حضرموت والقات..المرغوب والممقوت

> حسن بن حسينون:

>
حسن بن حسينون:
حسن بن حسينون:
القات ذلاّ مثل من برّك بعيره يغرزه ** القات هو بلوه وبعض الناس سموها مزاج ** والنوم ماشي نوم تمسي العيون مفرقزه تبيّت كما الشيبه في التسعين خاج

( الشاعر/ حسين المحضار)

تجاوباً وتضامناً مع ما كتبه الزملاء د. سعيد سالم الجريري، د. عبدالله سعيد باحاج ، صالح حسين الفردي في صحيفة «الأيام» الغراء خلال الأيام القليلة الماضية حول ظاهرة تعاطي القات في حضرموت وتأثيراته الصحية والاقتصادية والاجتماعية في حياة الناس. فإنني أجدها مناسبة وقبل الدخول في صلب الموضوع أود ان أشير بإيجاز حول شجرة القات: ما كتب عنه، تأثيراته الاقتصادية والاجتماعية .

فمن المعروف أن زراعة أشجار القات لا تقتصر على اليمن فحسب وانما تنتشر في بعض البلدان الافريقية مثل اثيوبيا والصومال وكينيا وحتى في فلسطين قام بزراعته اليهود اليمنيون بعد هجرتهم المتعاقبة من اليمن. هناك أصناف متعددة من القات من حيث الشكل كما ان مفعوله وتأثيراته والأعراض الجانبية التي تحدث عند المتعاطي فهي تختلف من شخص إلى آخر وفقاً لهذا النوع او الصنف من القات او ذلك وخاصة محتوياته وتركيبه الكيميائي الذي يأتي (الافدرين) في المقدمة .

الكتابات عن القات كثيرة منذ القدم خاصة ما كتبه الرحالة والمستشرقون، الذين زاروا اليمن من العرب والأجانب، منهم نزيه العظم وقبله ابن بطوطة وأمين الريحاني الذي زار اليمن بداية القرن العشرين في كتابه الشهير( ملوك العرب) اضافة إلى البعثة الملكية الدنماركية بقيادة العالم الكبير (نيو بور) في أكثر من كتاب وبحث منها (من كوبنهاجن إلى صنعاء) .

من بين تلك الكتابات أن زراعة القات انتقلت إلى اليمن من اثيوبيا ، واعتاد العرب على مضغ براعم هذه الشحرة التي يسمونها (كاد) وهم مدمنون هذه الممارسة مثل الهنود الذين يمضغون (التنبول) . ابن بطوطة كتب عن القات وعن الطقوس الاحتفائية في البلاطات الملكية جنوب الجزيرة العربية والصومال حيث توضع حزمة من أوراق القات أمام الزوار المرموقين. أما أمين الريحاني فقد كتب بأن الفضل يعود إلى القات في استقباله من قبل الإمام يحيى حميد الدين الذي تجاهله لأكثر من شهر وهو موجود في اليمن وذلك من خلال القصائد المتبادلة بينهما عبر الوسيط المرافق لأمين الريحاني . ففي حين كان أمين الريحاني يذم القات كان الإمام يحيى يمتدحه. وقد ورد ذلك في كتابه: ملوك العرب.

جاء في دراسة أولية للقات بقلم البرفيسور (التجاني الماحي) الصادر عن جامعة عدن 2001م أن العنصر الفعال في القات هو (الافدرين)، وهو ليس دليلاً ليصف القات بأنه مخدر يؤدي في النهاية إلى الإدمان.

إن آثاره الباعثة على الحيوية والمنبهة مصحوبة بتحفيز الفكر إلى مستوى الهياج هي من نتاج تحريك الدماغ، والإقلاع عنه لا يؤدي إلى أعراض ارتدادية مثل تلك التي تصاحب الامتناع عن تعاطي الافيون .

ومن الأعراض الجانبية التي تحدث عند المتعاطي للقات اذا لم تكن وجبة الأكل دسمة: البهجة واليقظة مصحوبة بالأرق وانخفاض في نسبة السكر في الدم فبعد ساعتين من بداية مضغه يكون المتعاطي سيء السلوك بشكل غريب وحاد المزاج، وعدم التقدير للآخرين .

أضاف في دراسته تلكبأن القات يغطي اليوم مساحات شاسعة من الأرض الصالحة للزراعة ويؤدي ترحيله وبيعه إلى تجارة رابحة، وأن إنتاج القات يستهلك من الأرض ورأس المال والزمن والمياه الشيء الكثير . وكان الأثر الحاسم لزراعة القات على البن الذي كان في وقت من الأوقات المحصول النقدي الرئيسي لليمن، انخفض انتاج البن السنوي من 1200 طن إلى 450 طنا خلال الخمسة عشر عاماً الماضية .

جرت في الماضي عدة محاولات حكومية لمنع زراعة القات سواء أكان ذلك في الشمال أم في الجنوب بما في ذلك من قبل الاحتلال البريطاني إلا أنها جميعها قد باءت بالفشل .

السماح بدخول القات إلى حضرموت:

دخول القات إلى حضرموت كان محرماً في جميع العصور، يعاقب عليه القانون . ما قبل الاستقلال الوطني عام 67م كان ذلك التحريم على يد السلطنة القعيطية واستمر ذلك الحظر أثناء فترة دولة الاستقلال وحتى قيام الوحدة بين الشمال والجنوب عام 1990م والتي سمح بموجبها دخول القات إلى حضرموت . ومازلنا نتذكر الفترة بين عام 67 و 90م بأن كثيراً من المحاولات الفردية قد جرت لإدخال كميات قليلة من القات عبر المنافد البرية والجوية إلا ان حرقها يتم مباشرة من قبل رجال الأمن عند نقاط التفتيش الحدودية بين محافظة حضرموت وبقية المحافظات التي يكون فيها القات مسموحاً تعاطيه.

وليس غريباً كما يقال أن الممنوع مرغوب فإن دخول القات إلى حضرموت من وجهة نظر بعض مواطنيها كان من العوامل المشجعة لتقبل الوحدة الاندماجية فانتشر القات في حضرموت وبتشجيع من الدولة إلى جميع مناطقها لم يقتصر على المدن الكبيرة وإنما في الأرياف وعلى الطرقات والسهول والوديان وحتى جزيرة سقطرى كانتشار النار في الهشيم.

وقد تبارى التجار والمسؤولون في شراء أجود أصناف القات . فكان ذلك بحق وحقيقة كارثة على المحافظة وكارثة كبرى على اقتصاد الأسر الفقيرة، التي وجدت نفسها اليوم تعاني حياة معيشية قاسية ظهرت نتيجتها بعض الممارسات والسلوكيات والظواهر التي لم يكن لها وجود في تاريخ حضرموت والمجتمع الحضرمي.

وبما أن الحضرمي قد اشتهر تاريخيا بالتقشف وعدم التبذير للمال الخاص أو العام وضبط ميزانية الأسرة والإشراف عليها سواء أكان ذلك على مستوى اليوم أم الأسبوع أم الشهر، وذلك ما فرض عليهم سلوكيات وصفات حميدة كالصدق والأمانة وطاعة الوالدين واحترام الناس واحترام حقوقهم، لكن من لا يريدون لحضرموت والحضارم أن يكونوا كذلك، فهم من قام بتشجيع هذه الظاهرة الخبيثة وتحت شعارات ظاهرها العلاج الشافي وباطنها السم القاتل وهو ما يتجرعه أبناء حضرموت اليوم . قال تعالى :{إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم}.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى