الثلاثاء, 08 يوليو 2025
120
في 7-7-1994، كُتب فصلٌ حزين في ذاكرة اليمن، يومٌ مشؤوم أُسدِل فيه الستار على حلم الوحدة العادلة، لتبدأ مرحلة قاسية من الألم والانكسار، كانت الجنوب ضحيتها الأولى والأكبر... ولا يزال حتى اليوم يدفع الثمن.
ذلك اليوم لم يكن انتصارًا كما ظنّ البعض، بل كان غطرسة انتصارٍ مزيف، كما أكدت السنوات اللاحقة. الحرب التي أنهت شراكة الشمال والجنوب لم تخلق وطنًا موحدًا، بل فرضت هيمنة طرف على الدولة، وأفرزت شعورًا عميقًا بالظلم والتهميش لدى أبناء الجنوب، الذين وجدوا أنفسهم فجأة غرباء في وطنهم؛ تُنهب مواردهم، تُقصى كفاءاتهم، وتُهدَّم مؤسساتهم، وكل ذلك تحت شعارات جوفاء.
لكنّ مأساة الجنوب لم تبقَ حبيسة حدوده، بل تحوّلت إلى لعنة طالت الشمال نفسه. فذلك "النصر" الذي رُوّج له، سرعان ما تهاوى أمام واقع الانقسام، وتفكك الدولة، وصعود الميلشييات، وانهيار كل مقومات الحكم. لم يكن ما جرى في الجنوب نهايةً لمرحلة، بل بداية لانهيار وطني شامل، وصل إلى كل زاوية من زوايا اليمن.
تلك الحرب لم تكن مجرد اشتباك عسكري، بل كانت سقوطًا أخلاقيًا وسياسيًا بكل معنى الكلمة. أهدرت فرصة تاريخية لبناء وطن يتسع للجميع، وطنٍ يقوم على الشراكة والتعدد والعدالة. وما زاد الأمر سوءًا هو الإصرار على تزييف التاريخ وتجميل الهزيمة، رغم أن الوقائع على الأرض تفضح كل شيء: من يظلم شريكه، ينهار معه.
اليوم، لم تعد معاناة الجنوب مجرد فصل من فصول الماضي، بل واقعًا يعيشه الناس يومًا بعد يوم؛ واقعٌ من النهب، والإقصاء، والحرمان من الحقوق. ومع ذلك، تبقى الحقيقة الأهم أن ما جرى هناك كان مقدمة لانهيار الدولة في الشمال والجنوب معًا. فالوحدة التي فُرضت بالقوة، سقطت عند أول اختبار حقيقي، وانهار معها وهم السيطرة إلى الأبد.
الواقع الآن يقول كلمته بصوت عالٍ: لا بد من تصحيح المسار، ولا مفر من العودة إلى ما قبل 22 مايو 1990. ليس بدافع الانتقام، بل من أجل فتح صفحة جديدة تداوي الجراح، وتُعيد بناء العلاقة بين الشمال والجنوب على أسس عادلة تحفظ الكرامة، وتحترم السيادة، وتراعي مصالح الشعوب، لا مصالح النخب.
إن العودة إلى ما قبل إعلان الوحدة ليست دعوة للعداء، بل فرصة لمراجعة صادقة وشجاعة تُعيد النظر في مشروعٍ فشل لأنه أُسِّس على الإقصاء لا الشراكة. فالشعوب التي تنشد السلام تدرك أن الاحترام المتبادل، وحسن الجوار، والتعاون بين دولتين متكافئتين، قد يُنتج ما لم تُنجزه وحدة بالقوة: سلام دائم، شراكة حقيقية، وتكامل يخدم الجميع.
الجنوب لا يطلب ثأرًا، بل عدالة. لا يسعى للهدم، بل للبناء من جديد على أسسٍ سليمة تُنصف الناس، وتصون الكرامة، وتُمهّد لمستقبل مختلف، لا يشبه ماضي الألم والخذلان.
وإذا كان العالم جادًا في دعم جهود الحل السلمي التي نسمع عنها اليوم، فقد حان الوقت لوضع النقاط على الحروف. لا يمكن تحقيق سلام دائم في اليمن دون الاعتراف بالقضية الجنوبية كجوهر النزاع، ودون الاستماع إلى صوت شعب الجنوب وتطلعاته.
ندعوكم للمساهمة في عمل تاريخي يُنقذ اليمن، ويحمي مصالح الإقليم، ويصنع سلامًا حقيقيًا لا مجرد هدنة مؤقتة. فالاستقرار في اليمن ليس مصلحة داخلية فقط، بل ضرورة إقليمية، وحلٌّ جذري يبدأ من الاعتراف بحق الجميع في تقرير مصيرهم، وفقًا للعدالة والحكمة، لا لمنطق الهيمنة والسلاح.