السياسة تحت غطاء الدين ..المرامي البعيدة للفتن الداخلية

> د. هشام محسن السقاف:

>
د. هشام محسن السقاف
د. هشام محسن السقاف
أفضت سايكس / بيكو 1916م إلى خلق الكيانات العربية القطرية واصطناع الحدود السياسية بين الأقطار العربية وكأن تمزيق الوطن العربي استحقاق له عن مشاركة قادته وزعاماته في الثورة العربية الكبرى المناهضة للحكم العثماني في الوطن العربي والانحياز لخصمه - الدول الغربية الكبرى- بريطانيا وفرنسا أثناء الحرب العالمية الأولى 1914-1918م.

وكان ما آل إليه الحال في أعقاب الحرب العالمية الثانية 1939-1945م أفول نجم قطبي الاستعار القديم (بريطانيا وفرنسا) وظهور قوى عالمية جديدة (الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتي) وبروز الدور الوطني التحرري في العديد من دول العالم ومنه الوطن العربي لتظهر على السطح الدولة الوطنية القطرية بمزايا الشعارات الكبرى (الثورة، الحرية، الوحدة) التي أججت مشاعر الجماهير عقدين من الزمان وكرست النظم الجديدة هذه شرعيتها الثورية على حساب الشرعية الديمقراطية، ومن ثم الدخول في نفق الدولة المستبدة التي يقف على رأسها عادة ضابط من الجيش، كما أصبحت الحدود السياسية القطرية تلك التي رسمتها سايكس بيكو أكثر واقعية وجذرية لتأصيل الخارطة السياسية التي مزقت الوطن العربي إلى أقطار هزيلة، وصارت الخصومة على شبر من الأرض متنازع عليه بين دولتين عربيتين مثيرا لنوازع العداء والمواجهة وأكثر مضاضة من الخصومة التاريخية مع إسرائيل التي تغتصب وطنا عزيزا على العرب هو فلسطين، وكان الخط الوهمي الذي رسمته سايكس بيكو يتجذرعلى الخارطة وفي المشاعر بإرادة الدول القطرية العربية التي انبثقت بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية، ولمزيد من المعطيات على صعيد التأصيل كان الوطن العربي يتوزع ولاءً بين قطبي القوة الأعظم الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتي، وتبرز معطيات جديدة بعد انهيار الاتحاد السوفيتي وتفرد الولايات المتحدة بالسيطرة الدولية والقطبية الأحادية مظهرها هذه المرة الخروج من سايكس بيكو بترويج مخادع يسوقه شمعون بيريز في كتابه (الشرق الأوسط الجديد) الذي يتمحور في نقطة النبوغ الإسرائيلية القادرة على تسويق إسرائيل تكنولوجيا في الشرق الأوسط وبإسهام التابع للمتبوع (بلدانه الأخرى لإسرائيل) من حيث السوق والأيدي العاملة الرخيصة والمواد الطبيعية، ويبرز في الأثناء التداخلات السياسية والاجتماعية المعقدة وخاصة بعد أحداث 11 من سبتمبر 2001م واحتلال العراق من قبل الولايات المتحدة ليصبح الاتجاه السائد خلق البؤر الساخنة في أكثر من مكان على الخارطة العربية تحديدا، لاستنزاف مقدرات الدولة القطرية والبدء في المسعى الذي لم يغب عن مخيلة العقل اليهودي بخلق كنتونات للأقليات الاجتماعية والمذهبية، وهو ما روج له شارل مالك في حينه في لبنان على عهد الحرب الأهلية وما يتحقق في شكل دولة حزب الله حاليا، وتمزيق خارطة سايكس بيكو الممزِّقة أصلا للوطن العربي، وبعثرة كيان الدول القطرية إلى دول صغيرة لا تشكل تهديدا لإسرائيل في يوم من الأيام.

وهو ما يتحقق الآن في انبعاث الدولة الشيعية في العراق بفصل جنوبه عن وسطه السني بعد ان تحقق للشمال الكردي انفصاله الفعلي عن الدولة العراقية وهو ما يتمظهر ايضا في تجزئي السودان ومحاصرة مصر من الجنوب وصولا للتحكم بمصادرة مياه النيل والابقاء على جذوة الفتنة الطائفية المفتعلة بين المسلمين والاقباط، مع ما يحمل المستقبل من مفاجآت بالنسبة لسوريا بحيث تتحول دول الطوق العربي إلى كيانات ممزقة لن تقوم لها قائمة في المستقبل وتصبح الكلمة الاولى في المنطقة لاسرائيل وليس بخاف على احد الترويج للاقلية الشيعية في المملكة العربية السعودية في الإعلام الغربي الامريكي الذي يتخذ سمة الديمقراطية وحقوق الإنسان في الظاهر مع ما ترسمه الدوائر السياسية في الخفاء لخارطة جديدة للمملكة والمنطقة في المستقبل بحيث تلتقي الاقليات الشيعية في شرق المملكة والبحرين في كانتون واحد بعد ان يتم ترتيب الوضع في ايران لصالح التوجهات الامريكية الاسرائيلية .

كتب الأستاذ محمد عابد الجابري:

«إن القديم المسكوت عنه - العصبية والطائفية، وسواس السلطة - قد رفع الغطاء عن نفسه فبرز كالتنين يتحدى.. ومن هنا السؤال هل باستطاعة مفهوم (المجتمع المدني) أن يعيد هذا المارد إلى القمقم في كل من العراق ولبنان وجل الأقطار العربية أن لم نقل جميعها» مجلة المجلة 3/3/2007. ويبدو من كل ذلك أننا قد وضعنا عربيا تحت طائلة المصطلح الامريكي الجديد (الفوضى الخلاقة) والتخلق هنا لن يكون بحسابات عربية بطبيعة الحال بقدر ما سيكون ظاهرا وباطنا لحساب المصالح الاخرى.

إن أحداث صعدة بكل ما حملته من مفاجآت مدهشة في الساحة اليمنية لايمكن فصلها بحال من الاحوال عن كل هذه التفاعلات التي تعصف بالوطن العربي.

وقد كتب الاستاذ غسان تويني في «النهار» البيروتية مقالا بعنوان (اسلام واحد.. لا اسلامان: الطريق إلى الجحيم من بغداد إلى اليمن) قال فيه: «إذا كان اللبنانيون قصيري النظر في الحسابات اليمنية (السعيدة سابقا) فالذين اشتركوا في ما صار يسمى مؤتمر بغداد بمن فيهم خصوصا المشاركون من دون ظهور فاقع.. هؤلاء بالاخطار اليمنية ادرى وبشفافية الحال اليمنية لمثل مجريات بغداد، ومن ثم وهذا هو المحظور الاعظم بشفافية ما ومن يحيط باليمن بحيث تسقط آنذاك كل الدفاعات والسواتر والمحرمات امام زحف الشرور ولو لم يخطط لها احد، بل هي الشرور ولو بدأت محرجة مترددة التي تطلق ديناميتها الخاصة المتصاعدة الزخم الهدام. وحينذاك قد لا تجدي نفعا الدعوات السلمية وربما الصلوات تفقد فاعليتها حين تكون هي الحيز الوحيد الباقي».

ثم يستطرد الكاتب: «حسب الراغبين في الرسوخ في المعرفة ان يقرأوا الخرائط والدراسات الجيولوجية وما قد تثيره من شهوات فوق الارض وتحتها ناهيك بالطموحات الغريزية إلى حكم ذاتي من هنا وتصحيح حدود من هناك وضمان حقوق من هنالك.

وناهيك ، ناهيك اخيرا بالحضور الدولي المبطن بالحنين الامبريالي والامبراطوري فالاستعمار وقدرة الحاضرين.

وقد حضروا كلهم الكبار والاصغر قليلا والمكابرون يقصد مؤتمر بغداد على توسل الشعوب وتوظيفها في المشاريع الانتحارية والحروب التقليدية التي لاغالب فيها الا الشيطان متنكرا في الغالب بالتدين ومظاهره والشعارات ، الشعارات وإذ ذاك تتفجر المجتمعات وتتبخر الدول والسلطات ولا يبقى سوى الارهاب..» («الأيام» 13 مارس 2007م ص 8).

فليس لهذه الفتنة فتنة صعدة من مبررات للخروج بكل طاقات العنف الموجهة إلى الدولة الوطن المواطن سوى خدمة اهداف ارتدادية عن مشروع الدولة الوطنية الديمقراطية الذي بدأ يتحقق في اليمن رغم المآخذ والصعاب الجمة التي تواجه عملية التحول الديمقراطي بسبب عدم استجابة النظام القائم إحداث تغييرات جوهرية لحساب الشعب أو السواد الاعظم منه بالطريقة التي تعصف بمراكز القوى الفاسدة والحرس القديم ممن تكونت مصالحهم الطفيلية والذاتية من داخل براثن وضع الدولة الرخوة التي تتعايش اوضاعها في ظل اللااصلاح واللاانهيار كامل.

ونلاحظ ان النظام السياسي برمزه الوطني الرئيس علي عبدالله صالح والمنتخب انتخابا حرا نزيها رغم الهنات التي عادة ما ترافق العمليات الديمقراطية في الانتخابات تحديدا عندما شرع في الاستجابة لمتطلبات المرحلة وبدأ في تنفيذ البرنامج الانتخابي لفخامته وهو ما يشكل انتصارا لارادة الجماهير التي اتجهت لمؤازرة فخامته على اساسيات هذا البرنامج تحركت اصابع خفية لعرقلة هذا الجهد من القوى التي تتقاطع مصالحها مع مصالح المواطنين الذين يتوقون للعيش بكرامة في ظل دولة النظام والقانون ويكون الحد من الغلاء وارتفاع الاسعار مؤشرا لحركة مشبوهة تدفع باتجاه رفع الاسعار على حساب بؤس المواطنين. وحين تتجه ارادة الحاكم لتنفيذ رغبة الجماهير وضمن اجندته الانتخابية التي فاز بها إلى اخلاء المدن من المظاهر العسكرية غير الشرعية تزداد المواجهات داخل صنعاء وفي ارقى احيائها. وفي مشهد دراماتيكي يستفيد افراد الفتنة في صعدة من كل مظاهر التسامح والعفو لغرض انخراطهم في الحياة الاجتماعية والسياسية بصورة سلمية بعد احداثهم حربين مدمرتين في السنتين الماضيتين ثم ينقلبون للمرة الثالثة على النظام السياسي غداة الانتخابات بالقوة العسكرية، معرضين السلم الاجتماعي لخطر شديد ومسفرين عن وجه لا يختلف كثيرا عن وجوه المناوئين للجمهورية والثورة بعد سبتمبر 1962م وفي حركة ارتدادية مدعومة من قوى اقليمية لم تعد بخافية على احد وتتستر هذه المرة بالمذهبية الدينية في استغلال لن يرى ثماره احد سواء اتباع الفتنة أم مؤيديهم الاقليميين خارج الدائرة اليمنية لادراك شعبنا لمثل هذه المرامي والمزاعم التي لن تجد لها ارضا خصبة في بلادنا وستعود وبالا على اصحابها.

ان اي مطالب يجب ان تؤخد ضمن شرعية الدولة القائمة حيث تتوفر سبل عديدة للخوض فيها والمطالبة بها من خلال مسارب وقنوات المجتمع المدني وعندما تتحول هذه المطالب حتى وان كانت عادلة إلى خروج صريح على النظام والقانون السائدين ضمن العقد الاجتماعي المتفق عليه في الجمهورية اليمنية منذ نشوئها في 22 مايو 1990م هو بمثابة اعلان حرب من فئة باغية على مجموع الوطن والسكان وسوف لن يكون هناك خيار سوى استئصال هذا البغي الذي اطل برأسه فما بالنا حين تنكشف الوجوه والاقنعة عن مرامٍ غير مطلبية بقدر ماهي انقلابية على النظام السياسي السائد بحسابات سلالية لا وطنية تتغذى من ضروع خارجية.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى