رجال في ذاكرة التاريخ

> نجيب محمد يابلي:

> الولادة والنشاة: ورد في كتاب (حضرموت 1934- 1935م) لمؤلفه «أنجرامس» W.H. INGRAMS من ترجمة الراحل الكبير أ.د. سعيد عبدالخير النوبان (ص 101): «ولقد قسمت السلطنة القعيطية إلى خمسة ألوية هي الشحر وهو أقدم الألوية ولواء المكلا ولواء دوعن ولواء حجر ولواء شبام» وبحسب إفادة الدكتور النوبان أن لواءً سادسا أضيف لاحقا وهو لواء عرماء، والمكلا كما ورد في نفس الصفحة «هي مركز الحكم للدولة القعيطية والسلطان هو الحاكم المطلق فيما يخص الشؤون الداخلية وله قصر في المدينة وقد حول قصر آل كساد الذي يقرب من الجمارك ومن مركز المدينة القديمة إلى مجمع إداري للحكومة»، كما يلاحظ من عنوان الكتاب أن الكاتب الذي شغل منصب (المعتمد السياسي) للمحميات الشرقية (من ضمنها السلطنتان الحضرميتان القعيطية والكثيرية) تناول فترة الثلاثينات، لكن حضرموت شهدت في العقود اللاحقة تطورا إداريا وسياسيا وتعليميا وصحيا، بل وخبرت تجربة الحكم المحلي أو السلطة المحلية.

جاء في كتاب معجم بلدان حضرموت المسمى «إدام القوت في ذكر بلدان حضرموت» لمؤلفه العلامة المؤرخ عبدالرحمن بن عبيدالله السقاف (ص 50) إن المكلا كانت تعرف بـ (الخيصة) وإنها كانت خيصة العكابرة وبني حسن وسميت المكلا خلال حكم الكسادي عام 1115هـ (حوالي 1703م) ونقل السلطان القعيطي حاضرة دولته من الشحر إلى المكلا عام 1915م.

الدكتور سالم عمر أبوبكر بكير من مواليد مدينة المكلا بتاريخ 11 يناير 1946م، وكان ترتيبه الأول من حيث الولادة على إخوانه وكانت أسرة بكير متوسطة الحال وهي من أوائل الأسر التي سكنت مدينة المكلا، وقد عاش سالم بكير سنوات طفولته برفقة شواطئها الجميلة (سيرة حياة الدكتور سالم عمر بكير: ماريا أحمد بكير - كتاب تأبين الدكتور سالم بكير - ص 7).

بكير وامتيازان في المدرسة الوسطى وثانوية بورسودان
تلقى سالم بكير دراسته الابتدائية في المدرسة الشرقية بحافة البلاد سابقا (حي الشهيد خالد حاليا) وبرز في دراسته وتم اختياره مع مبرزين آخرين ليكمل دراسته في المدرسة الوسطى بغيل باوزير التي تأسست عام 1944م، وقد وردت تفاصيل دقيقة عن هذه المدرسة (التي تخرج منها عدد كبير من أعلام حضرموت البارزين) في كتاب (المدرسة الأم) للتربوي الجليل الأستاذ محمد سعيد مديحج.

كان سالم بكير من خريجي الدفعة السابعة عشرة 57 / 1958م وعدد خريجيها 40 طالبا منهم سالم بكير وعبدالله صالح بابقي ويونس سالم صقران ومحمد صالح باشراحيل وشيخ أحمد العمودي ومحمد حسين البار وأحمد علي عبدالصادق ومحمد عوض بن شملان وعبدالله عوض باقحوم. أما الأستاذ محمد سعيد مديحج فقد كان من خريجي الدفعة الثالثة 43/1944م وفي فترة لاحقة أصبح مدرسا فيها ومديرا لها خلال الفترة 61/1965م.

تحصل سالم بكير على درجة امتياز في المدرسة الوسطى بغيل باوزير وبعد ذلك رشح للدراسة في ثانوية بور سودان وتخرج منها بدرجة امتياز في بداية الستينات وعاد بعد ذلك إلى أرض الوطن.

من «وسطى المكلا» إلى الجامعة الأمريكية في بيروت
التحق سالم بكير بعد عودته من السودان بإدارة المعارف التابعة للسلطنة القعيطية وعُيّن مدرسا في منطقة الجحي وقد جاء في كتاب (معجم بلدان حضرموت) أن «جحي الخنابشة في الوادي الأيسر من دوعن وأن آل باجنيد منتشرون في رحاب وهدون والجحي والمكلا». وبعد عام واحد انتقل سالم بكير من مدرسة الجحي الابتدائية إلى المدرسة الوسطى بالمكلا وأمضى فيها حتى سبتمبر 1967م عندما ابتُعث على نفقة السلطنة للدراسة الجامعية في الجامعة الأمريكية في بيروت حيث درس الأدبين العربي والإنجليزي (مرجع سابق، ماريا أحمد بكير) وتخرج منها في بداية السبعينات من القرن الماضي بامتياز وعاد إلى المكلا وقدم أوراقه للعمل في الإذاعة أو التربية والتعليم.

بكير في ذكريات الفاضل عبدالله فاضل فارع
جاء في موضوع «المرحوم الأستاذ الدكتور سالم عمر بكير- ذكريات عنه .. ومعه.. ووجهة نظر عامة» للقامة الكبرى عبدالله فاضل فارع أن بداية عهده بالذكريات التي ربطته بالدكتور سالم بكير كانت في العام 1972م عندما قدم الأخير أوراقه للالتحاق بكلية التربية العليا بخورمكسر (عدن) للأستاذ عبدالله فاضل، مسؤول التعليم العالي بوزارة التربية والتعليم، وأفاد الأستاذ الفاضل بأن بكير خريج الجامعة الأمريكية ببيروت بدرجة امتياز في اللغة العربية وآدابها بالإضافة إلى أنه كان من ذوي المواهب، ينظم الشعر فصيحا وشعبيا ويسهم في الجنس الأخير في محافل عرضه وأسماره. ويمضي الأستاذ الفاضل في شهادته للتاريخ أنه علم من الراحل الكبير عبدالله أحمد محيرز، رحمه الله، عن سيرة التفوق في كل مراحل الدراسة التي تميز بها سالم بكير الذي عزز التفوق بالتقوى والصلاح حيث كان يؤم أقرانه في الصلاة في المدرسة أو في داخلية سكنهم، وكيف لا وهو من بيت عرف بذلك ولا تزال روح الشيخ عوض بكير، كبير القضاة تحلق في عالم الأبرار الأطهار.

يصعب اختزال شهادة الأستاذ الفاضل وأكتفي باقتطاع هذه الفقرة القصيرة: «وأن أهم ما فعله (أي سالم بكير) حفاظا على كرامة المهنة التي انتمى إليها وهي التعليم أن نفض عن كاهله أوهام السياسة العملية وتركها لمن يلبسون لكل عهد لبوسه واستقرت نفسه إلى العودة إلى نبعه الأصيل ميدان التعليم».

بكير يتقلد مهام ومناصب عليا في الجامعة والبرلمان والحزب
من نافلة القول، إن الراحل الكبير أ.د. سالم عمر بكير كان قد رضع حليب الوطنية والقومية في سني شبابه الأولى وانخرط في صفوف الحركة الوطنية، إلا أنه آثر قطع مشاركته فيها عند سفره إلى بيروت للدراسة الجامعية، والعلم فريضة على كل مسلم ومسلمة، بيد أنه واصل رسالته الوطنية والقومية في بيروت وأثناء قضاء إجازاته الصيفية كما جاء في شهادة الأستاذ الكبير أ.د. سعيد عبدالخير النوبان في كتاب تأبين الدكتور بكير (ص 79).

وفي مطلع عام 1975م تم تكليف الدكتور بكير بقرار من التنظيم السياسي الحاكم لإنشاء منظمة طوعية للشباب، اتحاد الشباب اليمني الديمقراطي (أشيد) وكان أول سكرتير أول لتلك المنظمة، وانتخب الدكتور بكير عضوا مرشحا في اللجنة المركزية للتنظيم السياسي الجبهة القومية (N.F.P.O) عام 1975م في المؤتمر الخامس وعضوا كاملا في اللجنة المركزية للتنظيم السياسي الموحد الجبهة القومية (U.N.F.P.O) عام 1976م واحتفظ بعضويته في اللجنة المركزية للحزب حتى وفاته في 1998م.

كما انتخب الدكتور سالم عمر بكير في دورات انتخابية عديدة لمجلس الشعب الأعلى (برلمان الجنوب) واحتفظ بعضويته حتى قيام الوحدة في 22 مايو 1990م واستمرت عضويته في مجلس النواب حتى عام 1993م وأحجم عن ترشيح نفسه لانتخابات عام 1993م.

ارتبط الدكتور سالم عمر بكير بالرسالة الأكاديمية منذ العام 1972م حتى عام وفاته 1998م ولم ينقطع خلالها إلا في الأعوام 1976م - 1980م التي أمضاها في موسكو حاضرة الاتحاد السوفيتي سابقا وحضر خلالها رسالة الدكتوراه في التاريخ اليمني المعاصر وعاد بعد ذلك إلى الوطن حيث تقلد منصب نائب رئيس جامعة عدن، وكان رئيسها آنئذ أ.د. سعيد عبدالخير النوبان وأصبح بكير رئيسا للجامعة حتى أحداث يناير 1986م عندما انتخب سكرتيرا للدائرة الأيديولوجية في سكرتارية اللجنة المركزية ولم ينقطع خلالها عن تقديم محاضراته في جامعة عدن.

بكير في اتحاد الأدباء والكتاب اليمنيين
جرى التحضير لمؤتمرات فروع اتحاد الأدباء والكتاب اليمنيين وانتخاب سكرتارية لكل فرع منها وجاءت نتيجة فرع عدن على النحو التالي تمهيدا لعقد المؤتمر العام الثاني في نوفمبر 1980م :

1- سالم عمر بكير، 2- زكي بركات، 3- فريد بركات، 4- أحمد محفوظ عمر، 5- حسين سالم باوزير.

عند إعلان أسماء المندوبين إلى المؤتمر العام الثاني لاتحاد الأدباء والكتاب اليمنيين خلال الفترة من 10/11 حتى 13/11/1980م كان قوام مندوبي فرع عدن على النحو التالي:

1- سالم عمر بكير، 2- فريد بركات، 3- أحمد محفوظ عمر، 4- علي صالح عبدالله، 5- حسين سالم باصديق، 6- عبدالله أحمد محيرز، 7- راشد محمد ثابت، 8- ثريا منقوش، 9- إسماعيل شيباني، 10 -عبدالمجيد عبدالله القاضي.

بكير في صولات وجولات
نبغ الدكتور سالم عمر بكير في مجال الشعر الفصيح والشعبي (الدان)، وهي موهبة صقلتها تجربة الأسرة فمنهم الشاعر الكبير (الجد) أحمد محمد بكير ومحمد سعيد محمد بكير وعوض سعيد محمد بكير، وهم (الشعّار) الرسميون في حافة البلاد سابقا والذين عاصروا باتبوع وباحريز وقشمر والعطنيشي.

للدكتور بكير مساجلات شعرية عديدة في سهرات الدان الحضرمي، منها نظمت في حضرموت ومنها في مناطق أخرى منها صنعاء، وساجل بكير خلالها شعراء بارزين منهم حسين أبوبكر المحضار وحسن عبدالله باحارثة وردت بعضها في كتاب تأبين الدكتور بكير (ص 66 - 75).

للدكتور بكير دراسات حول الشعر الحميني والشعبي جاءت في صورة محاضرات ألقاها في منتدى الخيصة في مدينة المكلا أو في الجمعية الحضرمية في صنعاء ونشرت له بعض الصحف والمجلات المحلية منها «14 أكتوبر» و«الثورة» و«الحكمة» كما كان يشارك في إلقاء القصائد في الشبواني والعدة والدان الحضرمي مع كل من المقبي وعوض المض وسعيد باحشوان.

بكير في لجان ولقاءات وحدوية
ورد اسم الدكتور سالم بكير في عدد من اللجان واللقاءات الوحدوية منها لقاء صنعاء لقيادتي الشطرين خلال الفترة 19-22 أبريل 1990 والتي تصدرها العقيد علي عبدالله صالح وعلي سالم البيض، وشملت القائمة أسماء 45 شخصا كان الدكتور سالم بكير من ضمنهم.

كما ورد اسمه في قوام (لجنة التنظيم السياسي الموحد) عن الجانب الجنوبي الذي ضم سالم صالح محمد، ود. سيف صائل خالد، وسالم عمر بكير، ود. صالح محسن الحاج.

بكير من عالم الفناء إلى عالم البقاء
انتقل أ.د. سالم عمر بكير إلى جوار ربه ظهر الجمعة الموافق 3 يوليو 1998م (عن عمر ناهز الثانية والخمسين عاما) في مدينة المكلا مسقط رأسه بعد حياة حافلة بالعطاء كان آخرها عندما عمل بناء على رغبته أستاذا في كلية التربية بالمكلا مع انتدابه لتدريس طلاب الماجستير بجامعة عدن، ويحضرني هنا ما كتبه الراحل الكبير الدكتور سعيد عبدالخير النوبان:

« فقد بخلوا عليه في حياته

وشح عزاؤهم له بعد مماته»

تلقى الأستاذ علي صالح عباد مقبل، الأمين العام للحزب الاشتراكي اليمني عددا من برقيات العزاء بوفاة الدكتور سالم عمر بكير، عضو المكتب السياسي للحزب الذي قلده اتحاد المؤرخين العرب «شهادة المؤرخ العربي» في يناير 1989م.

خلف الفقيد بكير سجلا حافلا بالأعمال العلمية والإبداعية لم تجمع بعد، كما خلف وراءه قلوب محبين لا حصر لهم، وثلاثة أولاد: ابنين وبنتا واحدة.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى