> "الأيام" غرفة الأخبار:

صباحٍ بدا عاديًّا على أطراف عدن، استيقظت الأرض قبل أهلها.. الأرض التي شهدت على تضحيات، واحتضنت صمت أرامل الشهداء وأطفالهم، وجدت نفسها فجأة في مرمى قرارات لم تستأذن أصحابها.

على تراب غرب بير أحمد، لم يكن المتجمهرون محتجين فقط، لكنهم حراس لذاكرةٍ مثقلة بالدم، وأوراق ملكية تصرخ في وجه الجرافات: "هنا ملكية، لا مشاع". وقفوا، وهم يحملون صوراً وملفات، وبعضهم حمل وجعًا لا يُرى. أسر شهداء ومواطنون قالوا كلمتهم، ليس في بيان، بل على الأرض ذاتها: "نرفض أن تتحول مقابرنا القادمة إلى لوحات طاقة شمسية".

السلطة المحلية قررت – دون إنذار أو حوار – مصادرة الأرض لمشروع طاقة متجدد. جميلٌ أن نفكر في الشمس، لكن السؤال الذي رددته اللافتات: "لماذا لم تشرق الشمس إلا فوق أرض الشهداء؟" .

يقول المحتجون إن الأرض اشتُريت بمالٍ حلال، وسُجلت بأوراق رسمية، وصدر بشأنها أحكام قضائية وإدارية. ومع ذلك، فوجئوا بقرارات المصادرة وكأن التاريخ الشخصي لعشرات العائلات مجرد هامش يمكن محوه.

الشيخ محسن مثنى، رجل الأعمال الذي اشترى الأرض ووهب جزءًا كبيرًا منها لأسر الشهداء، خرج عن صمته. صوته بدا غاضبًا، لكن محكومًا بالعجز المؤدب: "هذه الأرض اشتريتها من حر مالي، وخصصت قسمًا منها لمن ضحّوا بحياتهم من أجل هذا الوطن. هل هكذا يُكافأ الشهداء؟" .

ثم أضاف بصوت محمَّل بالمرارة: "طرقت كل الأبواب... فكانت مؤصدة. لا أحد أراد أن يرى الوثائق. وكأن الإنصاف أصبح ترفًا أو غبارًا يطمره مشروع" .

وحدهم المحتجون، في سكون صيف عدن اللاهب، ظلوا يلوّحون بلافتات، بعضها مبلل بالعرق، وبعضها بالكبرياء. هتفوا، وهددوا بالتصعيد إن بقي القرار قائماً، غير أبهين إن كان الطرف الآخر هو الدولة نفسها.

"نحن لا نرفض التنمية، بل نرفض أن نُسلب مرتين: مرة بالموت، ومرة بالمصادرة"، هكذا قال أحدهم، وهو ينظر إلى الأرض كما لو كانت ابنه الذي لم يُولد بعد.

وحتى إشعارٍ آخر، تبقى الأرض هناك، تنتظر من يقرر: هل ستُغرس فيها ألواح شمسية؟ أم تُبنى عليها منازل تبكي تحت صور الشهداء؟ القرار ليس تقنيًا فقط... بل أخلاقي قبل كل شيء.