> تقرير/ وهيب الحاجب:

  • الاعتراف بفقدان القرار وتوجيه حركة الشارع نحو "التحالف" أولى خطوات الإصلاح
  • مطالب..حكومة كفاءات وبرلمان مناصفة وخبرات أجنبية لمكافحة الفساد وهيكلة الدولة
> مسؤولون في حكومة الشرعية اليمنية وقيادات بالمجلس الانتقالي الجنوبي يشاركون في تظاهرات شعبية احتجاجًا على تدهور المعيشة، في تصرف حمل اعترافًا ضمنيًا بالعجز وإعلانًا صريحًا للفشل في إدارة أبسط شؤون الناس. واقع كهذا يدفع إلى تساؤلات منطقية ومشروعة مفادها: من يحكم الجنوب؟ ومن يملك القرار السيادي في المناطق المحررة؟ وما مصير شعب باتت قياداته تشتكي بدلًا من أن تحكم؟

حديث رئيس الوزراء، سالم بن بريك، للمتظاهرين إقرار واضح بأن الحكومة بلا موارد، وتعمل دون دعم فعلي من التحالف.. هذا الاعتراف يكشف أن الحكومة تفتقر للقرار السياسي والموازنات التشغيلية، وتُقاد من الخارج في أدق تفاصيلها، بينما تنخرها الفوضى والفساد والتبعية.
  • سلطة تعارض نفسها
تحولت "الشرعية" من كيان حاكم إلى واجهة شكلية، بلا سلطات تنفيذية حقيقية. وحتى المطالب الشعبية تجدها عاجزة عن تلبيتها، وكأن دورها محصور في تسجيل الحضور السياسي لا صنع القرار.

مشاركة قيادات بارزة بالمجلس الانتقالي، مثل فضل الجعدي، في التظاهرات، تشير إلى تناقض دور الانتقالي، فهو شريك في الحكومة، ومعارض في الشارع. هذه الازدواجية تفقد المجلس تماسكه، وتجعله عاجزًا عن اتخاذ قرارات حاسمة، سواء في تحسين الأداء الحكومي أو في تقديم بديل سياسي حقيقي.

ومع هذه التناقضات تتصاعد أصوات جنوبية تطالب قيادة الانتقالي بتحمل مسؤوليتها تجاه التدهور المعيشي، وبدء مشروع حقيقي لإصلاح الوضع الاقتصادي والخدمي، لا الاستمرار في سياسة الإنكار والتبرير.

الوضع في عدن يدل على غياب السيادة الوطنية، فالقرار السياسي والأمني والاقتصادي مرهون بقوى التحالف، وتحديدًا السعودية والإمارات، وكلٌّ منهما يدير المشهد من زاويته الخاصة، فالإمارات تتحكم في المفاصل الأمنية عبر القوات المحسوبة على الانتقالي، وتمسك بزمام الملف الجنوبي من خلال المجلس الانتقالي ذاته. أما السعودية فتسيطر على القرار السياسي والمالي للشرعية، وتمنح أو تحجب الدعم وفق حساباتها الخاصة.

النفوذ الغربي ممثلًا بواشنطن ولندن حاضرٌ عبر الضغط السياسي وتوجيه مسار العملية السياسية وفق أجندات لا تضع اليمن في أولوياتها، وهذا الواقع يجعل من الشرعية والانتقالي أدوات تنفيذ، لا أطرافًا فاعلة، ويجعل من المواطن اليمني رهينة لصراعات النفوذ بين الحلفاء.
  • مطالب ومصارحة
تفاقم الأزمة وتزايد المجاعة أظهر أصوات تتعالى في الجنوب للمطالبة بتغيير قواعد اللعبة عبر جملة من المعالجات العاجلة، أبرزها:

تحرر الشرعية من التبعية، والخروج من دائرة الصمت، ومخاطبة التحالف بشكل واضح: لا للمساس بمعيشة الناس، مع المطالبة بخطة عاجلة لمعالجة الاقتصاد.

إجبار المسؤولين في الشرعية والانتقالي على الإقامة في الداخل، ومنعهم من إدارة المشهد من الخارج.

ترشيح كفاءات مشهود لها بالخبرة العملية والنزاهة كمعيارين أساسيين لكافة التعيينات من منصب وزير إلى أدنى مستوى.

إلغاء "قانون شاغلي الوظائف العليا" الذي يعمل على حماية الفاسدين فقط.

إطلاق مشروع لمكافحة الفساد بإشراف دولي أو بخبرات أجنبية، لإعادة هيكلة المؤسسات وبناء إدارة مالية تتناسب مع قدرات الدولة ومواردها الفعلية.

تشكيل حكومة كفاءات وطنية بلا "محاصصة"، تكون قادرة على اتخاذ قرارات جريئة في الإصلاح والإدارة.

إحياء البرلمان بمنصفة شمالية جنوبية، وتمكينه من مراقبة الحكومة وسن التشريعات اللازمة للإنقاذ.

ضبط تغول القيادات العسكرية في الدولة والمجلس الانتقالي، خصوصًا أن عسكرة الحياة السياسية تسببت في تآكل مؤسسات الدولة وتغليب منطق القوة على منطق القانون.
  • عدن.. شعب بلا قيادة
ما يحدث في عدن لا يمكن وصفه إلا بانهيار مركب لمفهوم الدولة، فلا حكومة قادرة على إدارة الاقتصاد، ولا مجلس انتقالي قادر على إدارة الشارع، ولا تحالف يعبأ فعليًا بالنتائج الكارثية على السكان.

الكهرباء منقطعة، الرواتب متوقفة، الخدمات منهارة، والناس يواجهون صيفًا لا يُطاق. وفي المقابل، لا توجد قيادة تمسك بالملف وتحاسب المسؤولين، بل هناك غياب متعمد، ومشهد عبثي لإدارة تصرخ مع المواطن بدل أن تحل أزماته.

آن الأوان لمصارحة وطنية شاملة، إذ يتوجب، أخلاقيا، على الانتقالي والشرعية أن يعترفا بأنهما فقدا السيطرة، وأن أدوات الحكم ليست بأيديهم.. المطلوب اليوم هو موقف سياسي واضح في وجه المصالح الخارجية، وتحرك شعبي يضغط لتصحيح المسار لا لإعادة إنتاج الأزمات وتغليب المصلحة الوطنية أولاً.

عدن وسائر مناطق الجنوب لن تنهض عبر "تدوير النخبة" أو الإبقاء على نفس الشراكات العقيمة، بل بحاجة إلى قيادة جديدة، مشروع وطني جامع، وشعب يعيد تموضع احتجاجه نحو من يتحكم فعليًا بقراره، لا من يكتفي بتمثيله في الواجهة.
  • خلاصة
ما يجري في عدن لا يخص الجنوب وحده، بل يمس جوهر الدولة في الشمال.. فهل ستُستعاد السيادة من الخارج؟ أم سيبقى الداخل مجرد مسرح تنفيذي لأجندات الآخرين؟

إن لم تُواجه هذه الحقائق بشجاعة، وتُوضع خطة إصلاح جذرية تضمن العدالة الاقتصادية والسياسية، فستبقى عدن وكل ما يسمى بالمناطق المحررة بلا حكم فعلي، وشعبها في انتظار مصير يُرسم خارج إرادته.