الرئيس علي ناصر محمد في ذكرى إحياء المناضل جار الله عمر بالقاهرة :لقاؤنا اليوم عربون وفاء لمناضل عظيم لا لنتذكر ألم استشهاده بل لنكرس فرح بقائه فكراً نيراً متقداً منفتحاً

> القاهرة «الأيام» خاص:

>
جار الله عمر
جار الله عمر
عقد حزب التجمع المصري في العاصمة المصرية القاهرة مساء يوم الأربعاء 28 فبراير 2007 مؤتمراً سياسياً جماهيرياً بمناسبة ذكرى مرور خمسة أعوام على استشهاد المناضل الكبير جار الله عمر الأمين العام المساعد للحزب الاشتراكي اليمني الذي اغتالته يد الإرهاب ، ومن ضمن الحضور الرئيس اليمني السابق علي ناصر محمد، وسفير اليمن في القاهرة الدكتور عبد الولي الشميري، والدكتور عبد القدوس المضواحي، والسفير علي محسن حميد، والدكتور رفعت السعيد، والدكتور حسن أبو طالب، والأستاذ أحمد الجمال ، والأستاذ أحمد قصير ، وعدد من الشخصيات السياسية والفكرية والثقافية والإعلامية ومحبي جار الله عمر الذين توافدوا عند الساعة السادسة مساءً للمشاركة في الحفل التأبيني.

ألقيت في المؤتمر كلمات أشادت بمناقب الراحل حيث شدد الرئيس علي ناصر محمد على الأثر الكبير الذي تركه المناضل جار الله عمر في الحياة السياسية اليمنية حيث قال : «لقاؤنا اليوم عربون وفاء لمناضل عظيم ، لا لنتذكر ألم استشهاده بل لنكرس فرح بقائه فكراً نيراً متقداً منفتحاً في الحياة السياسية اليمنية والعربية والدولية» ، وأكد في الكلمة التي ألقاها أن جار الله عمر «كان يردد ويؤكد دائماً على أهمية قيام يمن ديمقراطي موحد مزدهر خال من الحقد والثأر والفساد والكراهية والطائفية» واتفق جميع الذين ألقوا كلمات أو وجهوا رسائل إلى المؤتمر على أن جار الله عمر كان بامتياز رجل الحوار وهذا ما قاله الدكتور رفعت السعيد في كلمته الافتتاحية وكذلك صديقه الدكتور حسين أبو طالب والسفير علي محسن حميد والأستاذ أحمد قصير، وكانت هناك شهادتان مرسلتان إلى المؤتمر الأولى من قبل الدكتورة ليزا ودين المهتمة بالشأن اليمني التي أشادت بمناقب الراحل وانه كان رجلا منفتحا، وكانت هناك رسالة أو شهادة بحق جار الله من مراسل الغاردين المختص بشؤون الشرق الأوسط والذي كان على علاقة قوية مع عدد من الشخصيات اليمنية ومن بينها المناضل جار الله عمر حيث ذكر في رسالته الدور والمكانة الكبيرة للمناضل جار الله عمر في الحياة السياسية اليمنية. واختتم الحفل بكلمة للسفير اليمني الدكتور عبد الولي الشميري حيث أشاد بموقف الشهيد ودوره في الدفاع عن ثورة 26 سبتمبر وتحقيق الوحدة اليمنية.

وفي الحفل قام اتحاد شباب حزب التجمع التقدمي الوحدوي الذين درسوا في اليمن بمنح الرئيس علي ناصر محمد درعاً تقديراً وافتخاراً به لما قدمه لهم من مساعدة أثناء دراستهم في اليمن في فترة توليه الرئاسة واستعادوا معه بعض الذكريات الجميلة .

فيما يلي نص الكلمة التي ألقاها الرئيس علي ناصر محمد في ذكرى جار الله عمر.

كلمة السيد الرئيس علي ناصر محمد

بمناسبة ذكرى استشهاد المناضل جار الله عمر:

بسم الله الرحمن الرحيم

السيدات والسادة الحضور الكرام

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

لقاؤنا اليوم عربون وفاء لمناضلٍ عظيم، لا لنتذكر ألم استشهاده بل لنكرس فرح بقائه فكراً نيراً متقداً منفتحاً في الحياة السياسية اليمنية والعربية والدولية.

من مفارقات القدر أن يقتل جار الله عمر برصاص العنف والإرهاب وهو صاحب الكلمة الصادقة والفكر المتسامح ورجل الحوار والوفاق، وإذا كانت يد الغدر قد قتلت جار الله عمر فإنها لم تقتل أفكاره وقيمه ولم ولن تمحو تاريخ الرجل الذي وهب حياته كلها لوطنه وحمل في قلبه قضية الوحدة اليمنية والوحدة الوطنية، فلم يكلّ أبدا من الدعوة إلى التمدن والنضال السلمي حتى لحظة رحيله الأخيرة صباح يوم السبت 28 ديسمبر 2002 . إذ كان يؤكد من فوق المنبر قبل دقائق معدودة من استشهاده على ضرورة رفض ثقافة التعصب والعنف ونبذ التطرف وأهمية التقاء وتكاتف جميع الأيادي المخلصة لتبني معا يمناً قوياً جديداً.. ولم يكن يعرف أن تلك الكلمات ستكون وصيته الأخيرة.

وجار الله رحمه الله خاض الكفاح على مختلف الجبهات وسجل بصماته في تاريخ نضال الشعب اليمني، فهو من أوائل الضباط الذين انخرطوا في صفوف الحركة الوطنية وحملوا السلاح للدفاع عن ثورة 26 سبتمبر مع أبناء الشعب اليمني وأبناء مصر العربية، وشارك في الدفاع عن حصار صنعاء ، كما ساهم مع غيره من المناضلين في تأسيس «الحزب الديمقراطي الثوري اليمني» عام 1968م، و«الجبهة الوطنية» فيما بعد، وشارك عام 1979م في تأسيس ما سمي حينها بـ «وحدة فصائل العمل الوطني» التي مهدت الطريق لقيام «الحزب الاشتراكي اليمني الموحد» في نهاية السبعينات ، والذي لعب مع حزب المؤتمر الشعبي وبقية القوى الوطنية اليمنية دوراً مهماً في تحقيق الوحدة اليمنية في مايو 1990م، وأذكر هنا قوله أن : «الوحدة اليمنية تطرح كقضية واقعية وعقلية في نفس الوقت تشير إلى مدى إمكانية أن تشكل نقلة حضارية للمجتمع اليمني وترفعه من متاهات التخلف وأدغاله المظلمة إلى ساحة العصر الراهن بأنوار تقدمه المادي الثقافي» ، وكان يردد ويؤكد دائماً على أهمية قيام يمن ديمقراطي موحد مزدهر خال من الحقد والثأر والفساد والكراهية والطائفية.

كان همه الأسمى أن يبقى الوطن حضناً آمناً لكل أبنائه ، وتوج نضاله الطويل بتأسيس «اللقاء المشترك» الذي وصفه في خطابه الأخير بأنه :«أحد أهم الحقائق السياسية اليمنية منذ حرب صيف 1994م»، وهو بالفعل حقيقة ماثلة رغم الصعوبات والعراقيل والاختلافات الأيدلوجية والسياسية، ورغم كل ذلك فقد خاض معركة الانتخابات الرئاسية العام الماضي.

عرفت جار الله عمر في بداية السبعينات حين جاء من شمال اليمن مع عدد كبير من المناضلين وفي مقدمتهم سلطان أحمد عمر ويحيى الشامي وأحمد علي السلامي وعبد الله صالح عبده وعبد الواحد المرادي وغيرهم من المناضلين الذين شاركوا في تأسيس الجبهة الوطنية، كان له حضوره المميز بثقافته الواسعة وحديثه المسبوك وحجته المقنعة الجاهزة باستمرار ومواقفه المتوازنة، وكان له الفضل في رعاية واحتضان الكثير من القيادات بعد أحداث 1986 وهو الذي دعا بعد ذلك إلى التسامح والتصالح وهذا ما جسده المناضلون الشرفاء ومعهم جماهير الشعب الذين أعلنوا أن يوم 13 يناير هو «يوم للتسامح والتصالح» .

اختلفت رؤانا في بعض مراحل العمل السياسي، ومرت علاقتنا بفترات توافق وخلاف، ولكنني كنت أكن له كل احترام كمفكر ومناضل لأنه كان صادقاً في معتقداته ووفياً لمبادئه، وحَرَصنا أن نبقى على اتصال حتى في فترات خلافنا بعد مغادرتي السلطة، و أذكر حين استشارني الرئيس علي عبد الله صالح حول أهم الشخصيات التي أقترح أن يقابلها في زيارته المشهورة لعدن في نهاية عام 1989م والتي توجت بتوقيع بيان الوحدة في عدن، أنني وضعت اسم جار الله عمر في مقدمة قائمة الشخصيات التي أشرت عليه بلقائها للتعجيل في تحقيق الوحدة اليمنية، كنت أؤمن بأثره الفاعل في القرار السياسي وأدرك دوره الهام والمنتظر في تحقيق الوحدة اليمنية مع بقية القيادات في الحزب الاشتراكي اليمني.

وبعدها التقيت بجار الله عدة مرات في دمشق وأبوظبي وبيروت والقاهرة وصنعاء، وكان يؤكد في كل لقاء حرصه على الاهتمام بالكوادر ووحدة الحزب الاشتراكي اليمني والوحدة الوطنية ووحدة اليمن وأمنه واستقراره وإزالة الآثار السلبية للحروب التي شهدتها اليمن وآخرها حرب 1994، وأذكر المرة الأخيرة التي رأيته فيها في الإمارات قبل وفاته ببضعة أسابيع، أنه بدا مهموما يحمل حزن وطن كامل على كتفيه، وتبادلنا الحديث حول أهمية استمرار الحوار والاتصالات مع كافة الأطراف لمصلحة الوحدة الوطنية واليمنية، وقبل أن يودعني عانقني بحرارة وكأنه كان يشعر أنه لقاؤنا الأخير .

يوم استشهاده كنت في أبو ظبي، لا أدري لماذا تراءى لي فجأة وجهه وألح علّي طيفه حتى توقفت عن قراءة الجريدة بين يديّ وقلت لمجالسي «أنا قلق على جار الله»، وقبل أن يرد رن جرس الهاتف ليخبروني أن جار الله عمر قد قتل، و مرت فترة طويلة قبل أن أشفى من الضربة والصدمة الموجعة التي تلقيناها جميعا برحيله.. كان خسارة كبيرة للوطن والأمة أن تفقد ذلك الرجل الشريف الذي عاش فقيرا ومات فقيرا، لكنه امتلك ثروة حب الجماهير الصادق والتي خرج أكثر من مليون منها في تشييعه إلى مثواه الأخير. برع كرجل حوار يقبل آراء الآخرين ويحترم قناعاتهم ويناقشها ، لكن هناك أساسيات كانت مقدسة وغير قابلة للنقاش بالنسبة له كجدلية الوحدة والديمقراطية ومبدأ التداول السلمي للسلطة قبل الوحدة وبعدها وأعتقد أن أفكاره هذه انتصرت رغم معارضيها، إذ ليس لنا إلا الحوار السياسي لنضمد به جراح الصراعات والحروب في الشمال والجنوب وبين الشمال والجنوب قبل وبعد الوحدة اليمنية. وليس اليمن فحسب بل المنطقة العربية والعالم كله بحاجة إلى الحوار والاحتكام إلى لغة العقل والحكمة بدلا من لغة السلاح والعنف التي لا تجلب إلا الخراب والدمار والتخلف للشعوب .

فالصراعات والتوترات والحروب وعدم الاستقرار في كل مكان، من العراق إلى لبنان وفلسطين إلى دارفور والصومال حتى أفغانستان وإيران، و لا يمكن أن ينتهي التوتر و ظاهرة الإرهاب إلا بالتنمية الشاملة سياسيًا واقتصادياً واجتماعياً ونشر العدل والمساواة والقضاء على الفقر والتخلف، والبدء بمفاوضات جادة من أجل عملية السلام لتحقيق سلام عادل وشامل والانصياع لقرارات الأمم المتحدة بالانسحاب الإسرائيلي من الأراضي العربية المحتلة في جنوب لبنان والجولان وفلسطين وقيام الدولة الفلسطينية وعاصمتها القدس.

أيها السيدات والسادة

إن اجتماعنا على محبة جار الله عمر واحترام كل ما كان يمثله من قيم ومبادئ وطنية وقومية خالصة، لهي دليل على وحدة نضالنا الوطني والقومي وإدراكنا الواعي لمصيرنا المشترك.

اسمحوا لي أن أشكر حزب التجمع وقيادته وكل الذين شاركوا في إقامة هذا الحفل، وأن أحيي فيكم المشاعر النبيلة والمواقف القومية، وأن أوجه من خلالكم تحية وفاء وإكبار لروح الشهيد جار الله عمر ولأرواح شهداء اليمن والأمة العربية المعروفين والمجهولين.

لهم الرحمة والمجد والخلود.

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته .

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى