وساطة ناجحة وسلام ضائع وخطوة أخرى للانعتاق

> عبدالله الأصنج:

>
عبدالله الأصنج
عبدالله الأصنج
«ارحموا أنفسكم».. هكذا كانت الصرخة التي أطلقها خادم الحرمين الملك عبدالله بن عبدالعزيز في وجه الأخوة أهل الحل والعقد من الزعامات والقيادات الفلسطينية الذين لبوا دعوته للحضور إلى مكة المكرمة لتسوية خلافاتهم وصراعاتهم بعد أن غرقت حماس وفتح في اشتباكات دامية ذهب ضحيتها العديد من أبناء الشعب الفلسطيني.

فقد رافق الرئيس محمود عباس (أبو مازن) إلى مكة عريقات ومحمد دحلان كما رافق رئيس الحكومة المنتخبة إسماعيل هنية قطب حماس خالد مشعل وآخرون. واستطاع الملك عبدالله بن عبدالعزيز ومستشاروه من وزراء وعلماء أن يقوموا بدور الوسيط النزيه الراعي لخطورة الموقف ولأهمية السعي المسؤول المحايد والجاد بين الجانبين. وهكذا حققت الوساطة السعودية نجاحا أسس له تفاني الوسيط السعودي وإدراكه لأهمية المسعى ونيل المقصد ومصداقيته.

وحال أن أعلن اتفاق مكة بين عباس ومن يمثله ومشعل ومن يمثله استقبله شعب فلسطين بلهفة وسعادة ولقي الاتفاق ترحيباً وتأييداً عربياً وإسلامياً ودولياً منقطع النظير.

ولم يفاجأ عقلاء العالم بالرفض الإسرائيلي ولا بالتحفظ الأمريكي اللذين حاولا التقليل من قيمة اتفاق فلسطيني يحقن دماء شعب مناضل احتلت عصابات إسرائيل أراضيه وصادرت مساحات تتجاوز حجم أول قرار دولي أصدره مجلس الأمن حدد به مساحات للدولتين فلسطين العربية وإسرائيل الصهيونية العنصرية. واقتنع الرأي العام العربي وعشاق الحرية في العالم من جراء إعلان الموقفين الأمريكي والإسرائيلي بأن للولايات المتحدة أجندة لا علاقة لها بالسلام أو الديمقراطية في فلسطين وبلدان العرب والمسلمين والعالم الثالثة إجمالاً.

والمؤسف في سياق هذه السياسة المنحازة لإسرائيل والمعادية للحقوق العربية المشروعة أن اتخذت دول الاتحاد الأوروبي موقفا متأرجحا تحت وطأة الكرباج الأمريكي المسلط على ظهور حكوماتها. فقد رأى الأوروبيون أن اتفاق مكة مجرد تسوية لصراع فلسطيني داخلي لا يقدّم ولا يؤخّر في تسوية الصراع الفلسطيني - الإسرائيلي وفق شروط وإملاءات إسرائيلية لا سقف لها، وأن الاتفاق لا يكفي لرفع الحصار المالي والسياسي المفروض قسرا وظلما وعدوانا على الشعب الفلسطيني وحكومته الشرعية المنتخبة.

والأدهى والأمر في الموقف الأمريكي الإسرائيلي الأوروبي الراهن هو صمت أنظمة عربية وإسلامية فاشلة متقاعسة عن الوفاء بمسؤولياتها نحو شعوبها مستسلمة للإملاءات الأمريكية ترفض اتخاذ خطوات عملية لتنفيذ قرارات صادرة عنها قضت برفع الحصار عن الشعب الفلسطيني. وفي هذا الشأن يطالب ويرى عقلاء الأمة في مصر والأردن وقطر والسعودية والإمارات والكويت واليمن والمغرب أن موقفا حاسما يفك الحصار والاحتلال معا سوف يعيد الامور إلى نصابها.

وإذا كانت واشنطن هي مصدر إفشال كل محاولات إحلال سلام عادل وشامل في فلسطين وبالتالي إنهاء الصراع بين الأمة العربية والإسلامية من جانب وإسرائيل من جانب آخر.

وإذا كانت أوروبا تتبنى موقف اصطفاف غير أخلاقي وراء واشنطن ومراعاة كل الشروط القديمة والمستجدة التي تضعها إسرائيل مرة تلو الأخرى لإفشال كل بادرة تسوية عادلة للصراع دون الأخذ بمتطلبات الالتزام بقرارات دولية تحدد حقوق الشعب الفلسطيني نصت عليها اتفاقيات ومعاهدات وقرارات دولية. إذ لا يعقل أن يتعامل العرب مع شروط واشنطن ومن ورائها الرباعية ومجلس الأمن وخارطة الطريق بإخضاع الجانب الفلسطيني لطلبات ورغبات وإملاءات واشنطن وتل أبيب ليحصل الجانب الإسرائيلي على كل ما يطلبه من ممثلي الشعب الفلسطيني بداية بالاعتراف المطلق بدولة إسرائيل دون تحديد لحدودها الدولية ودون التزامها بالقرارات الدولية الصادرة بشأن إنهاء الاحتلال في موعد متفق عليه وهدم الجدار العنصري وإطلاق المعتقلين في سجونها والإقرار بحق العودة للشتات الفلسطيني وإزالة المستوطنات التي أنشأتها فوق مساحات داخل الضفة والقطاع وحول القدس الشرقية.

وعليه فإن المنطق العدواني الإسرائيلي الصهيوني الذي يتخذ من التأييد الأمريكي المطلق والصمت الدولي والاستسلام العربي غطاء لجرائم ضد الإنسانية يرتكبها يوميا في حق الشعب الفلسطيني يكون هو العقبة الوحيدة التي تعترض وتعيق وتجمد كل مساعي إحلال سلام عادل في فلسطين ومن ثم سلام شامل بين الأمة العربية-الإسلامية وإسرائيل.

وللعلم فإن اللجوء لفرض سياسة الأمر الواقع في فلسطين على قاعدة اغتصاب أراضي الغير الأمريكية بتطويق وتطويع الهنود الحمر في أمريكا وحصرهم في مساحات ضيقة من الأرض في بدايات هيمنة المهاجرين البيض الوافدين من أوروبا إلى أمريكا، ستبقى التجربة الأمريكية هذه مجرد صورة بشعة، ومحاولة إعادة ونسخ مثيلاتها هي محاولة فاشلة ولن تنجح مع إصرار الأمة العربية الإسلامية ومع طلائعها من أبناء الشعب الفلسطيني وقياداته الوطنية الشريفة في حماس وفتح والجهاد والشعبية.

وتعلم اأوروبا علم اليقين بأن دولة إسرائيل ستبقى دائما محصورة في منطقة عربية وإسلامية مترامية الأطراف ولن تستسلم شعوبها وحكوماتها للكرباج الأمريكي والحقد الصهيوني والدهاء والمكر الأوروبي. فلا مستقبل لشرق أوسط جديد وعهد اقتصادي مزدهر لعبث مبيت بمقدراته تحركه أصابع (شيلوك تاجر البندقية) الذي يجسده اليوم فيلسوف الحروب العدوانية المتمسح (بجلباب الاشتراكية الدولية) شيمون بيريز ونظراؤه في أمريكا وبريطانيا والمجموعة الأوروبية.

وإن الموقف الروسي المعلن في الرباعية يوفر نقطة انطلاق لشعوب وحكومات عربية وإسلامية ترغب في الانعتاق من هيمنة خارجية لتبادر إلى الاعتراف والتعامل مع حكومة الوحدة الوطنية في فلسطين.

وإن التوجه نحو إرساء أسس علاقات تعاون اقتصادي وتجاري وسياسي وأمني عربي مع دول آسياء (الصين والهند وإندونيسيا وماليزيا والباكستان وروسيا) قد يوفر لنا معادلة متوازنة واعدة دون استعداء للولايات المتحدة ودول الاتحاد الأوروبي. وستبقى حاجتنا ملحة للتغلب على ما يعترض طريق العودة لإحياء دور التضامن العربي الإسلامي بدءا بمساع حميدة من المملكة العربية السعودية لتسوية أمور عالقة في عالمنا العربي تتعلق بسوريا ولبنان والصومال والسودان وفي المغرب والجزائر ومع إيران الإسلامية والعرب سنة وشيعة ومسيحيين. فالدور السعودي ورديفه الخليجي يوفران مدخلا مناسبا.

وبداية لتخطو حكومات الأمة وشعوبها خطوات حثيثة للخلاص من وهم قاتل يقول إن تسعة وتسعين في المئة من فرص بقاء وسلامة الأمة وحكامها تُمسك بها جماعات صهيونية ومسيحية متطرفة في واشنطن، ومعها عواصم أوروبية ارتكبت جرائم ضد يهود في الأمس وأفارقة وعرب وأجناس أخرى اليوم.

وزير الخارجية اليمني الأسبق

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى