مدن الصفيح

> عبدالقوي الاشول:

>
عبدالقوي الاشول
عبدالقوي الاشول
للعامل الاقتصادي في نظر ابن خلدون دخل في الأجسام والأخلاق والعقول والعبادة، فاختلاف أحوال العمران في الخصب والجوع له آثار بعيدة المدى في أبدان الناس وأخلاقهم وعقولهم ودينهم.

حال يذكرنا بما بلغته مجتمعاتنا العربية من معاناة متباينة جلبت معها ظواهر أخلاقية وسلوكية لم تكن مألوفة، ما يشير هنا إلى عمق المعاناة في جانب ثقافات المجتمعات التي خطرها يناهز أو يفوق خطر التلوث البيئي من حيث نتائجه الكارثية، فهذه المدن أو الحواضر العربية ترادفها مدن الصفيح، والأحياء الراقية تقابلها أحياء المهمشين بعد أن فقدت التجمعات الريفية والبدوية عوامل استقرارها.. ما جعل المدن تبدو قبلة هؤلاء غير آبهين بالدخول في سراديب المجهول في أرجاء مدن لا توفر لهم الحد الأدنى من سبل العيش، إذ إن المتغيرات المناخية، بما يقابلها من ندرة سقوط الأمطار وعوامل التصحر، ولدت هجرتهم صوب المجهول.

فما يشهده واقعنا من نمو سكاني لا تقابله عوامل نمو اقتصادية وفرص عمل تستوعب أعداد الأيادي العاملة، كما أن اللجوء إلى المدن أو نشوء ما يعرف بمدن الصفيح، يمثل حال الاستجارة من الرمضاء بالنار، عند قطاع كبير من هؤلاء.

ظاهرة نمت معها مشكلات كثيرة أبرزها الأمية وحالة الاقتناع بالعيش على هامش الحياة بكل ما يتصل بها من مساوئ، طالما وقد فقد هؤلاء عوامل استقرارهم في المناطق الريفية وأغفلت السلطات وضع الحلول إزاءهم رغم كونهم يمثلون النسبة الكبرى من السكان في مجتمعنا اليمني.

فالبطالة بنتائجها المزعجة بل الكارثية على حياة المجتمع، أكثر استفحالاً في تلك التجمعات، في حين تشكل ثنائية الجوع والعطش عوامل يتعذر معها العيش في كنف المناطق الجبلية الخارجة عن نطاق الاهتمامات.

أما الحرمان من التعليم فلا بد أنه يمثل ثالثة الأثافي في مشكلة هؤلاء التي تبدو عصية على الحل، طالما لا توجد في الأفق مشاريع تنموية استثمارية يتم معها الاستفادة من المقومات الممكنة خصوصاً من الثروات الطبيعية التي تزخر بها أرضنا الطيبة.

إذن مدن الصفيح العربية باتت أمراً واقعاً وظاهرة مرادفة للتجمعات الحضرية، وهي بحسب رأي الخبراء قنبلة موقوتة يمكنها أن تهدد عوامل استقرار المجتمعات وتجهض نسق تطورها الحضري وفق مقاييس معينة، نظراً لاشتداد تنامي تلك التجمعات العشوائية وحدّة تداعي أوضاعها المعيشية ونحوها من مقومات واقع غير طبيعي يبدو مع الزمن كسرطان مستفحل في جسم أي مجتمع لا يقوى معه على المقاومة أو خلق واقع مختلف ومخالف لركامات العشوائية الماحقة، التي تخلقت عبر العقود، والتي هي ناتج إيقاعات حياة تعاني من حدة التشوهات والاختلالات وتسويف حلول الأزمات، بل تغض الطرف عن عوامل الابتلاءات المتعددة التي تحاصر حياة الناس وتصيبهم في أخلاقهم وعقولهم وأجسادهم، بل في عباداتهم .. وقديماً قالوا «الجوع كافر».

ولعل ما يشهده واقعنا من نُذر شؤم هي وليدة هذا الاستلاب أو التلوث الذي يصيب مناحي عدة في حياتنا.. فيبدو تعايشنا مع الجريمة والظلم وسلب الحقوق والاعتداء على الكرامات وقطع الأرزاق ونحو ذلك من شرور وآثام البشر .. كما لو أنها من المسلمات التي ينبغي التعايش معها. في حين يتزايد عدد المدافعين عن الظلم والمسوقين للمساوئ كما لو أنها هي التي ينبغي لها أن تسود .

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى