إلى أين وصل مستوى الخدمات الصحية في البلاد؟وهل الميزانيات السنوية المخصصة لوزارة الصحة كافية لتحسين الوضع الصحي القائم؟

> «الأيام» د. علـي محمـد سعيـد الأكحلـي:

>
د. علـي محمـد سعيـد الأكحلـي
د. علـي محمـد سعيـد الأكحلـي
بعد قيام ثورة سبتمبر في شمال الوطن (1962م) وثورة أكتوبر في جنوب الوطن (1963م) كنا نقرأ ونسمع في مختلف وسائل الإعلام بأن أحد أهم أهداف الثورتين هو القضاء على الثالوث الرهيب الذي كان جاثماً على صدر اليمن ، ألا وهو الفقر والجهل والمرض. إلا أنه يبدو وبعد مرور أزيد من 40 عاماً على الثورتين ، مازال هذا الثالوث يشكل هاجساً وطنياً ولم تستطع الحكومات المتعاقبة استئصاله رغم كل الجهود التي بذلت في الماضي والحاضر ، حيث تتحدث الإحصائيات عن أن نصف سكان اليمن لا يزال يعيش تحت خط الفقر، وأن الجهل لا يزال مخيماً على نصف السكان أيضاً (الأمية الأبجدية والمعرفية). أما جهود القضاء على المرض فلا تزال في مستويات متدنية للأسباب التي ستذكر لاحقاً في هذا المقال.

نحن لا ننكر أن القطاع الصحي قد شهد تطوراً ملحوظاً إذا ما تمت المقارنة بين ما كان عليه في منتصف الستينيات وما هو عليه الآن ، سواء من حيث عدد المنشآت الطبية، خدمات الرعاية الصحية الأولية، الخدمات الصحية الوقائية والعلاجية، القوى العاملة في المجال الصحي من مختلف التخصصات، الخ... كما أن إنشاء العديد من البرامج والأنشطة بمساعدة من منظمة الصحة العالمية والمنظمات التابعة لبعض الدول أو المنظمات المستقلة الأخرى قد ساهم إلى حد ما في تحسين خدمات الرعاية الصحية الأولية.

وكمثال لهذه البرامج : برنامج التحصين الموسع، الصحة الإنجابية، الصحة المدرسية، صحة الطفل، الصحة النفسية، مكافحة البلهارسيا، مكافحة السل، مكافحة الملاريا، الخ.. وبرغم كل هذه الأنشطة والجهود التي تبذل، إلا أننا نلاحظ أن مستوى الخدمات مازال متدنياً وليس بالمستوى المطلوب ، وقد يعزى ذلك إلى أسباب عديدة أهمها عودة حوالي مليون شخص من المغتربين بعد عام 1990م والتزايد المطّرد لعدد السكان (النمو السكاني = 3,5% سنوياً) حيث إن نسبة الخصوبة في اليمن مرتفعة (معدل الخصوبة = 6,2%) ، في ظل موارد شحيحة مخصصة لوازرة الصحة العامة من العملات المحلية والأجنبية ، كان من الطبيعي أن تظهر اختلالات في النظام الصحي عملت على إعاقة تطوره وحدت من أدائه .

وهناك جملة من العوامل المباشرة وغير المباشرة التي أثرت سلباً في أداء النظام الصحي وفعاليته منها على سبيل المثال:

1- ضعف الإدارة الصحية.

2- انخفاض أجور العاملين في القطاع الصحي (مرتب الطبيب مثلاً يعادل 100 دولار والاختصاصي 150 دولارا والفني 70 دولارا) .

3- التطور المتسارع في التكنولوجيا الطبية وارتفاع تكاليفها.

4-تدني مستوى الخدمات الصحية وجودتها.

5- عدم لستخدام الإحصاء عند اتخاذ القرارات أو عند توزيع الموارد (المال، المعدات الطبية والأجهزة التشخيصية الأدوية، السيارات، الخ..) ، أو عند توزيع الموارد الصحية البشرية.

6- ضعف الرقابة والإشراف والتقييم.

وبالتالي نتج عن ذلك خلل في التوزيع العادل للخدمات الصحية بين المواطنين ، سواء بحسب الفئات العمرية أم بحسب المناطق التي يقطنون فيها، حيث تتحدث الإحصاءات عن أن عدد سكان الجمهورية يصل إلى حوالى 20 مليون نسمة ، يشكل سكان الريف 73% من عدد السكان ، يتحصل 50% منهم فقط على خدمات الرعاية الصحية الأولية . أما سكان المدن الذين يشكلون 27% من إجمال السكان ، فإن 90% منهم يتحصلون على هذه الرعاية . وفي المحصلة النهائية فإن 60% من سكان الجمهورية فقط يتحصلون على الرعاية الصحية الأولية (1) والمؤشرات أدناه تظهر أن الإنفاق الحكومي على الصحة العامة متدن جداً :

(1) متوسط المخصص السنوي الذي منح إلى وزارة الصحة شكل 3,7% من إجمال الميزانية السنوية للدولة (خلال السنوات العشر الماضية !) ، وما خصص لها لهذا العام (2007م) هو 3% ، بينما متوسط الإنفاق على الصحة في بلدان الشرق الأوسط وشمال أفريقيا يصل إلى 6% (2) .

(2) إن حوالي ثلثي المخصص السنوي لوزارة الصحة (أي 2% من أصل الـ3%) يصرف كنفقات مقابل أجور ومرتبات ومصاريف عامة (1) والنسبة الباقية من المخصص(1%) ، هو ما ينفق للخدمات الصحية!

(3) إن نصيب الفرد من ميزانية الدولة المخصصة لقطاع الصحة في الدول المتوسطة الدخل = 34 دولارا (3) ، بينما نصيب الفرد من ميزانية الدولة المخصصة لقطاع الصحة في اليمن لا يتجاوز 7 دولارات كمعدل ، وهذا يشكل حوالى 20% فقط من التكلفة المطلوبة للرعاية الصحية الأولية ، وبالتالي فإن المواطن اليمني يتحمل 80% من التكلفة المطلوبة ، أي حوالي 27 دولارا ، بينما في الدول المتوسطة الدخل تتحمل الدولة 60% من التكلفة ويتحمل المواطن نسبة الـ 40% الباقية.

ويدفع المواطن اليمني حوالي نصف راتبه مقابل المعاينة و الفحوصات المخبرية والرقود في المستشفى و شراء الدواء ، مما يشكل عبئاً كبيراً عليه ، يضطر الكثير منهم إلى الاستدانة او طلب المساعدة من الغير(4).

(4) مشتريات الوزارة من الأدوية المستوردة سنوياً إلى الجمهورية هي بحدود 6% فقط و94% هي أدوية يستوردها القطاع الخاص ويشتريها المواطن من جيبه الخاص من السوق (5) .

إذن ما هو المطلوب عمله؟

يجب على الدولة حماية المواطن من تحمل الأعباء المالية مقابل مخاطر المرض وصيانة كرامته من خلال توفير رعاية صحية لائقة وأن لا يحرم منها بسبب ضعف قدراته المالية أو بسبب الفقر. ويذكر دستور الجمهورية اليمنية في مادته رقم (55) التالي:

«العناية الصحية حق لجميع المواطنين وتكفل الدولة هذا الحق بإنشاء مختلف المستشفيات والمؤسسات الصحية والتوسع فيها. وينظم القانون مهنة الطب والتوسع في الخدمات الصحية ونشر الوعي الصحي بين المواطنين».

وبالتالي يجب العمل على تحقيق التالي إذا ما أردنا انتشال الخدمات الصحية من وضعها القائم وتحسينها نحو الأفضل :

(1) الاعتراف بأن النظام الصحي الحالي لا يؤدي الدور المطلوب وأن هناك حاجة ملحة لمراجعته وتفعيله وإدخال أساليب جديدة في نظام تقديمه لخدمات الرعاية الصحية وكذا أساليب وطرق تمويله.

(2) العمل على التوزيع العادل في نشر هذه الخدمات بين المواطنين بحسب الكثافة السكانية والأمراض المستوطنة وكذا التوزيع العادل للموارد المالية والبشرية.

(3) إعادة النظر في سياسة توزيع الكوادر الطبية والفنية اليمنية في الأرياف ، بحيث تمنح الحوافز والعلاوات لتشجيعهم على العمل في المناطق الريفية على حساب الكوادر الأجنبية المنتشرة في الريف وغالبيتهم غير مؤهلين (بحسب ما نقرأ في الصحف) ، بدلاً من تكدسهم في المدن .

(4) العمل على تطوير النظام المالي والإداري في وزارة الصحة وتجاوز الإجراءات البيروقراطية المعقدة مالياً وإدارياً وتخويل الصلاحيات للسلطات المحلية.

(5) إيجاد المعلومات الصحيحة والأقرب إلى الحقيقة وتفعيل الأداء الإحصائي والتخطيطي عند رسم السياسات الصحية.

(6) تحسين أجور العاملين في الحقل الصحي من أطباء وصيادلة وباقي المهن الطبية المساعدة بما يمكنهم من القيام بواجباتهم الإنسانية بدلاً من تشتيت أفكارهم في اللهث وراء لقمة العيش . وفي الوقت نفسه إجراء عملية التقييم المستمر لأدائهم وتطبيق مبدأ الثواب والعقاب ، حيث إن هذه المهنة تتعلق بأرواح المواطنين.

(7) الرقابة والإشراف على أداء المرافق الصحية والحد من التلاعب بالموارد المالية والفساد.

(8) رفع الميزانية المخصصة لاستيراد الأدوية للمستشفيات واعتماد مبدأ استعادة الكلفة ، بحيث تضمن هذه الآلية استمرارية توفير الأدوية بشكل دوري في المستشفيات وعلى مدار السنة . كما أنه من المهم تحديد قائمة بالأدوية التي تعالج الأمراض المزمنة والمستعصية بحيث تصرف مجاناً للمرضى وفق آلية معينة تسمح بوصولها إلى مستحقيها ، ويتم التركيز على المسنين والمتقاعدين والعاطلين عن العمل وكذا أسر الشهداء ، كما هو مذكور في المادة (56) من دستور الجمهورية اليمنية.

(9) رفع مخصصات وزارة الصحة من الموازنة العامة للدولة سنوياً بشكل تدريجي بحيث تصل نسبة 10% على الأقل خلال السنوات الثلاث القادمة ، وبما يضمن إنفاق الدولة للرعاية الصحية للمواطن بنسبة 60% وتحمل المواطن للنسبة الباقية (40%). وهنا يأتي دور نواب الشعب (مجلس النواب) في النضال من أجل تحقيق ذلك وعدم الاكتفاء بالموافقة على ما يتم اقتراحه من قبل الحكومة ، باعتبارهم نوابا عن الشعب كله ولا يمثلون حزباً بعينه، وبالتالي فإنهم يتحملون الجزء الأكبر من المسئولية عن تدهور الخدمات الصحية من خلال موافقتهم على مخصصات هزيلة.

(10) أن تقوم الحكومة بتشجيع رؤوس الأموال المحلية والأجنبية في الاستثمار في القطاع الصحي وإعطاء مزايا وتسهيلات استثمارية للأشخاص الذين سيستثمرون في الأرياف ، وكذا حث الدول المانحة على تشجيع الاستثمار الصحي في اليمن لرفع مستوى الخدمات الصحية إلى الحد المعقول.

(11) الإسراع بإصدار قانون التأمين الصحي والاجتماعي الذي سيغطي جموع المواطنين من عاملين وغير عاملين وأفراد الأسر من عاملين وغير عاملين وكذا المتقاعدين والأرامل ، والذي سيتحمل القطاع الخاص جزءاً من أعبائه.

هوامش:

(1) المرجع: تقرير لجنة الصحة والسكان لمجلس الشورى المقدم خلال 2005م .

(2) المرجع: منظمة اليونيسف .

(3) المرجع: منظمة الصحة العالمية.

(4) الدخل السنوي للفرد في اليمن = 660 دولارا - 12 شهرا = 55 دولارا وهو معدل الدخل الشهري ، وبالتالي فإن الـ 27 دولارا التي ينفقها للصحة شهرياً = 49% (أي حوالي 50%).

(5) المرجع: إحصاءات الهيئة العليا للأدوية للسنوات العشر الماضية.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى