برًا إلى أفريقيا عن طريق ميون

> فاروق لقمان:

>
فاروق لقمان
فاروق لقمان
خلال رحلة العودة إلى عدن من دول الخليج عام 1969م، حطت بي الطائرة في مطار المنامة عاصمة البحرين قبيل استقلالها عن بريطانيا، وكانت فرصة مواتية للفرجة في البلاد التي سمعت عنها الكثير، فقد كانت رغم صغر حجمها وعدد سكانها تتمتع بحركة ثقافية تكاد تشبه إلى حد ما تلك التي جعلت من عدن يوما ما مركزا للتنوير في اليمن والمناطق المجاورة، لكنها لم تكن قد تطورت سياحيا وبالتالي اقتصاديا، لأن البحر كان يفصلها عن جارتها الكبرى المملكة العربية السعودية التي كانت تشهد طفرة بعد تدفق النفط من آبار المنطقة الشرقية: الدمام والخبر والظهران التي تشرف على البحرين.

ولما أقلعت بي الطائرة حطت في مطار الدمام، ولما كان لا يبعد سوى بضعة كيلومترات اضطر القائد إلى التحليق بعيدا جدا ليتمكن من العودة مجددا نحو المطار ليهبط بالسرعة التدريجية الضرورية. وأضفت وقت التحليق إلى وقت البقاء في الدمام لتصل المدة إلى حوالي ساعة ونصف.

ومرت عدة أعوام حتى اتفقت المملكة والبحرين عام 1981م في عهد الملك خالد بن عبدالعزيز آل سعود على بناء جسر حديث فاخر يربط البلدين وتم وضع حجر الأساس عام 1982 خلال عهد الملك فهد الذي تعهد بتمويل المشروع بالكامل بوجود أمير البحرين الشيخ عيسى بن سلمان آل خليفة رحمهم الله، ورست العملية على شركة هولندية اسمها (بالاست نيدام) تعرفت بعد ذلك على أقطابها لأنني كنت أعمل في «عرب نيوز»، أول جريدة انكليزية يومية سعودية كان لي حظ الاشتراك في تأسيسها والعمل فيها أكثر من سبعة عشر عاماً.

وبعد صرف ألف ومائتي مليون دولار تم بناء الجسر للسيارات التي تقطعه في عشرين دقيقة ولا حاجة إلى طائرات أو قوارب شراعية، وفعل الجسر في الاقتصاد البحريني ما يشبه المعجزة لأنه ضاعف عدد زوار الجزيرة الصغيرة حتى بلغ حاليا أربعة ملايين سائح مترف قادر على قيادة سيارته مع أسرته من الدمام في ثلث ساعة أو حتى من الرياض (أربع ساعات) والعودة في اليوم التالي أو الثالث بثمن زهيد. أغلبهم يصلون إليها في الصباح ويعودون منها في العاشرة مساء، لأن طول الجسر كله خمسة وعشرون كليومترا، معبدا أفضل تعبيد، ولا حاجة للدخول في تفاصيل البناء لأنها معروفة ومتوافرة.

باب المندب وتبدو جزيرة ميون في الجانب الأيمن من الخارطة
باب المندب وتبدو جزيرة ميون في الجانب الأيمن من الخارطة
واليوم تزدحم البحرين إلى عدة مدن، بالعمائر والفنادق والكليات والأندية السياحية مما دفع بالأسعار إلى الارتفاع إلى درجة أزعجت الأهالي نظرا لارتفاع تكاليف المعيشة من جهة ومنافسة المغتربين الهنود لهم من جهة أخرى. ومن الممكن القول إن بناء الجسر حول الجزيرة إلى دولة المدينة الحالية، ورغم بعض البطالة في صفوف الشباب المتخرج حديثا فإن هناك حركة عمرانية دؤوبة ونشاطا محموما واستثمارات سعودية وإيرانية وتزايد الطلب على الشقق المفروشة لأن العديد من السعوديين إما يشترونها وإما يستأجرونها لقضاء الإجازة الأسبوعية فيها بدلا من العودة إلى الدمام للنوم كل ليلة.

ذكرني جسر البحرين التي أزورها بين الفينة والأخرى بما قرأته في الشهر الماضي عن محادثات قيل إنها جارية بين الجمهورية اليمنية وشركة إماراتية مقرها دبي تستهدف البحث في إمكانية بناء جسر بطول أربعة عشر كيلومترا يربط بين اليمن وجيبوتي في القارة الافريقية. وذكرت جريدة «البيان» الإماراتية إن المشروع بأسعار اليوم قد يكلف ألف مليون دولار ولا يعرف متى سينتهي حتى لو افترضنا جدلا وتفاؤلا أن البناء فيه سيبدأ في العام الجاري وأنه سيصبح يوما ما معبرا للبضائع والسياح بين اليمن والقرن الافريقي، وهذا تعبير أطلقه البريطانيون يشمل جيبوتي واريتريا وكينيا والصومال، لأن شكل المنطقة على الخريطة يشبه رأس وحيد القرن.. و«البيان» جريدة يومية جيدة تصدرها وتشرف عليها حكومة دبي بالإضافة إلى صحف أخرى باللغتين.

ذكرت مصادر شركة الشرق الأوسط للتنمية في دبي، أكثر ولايات الإمارات العربية المتحدة ازدهارا بسبب نشاطها التجاري والسياحي وملايين المغتربين الذين سمحت لهم الحكومة بالاستثمار في الأعمال والعقارات مقابل إقامة دائمة تصل إلى 99 عاما، أن الجسر سيبدأ في الجانب اليمني من جزيرة (ميون) التي سماها البريطانيون خلال الاستعمار (بريم) ويقال إنه اسمها العربي الأصيل وسط البحر الأحمر في أضيق مسافة بين اليمن وأفريقيا، أي باب المندب، لكن اليمنيين في الشطر الجنوبي ظلوا يصرون على تسميتها (ميون)، مساحتها لا تتجاوز خمسة عشر كيلومترا مربعا وترتفع عن سطح البحر خمسة وستين مترا فقط وتفتقر إلى مياه الشرب مما أبعد عنها الاستعمار الفرنسي والعثماني والبرتغالي.

ولما ضمتها بريطانيا إلى عدن كانت ترسل لها مياهاً في السفن لا تكفي سوى بضعة أيام لموظفيها القائمين على فنارها القديم.

ولا بد أن بريم كانت جزءاًً من جسر بري يربط بين أفريقيا واليمن، يعني قارة آسيا، في الأحقاب السحيقة الماضية كما ذكرت في مقال سابق وصفت فيه خريطة الهجرات الأفريقية إلى آسيا عبر اليمن قبل أكثر من مائة ألف سنة.

قالت الصحف التي نشرت خبر المحادثات الجارية حول الجسر إن المشروع لو تم كما ينبغي سيصبح ممرا هاما للتجارة بين الشرق وأفريقيا عبر باب المندب وبريم لأنه سيضم طرقات للشاحنات والسيارات والقطارات أيضا ولن تشكل المياه مشكلة كبيرة لأن وسائل التحلية أصبحت في متناول اليد بقدرات إنتاجية تبدأ من بضعة آلاف من البراميل إلى بضعة ملايين يوميا كما حدث في الخليج العربي كله تقريبا.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى