البلدان العربية في زمن الحرب الباردة.

ورغم الغياب المؤقت لعالم جديد متعدد الاقطاب، وللسند الدولي المدافع عن بلدان العالم الثالث النامية، أو المتخلفة، لا فرق، فإن الأنظمة السياسية في الوطن العربي- ولا سيما الجمهورية والقومية منها- في أمس الحاجة اليوم إلى إعادة النظر في طبيعة أوضاعها الداخلية، وسياساتها الخارجية، من أجل إحداث إصلاحات حقيقية فيها، سياسية واقتصادية واجتماعية، تسمح بإطلاق الحريات الديمقراطية العامة، والقبول بالآخر المختلف، وتحقيق المواطنة المتساوية، والعدالة الاجتماعية. فلقد ولى زمن الاستبداد والقهر الاجتماعي إلى غير رجعة، مهما بدت لنا مظاهره وذيوله ممسكة بتلابيبنا، كما يمسك الأموات بتلابيب الأحياء.

وفي الضفة الأخرى، نجد أن على النخب السياسية والفكرية والثقافية، ومؤسسات المجتمع المدني كافة، أن تعمل على الإعلاء من شأن قيم التسامح والتضامن والتآزر، وغرسها، بين الدول والشعوب العربية، في زمن اشتداد الهجمة الرأسمالية المتوحشة عليها، والعمل على ضرورة إبرام عقد اجتماعي جديد بين هذه الدول وشعوبها، وبين هذه الدول فيما بينها، للتصدي للمشاريع التقسيمية الاستعمارية الجديدة، وعلى رأسها مشروع الشرق الأوسط الكبير أو الواسع أو الجديد. وفي الوقت الذي نقر بضرورة وأهمية نشر قيم الحرية والديمقراطية والمواطنة المتساوية والعدالة الاجتماعية والتداول السلمي للسلطة، ولا نقيم جداراً صينياً بينها وبين مشروع الشرق الأوسط الجديد، فإننا نرفض قيام مثل هذه المشاريع التي تحمل في ثناياها بذور التجزئة والتقسيم والتفكيك، وإشاعة الحروب الطائفية والمذهبية داخل كل بلد عربي على حدة، تكريساً لنشر سياسة (الفوضى الخلاقة) التي تنهار معها الأنظمة القائمة، وتقوم على أنقاضها، من داخل أتون هذه الفوضى، أنظمة أخرى بديلة، هزيلة، لا حول لها ولا قوة، تسمح لقوى الاستعمار الجديد بفرض هيمنتها وسيطرتها المطلقة على هذه البلدان المفككة الضعيفة. وسياسة (الفوضى الخلاقة) التي يتم تطبيقها اليوم في العراق بنجاح منقطع النظير، هي الوجه الآخر من العملة، لسياسة (فرّق تسد) الاستعمارية القديمة.

على أننا، من زاوية أخرى، نشيد في هذا الصدد، الذي فصلنا القول فيه سلفاً، كمثال حي على التصدي لمشاريع التقسيم وإسالة الدماء، وأيضاً للإعلاء من قيم التسامح والتضامن والتعاضد العربي والإسلامي، نشيد بالدور السعودي النبيل الذي تمثل مؤخراً في دعوة الملك عبدالله المباركة لحقن الدماء الفلسطينية، في مؤتمر مكة المكرمة الذي تمخض عن قيام حكومة الوحدة الوطنية الفلسطينية، بمشاركة جميع فصائل العمل الوطني الفلسطيني. كما لا تفوتنا الإشارة هنا إلى أن السعودية قد دأبت منذ وقت بعيد على تكريس جهودها الخيرة لرأب الصدع العربي - العربي والإسلامي - إلى جانب الجهود الطيبة لجمهورية مصر العربية- كالتوسط بين الفرقاء اللبنانيين الذي أثمر اتفاقية الطائف الشهيرة. والتوسط اليوم بينهم أيضاً إلى جانب جهود الجامعة العربية في هذا الصدد. وكذلك مبادرة السلام العربية التي أضحت اليوم المبادرة الوحيدة الواقعية لحل موضوع الصراع العربي الفلسطيني - الإسرائيلي. ناهيك عن دعم السعودية السخي لبلادنا - إلى جانب دول مجلس التعاون الخليجي، وغيرها من الدول المانحة الأخرى- في مؤتمر المانحين بلندن، وفي دورات مجلس التنسيق الأعلى اليمني- السعودي المستمرة.

ونحن نهدف من وراء هذا كله هنا، إلى الإشادة الصادقة بروح التسامح والتضامن والتآخي بين الدول العربية بدلاً من التنافر بينها. فهذا هو الوقت المناسب حقاً للتقارب بين الدول والشعوب العربية والإسلامية، وللتصدي للمشاريع الأجنبية الاستعمارية المشبوهة. عدن 19/2/2007م

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى