المثقف في زمن العتمة

> «الأيام» صالح حسين الفردي:

> كثيراً ما تقف الشعوب أمام رياح التغيير القسري، وهي عارية من كل غطائها الحضاري والإنساني، وتزداد المواجهة صعوبة عندما توضع هذه الشعوب في ميكنة التغيير السلبي، المشوه لكل مقوماتها، ومكوناتها الثقافية والأدبية والفنية، عندئذ بقدر ما تفتقد هذه الأمة أو تلك الكثير من سلوكياتها الحضارية، أسس تعاملاتها اليومية الرائعة، تصبح الهوة سحيقة، فيزداد الشرخ الحضاري عمقاً وتشظياً في كل مفاصل المجتمع ويسهل احتواؤه وتغييره، وفق إرادة التغيير القسرية، لكن بقدر ما تحافظ هذه الشعوب على مكوناتها في منظومة الوعي الجماعي، بقدر ما تكون المواجهة أسهل وأيسر، وأكثر قرباً إلى التجاوز ولفظ القادم- التغيير الذاهب إلى الطمس والتشويه- وهنا تكمن جدلية المواجهة وفضاءات الصدام، التي تستفز كل الخبايا المهملة في الذاكرة الشعبية، فتطفو من جديد على السطح الثقافي، وتعاود الحنين والرحيل إلى الجذور الأولى لكي تستمد ديمومتها في المقاومة والممانعة للطمس والضياع والفناء، وهي خبايا وخفايا أنست في نفسها السكينة والرسو في موانئ الحياة اليومية المعيشة، في زمن الضياء، فآثرت القيام بهذا الدور الذي وجدت فيه طريقاً إلى التأثير العميق دون صخب أو ضجيج، ولكنها تظهر بقوة عند أول منعطف خطورة تستشعره قادماً لا محالة، أما الحقائق الجلية في الذاكرة والخصوصية المكانية والزمانية لهذه الأمة أو تلك فهي لا شك تدرك منذ اللحظة الأولى حدود المواجهة، وحدة الصراع.

هذه الجدلية- الصراع- هي أصعب ما تكون على مستوى الوعي، وتظل مشتعلة، وإن سكتت أو أسكتت كل الجبهات الأخرى، في مواجهة يدركها جيداً المثقف الأمة، المثقف التكوين، المثقف المؤسسة، الذي يعمد إلى ردم الهوة السحيقة التي يقع فيها المجتمع من فرط التداخل والخلخلة التي أحدثتها الهزات الجديدة، فيحاول أن يكون جسر عبور بين الجذور والمعاصرة التي تستمد نبضها من شرايين الماضي دون أن تقف كثيراً أمامه إلا لاستلهامه وتجديده بما يسهم في تكوين فضائها المنشود، دون التعثر في حبائل متشابكة تعيد إنتاج ثقافة السكون والاتكالية والسلبية القاتلة لروح الإبداع والخلق والتفرد، وهو دور ليس بالهين القيام به في زمن العتمة اللافحة لكل منافذ الروح الشفيفة المتماهية مع رسالتها، المرسلة إياها، إشراقات تضيء زوايا الذاكرة اللحظة، واضعة أمامها كل تقاطيع الوجه بإشراقاته وإشعاعاته القادمة من بعيد ولكنها منه وإليه تنتمي.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى