الاستفادة من الخبرات والكفاءات

> علي صالح محمد:

>
علي صالح محمد
علي صالح محمد
قبل عامين وحين كنت في زيارة لمدينة دبي المتألقة مع كل فصل من فصول السنة بفضل القيادة الرشيدة والمميزة لهذا البلد المتميز قرأت خبرا في جريدة «الخليج» يومها مفاده بأن الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم حاكم دبي ورئيس وزراء دولة الإمارات العربية المتحدة، قد أمر بدفع مبلغ أربعين مليون درهم لكل ضابط من قيادات شرطة دبي الذين أحيلوا للتقاعد، وذلك تقديرا لخدماتهم الجليلة وتكريما لعطائهم المخلص، حتى يعيشوا معززين مكرمين هم وأسرهم بقية حياتهم، وما كان من هؤلاء الضباط في إطار التعبير عن عرفانهم لهذا التقدير إلا أن أعلنوا عن تأسيس شركة خاصة للخدمات الأمنية يضعون من خلالها خلاصة خبراتهم المتراكمة ويساهمون مجددا بصيغة أخرى في تعزيز الأمن في دبي، يومها لم يدر في خلدي سوى تخيل ذلك الشعور الذي ينتاب كل مشتغل في هذا المجال ومستوى التفاني الذي سيبديه ودرجة الإخلاص والنزاهة التي سيتحلى بها وهو يؤدي مهام وظيفته وهو يعلم مقدما أن هناك من سيقدر أداءه ويمنحه التكريم اللائق حين يتم الاستغناء عن خدماته ولكن لا يستغنى عن خبراته حتى وإن زاره أرذل العمر، مثل ما جرى مع هؤلاء الضباط الذين منح كل منهم سبعة مليون درهم نقدا وثلاثة وثلاثين مليون درهم عينيا.

ما دفعني إلى العودة إلى هذا الخبر القديم هو ما قرأته في صحيفة «الخليج» الإماراتية الصادرة يوم الخميس الموافق 22 فبراير 2007م في العدد رقم (10140) في صدر صفحتها الأولى وتحت عنوان (مبادرة لإعادة توظيف المتقاعدين) حيث أشار الخبر في تفصيله إلى (إطلاق مبادرة وطنية طموحة لإعادة توظيف الكفاءات المواطنة من المدنيين والعسكريين في مؤتمر صحفي على لسان سمو الشيخ منصور بن زايد آل نهيان، وزير شؤون الرئاسة نائب رئيس مجلس ابوظبي للتعليم، وذلك تنفيذا لتوجيهات صاحب السمو الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان، رئيس الدولة بهدف استيعاب كافة الطاقات الوطنية وتأهيلها للمشاركة البناءة في النهضة الشاملة التي تشهدها البلاد باعتبار المتقاعدين مكونا مهما من مكونات القدرات الوطنية الكلية لا بد من الاستفادة من الخبرة والدراية التي يتمتعون بها والمعارف المكتسبة عبر سنوات الخدمة الطويلة الممتازة بعد إعادة تأهيلها لتسهيل اندماجها في سوق العمل وزيادة الفوائد الاجتماعية من طاقاتهم وخبراتهم، خاصة وأن أغلبيتهم قادر على العمل بكفاءة مهنية عالية).

وإذا كانت هاتان الصورتان تعكسان بوضوح حال التعامل مع الإنسان الذي أنهى خدماته الوظيفية في بلد يضع الإنسان المواطن في المرتبة الأولى فلا غرابة إذن أن يحتل هذا البلد المرتبة الأولى من بين جميع الدول العربية من حيث نظافته من الفساد وفقا للتقرير السنوي الصادر عن منظمة الشفافية العالمية للعام 2006م، فمن أين سينفذ الفساد يا ترى إلى حياتهم وحياتهم مكللة ومغطاة بالعز والناموس أثناء الخدمة وبعد الخدمة وما بعد بعد الخدمة؟ وفي بلد يجري التعامل مع الإنسان بهذه الصيغة كونه قيمة عالية فالمؤكد أن يشهد هذا البلد أماناً عظيماً وازدهاراً أعظم وهو الأمر الذي أصبح واقعاً معاشاً وملموساً وحقيقة تدهش كل من يزور هذا البلد.

لا أخفي على القارئ أن الحسرة قد زارتني بقوة لحظتها وأنا اقرأ هذا الخبر كوني أحد أعضاء (خليك في البيت) مكرهاً منذ عام 1994م، كالآلاف أمثالي من ضحايا الحرب التي شنت على الجنوب، ولكن حسرتي ومشاعر الأسى تضاعفت حين قرأت قبل أيام بأن المئات من أساتذة وأكاديميي جامعة عدن قد أحيلوا إلى المعاش ولم تصرف مرتباتهم لأشهر وهم الذين ينبغي أن نعمل نصباً تذكارياً لكل واحد منهم باعتبارهم من الرعيل الأول الذين تخرجت على أياديهم وبفضلهم أجيال متعاقبة منذ تأسيس الجامعة وحتى يومنا هذا، ولكن الأسى يتضاعف بقوة حين نعلم أن من بين هؤلاء الخريجين من وصل إلى أعلى الدرجات العلمية وبتفوق في جراحة المخ والأعصاب وبعد ست سنوات من التخصص في الهند مثلا يجد نفسه يعمل بلا مقابل في مستشفى الثورة لأكثر من ستة أشهر بعد أن رفض أحد مدراء عموم الصحة أوامر وزيره بتحويله إلى مستشفى الثورة للاستفادة من خبراته، وكأن البلد لا يحتاج إلى طبيب بمستوى كفاءته كما هو حال الكثير من أمثاله في مجال الطب، وفي مختلف التخصصات الأخرى.

إذن والحال هكذا متى ستفرح القلوب، وتتحقق التنمية المنشودة، ويزول الفساد، ويختفي الفقر من كل قرية وحارة.. في (بلادنا السعيدة)..؟

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى