> عدن "الأيام" علاء أحمد بدر:

يعيش المواطنون في عدن واقعًا مأساويًا يفوق قدرتهم على التحمّل، بسبب انهيار شبه تام في خدمة الكهرباء، مقابل صمت حكومي مطبق ولامبالاة من المسؤولين الذين يعيشون في عزلة تامة عن معاناة الناس، محصّنين بمولداتهم الكهربائية الخاصة في مقارّ أعمالهم ومساكنهم.

حرارة خانقة تخطّت كل المعايير الموسمية أوقفت الحياة تقريبًا في عدن مع وصول ساعات انقطاع التيار الكهربائي إلى 22 ساعة يوميًا، ما يجعل الساعتين المتبقيتين غير كافيتين حتى لشحن بطارية هاتف محمول، ناهيك عن تشغيل مراوح أو تبريد مياه الشرب. هذه الانقطاعات القاسية رافقها توقف شبه كلي لمحطات التوليد، بعد نفاد الوقود الديزل والمازوت، بينما محطة بترومسيلة، التي تنتج 85 ميجاوات، باتت هي الأخرى مهددة بالتوقف في ظل احتياج عام يفوق 700 ميجاوات.
  • بيوت تتحول إلى أفران
يروي مواطنون أن بيوتهم باتت كالأفران، خاصة في أوقات الذروة، حيث تتجاوز درجات الحرارة الخمسين مئوية في بعض المناطق، ويضطر الكثيرون للنوم على الأسطح أو الأرصفة، غير أبهين بالمخاطر، طلبًا لنسمة هواء عابرة، أو هروبًا من الاختناق داخل جدران المنازل الحارّة.

يقول أحد المواطنين لـ"الأيام": "نحن نعيش في عذاب يومي.. لا ماء، لا كهرباء، ولا حتى أمل. كل ما نملكه هو أجساد تتصبب عرقًا وأطفال يبكون من شدة الحرّ، بينما أولئك المسؤولون ينامون تحت هواء المكيفات التي تعمل دون انقطاع، بفضل مولداتهم الخاصة".
  • مفارقة المؤلمة
يتحدث غالبية سكان عدن عن مفارقة تستفز مشاعرهم وتزيد من وجعهم، إذ لا تنقطع الكهرباء عن قصور المسؤولين ولا عن منازلهم المحصّنة بالمولدات الضخمة، والتي تعمل على مدار الساعة. بينما سكان الأحياء الشعبية والفقيرة يكتوون بنار الانقطاعات، ويدفعون الثمن الصحي والنفسي والاقتصادي.

رجل مسن يمتد على قارعة الطريق
رجل مسن يمتد على قارعة الطريق

يتساءل المواطنون بمرارة: "هل جرب أحد المسؤولين أن تنقطع عنه الكهرباء ليومٍ واحد؟ هل شعر أحدهم بلعنة الحرّ حين لا يملك مروحة تعمل؟ لماذا لا يشعرون بنا؟ ألسنا أبناء نفس المدينة؟ أم أن منصبهم يعفيهم من الألم والمعاناة؟".

وتابع أحدهم متسائلًا بغضب: "هل انقطعت الكهرباء يومًا عن قصر معاشيق الرئاسي؟ إذا لم يعانِ كبار المسؤولين، فكيف سيتحركون لحل أزمتنا؟".
  • فشل الحكومات وغياب الحلول
ما يزيد الطين بلة، هو تكرار وعود الحكومة المتعاقبة، التي لم تقدّم سوى المبررات، متذرعةً بشُحّ الموارد وصعوبة استيراد الوقود. ومع استمرار غياب الخطط البديلة، كالتوسع في منظومات الطاقة الشمسية، وارتفاع أسعار المشتقات النفطية، يزداد شعور الناس بأن أزماتهم ليست عفوية بل "مفتعلة"، وأن الهدف من ورائها إفقار المواطن وكسر إرادته.

يقول مواطن آخر: "الفساد في قطاع الكهرباء يُدار على نطاق واسع، ولا أحد يُحاسب. نحن نعرف أن هناك من يربح من استمرار الأزمة، ومن يتاجر بأوجاعنا، لكن لا نملك سوى الصبر والشكوى لله".
  • لا ماء ولا راتب
الكهرباء ليست الأزمة الوحيدة، بل تتبعها أزمات متلاحقة، بدءًا من انقطاع المياه، إلى تعثّر صرف الرواتب، وانهيار العملة المحلية، وارتفاع الأسعار بشكل جنوني، وتفشي الأمراض والأوبئة، في ظل غياب شبه تام للرعاية الصحية والخدمات الإنسانية.

حتى الموظفين الحكوميين لم يسلموا، إذ يعانون من تأخير رواتبهم وعدم كفايتها لتأمين أبسط احتياجاتهم، في وقت يعيش فيه كبار المسؤولين حياة مترفة، يتنقلون بين فنادق الرياض والقاهرة، بينما أبناء عدن يُقاسون العذاب في كل ساعة تمرّ عليهم.
  • صرخة لا تجد آذانًا
في هذا الواقع المأساوي، يطلق المواطنون صرخاتهم ويعبّرون عن غضبهم في وجه سلطة لا تكترث، ويتساءلون عن جدوى التحالف والحكومة والرئاسة، إن لم يكونوا قادرين على إنقاذ مدينة منكوبة مثل عدن.

إنها دعوة مفتوحة إلى مجلس القيادة الرئاسي، وإلى كل من بقي في موقع مسؤولية: أوقفوا نزيف عدن، وأنقذوا ما تبقى من كرامة أهلها، واصنعوا حلاً حقيقياً، لا مؤتمرات صحفية ولا وعودًا إعلامية، فالناس تموت ببطء في ظل صيف قاتل وخدمات منعدمة.