المؤرخ سعيد عوض باوزير يجري حوارًا صحفيًا قبل ستين عامًا في مدينة (الشيخ عثمان) مع المؤرخ صلاح البكري ..الأمن أهم عنصر في الحياة الاقتصادية ولم يسبق له مثيل بحضرموت

> «الأيام» أمين سعيد عوض باوزير:

> نشرت مجلة «الأفكار» العدنية لصاحبها ورئيس تحريرها الأستاذ محمود علي إبراهيم لقمان حواراً صحفياً بقلم المؤرخ سعيد عوض باوزير مع المؤرخ صلاح البكري في عددها 15 الصادر في محرم 1367هـ الموافق سبتمبر عام 1947م.

ويتلخص الحوار عن هموم المواطن الحضرمي الكثيرة التي كانت تشغله في ذلك الوقت، ومنها على سبيل المثال كيف يمكن القيام بنهضة اقتصادية؟ وما هي الوسائل لإحداث نهضة تعليمية في البلاد؟ وعن يافع حضرموت والتعمير والشخصيات التي يرى ضمها لمجلس الدولة؟ وأخيراً: وحدة حضرموت هل آن أوانها؟

كل ذلك في حوار شيق وأسلوب رائع نقدمه لقراء صحيفة «الأيام» الأعزاء لكي يستمتعوا به.. كما استمتعت به شخصياً. وهذا نص الحوار:

«كنت في دار الأدب كما يسميها صديقي الشاعر عبدالمجيد الأصنج عندما تفضل الأستاذ صلاح البكري فبدأني بالزيارة قبل أن يعلم بمقدمه من مصر أحد، وكان ذلك ضحى عقب الانصراف من صلاة عيد الفطر.

دخل عليّ أحد الأصدقاء قائلاً: أقدم إليك الأستاذ صلاح البكري وعندما عرف في وجهي دهشة المفاجأة واستفسار المستوضح، أردف: مؤلف تاريخ حضرموت السياسي. فنهضت لاستقباله وكان حديثاً جامعاً وكانت صداقة. ثم انصرف عائداً إلى عدن بعد أن تناولنا طعام الغداء على مائدة أحد الإخوان بالشيخ عثمان.

وتكررت الزيارة وسافر الأستاذ إلى حضرموت وانتظر الحضارم في الوطن والمهاجر نتيجة هذه الزيارة، وعاد في مساء يوم الجمعة 17 أكتوبر ماراً بعدن في طريقه إلى مصر وعدت إلى الحديث معه مقدماً إليه بعض الأسئلة فأجاب على أكثرها بما عرف عنه من تحفظ وهدوء وقد استأذنته في نشرها زاعماً له أن الحضارم جد متلهفين للإطلاع على آرائكم فأجاب على أربعة من الأسئلة بما يلي:

كان شعوري عندما هبطت أرض الوطن بالطائرة شعور الإنسان الذي هبط بيته بعد انقطاعه عنه طويلاً، وقد لمست في مستقبليّ شعوراً جميلاً وإحساساً دقيقاً وتقديراً ينم عن الإخلاص والوفاء، وقد أرادوا أن يعبروا عن إخلاصهم وحبهم لي فأقاموا حفلات التكريم من معظم الأحزاب والهيئات وفي مقدمتها حفلة مقادمة يافع التي شرفها عظمة السلطان والمستشار المقيم، وقد لفت نظري في العاصمة زيادة المباني الحديثة وازدحام السكان الذين يمثلون كل الطبقات.. أما حضرموت على الإجمال فقد كنت أتصورها أقل كثيراً مما شاهدت.

وأجاب عن الأسئلة التي تتعلق بالتعليم بما يأتي: إذا قارنا التعليم اليوم وعلى الأخص في الساحل بالتعليم قبل عشرات السنين الماضية نجد فرقاً في كل أوضاعه. ولا غرو ما دام على رأس الأمة الحضرمية رجل مخلص كل الإخلاص ويتفانى في ترقية البلاد ذلكم هو عظمة السلطان صالح بن غالب القعيطي أطال الله بقاءه، وتنحصر الطريقة لإحداث نهضة تعليمية في أربع نقاط:

1- إنشاء مدرسة للمعلمين يلتحق بها خريجو المدرسة الوسطى، يتعلمون طرق التربية الحديثة وعلم النفس والجغرافية والتاريخ وغير ذلك من العلوم الحية.

2- جلب مدرسين أكفياء .

3- تعديل المنهج الحالي وتحويره إلى منهج يتمشى مع ميول الشعب وخصائصه.

4- إرسال البعثات العلمية إلى الخارج وأنا انصح بإرسال البعثات إلى مصر وانجلترا.

أما التعليم الديني فقد قال: إنه لا يزال على أوضاعه القديمة وهو في أشد الحاجة إلى منهج جديد وإدخال بعض العلوم العصرية، وقد زرت المدارس الأهلية ووجدت التقدم في مدرسة الريضة محسوساً والفضل في ذلك يعود إلى مؤسسها السلطان علي بن صلاح القعيطي وإلى السادة آل بامطرف الذين يقومون بجانب كبير من تكاليفها ولا ننسى مدرسيها الذين يقومون بواجبهم على ما يرام.

وتحفظ كثيراً عند الخوض في الناحيتين الإدارية والسياسية ولكنه قال:

إن مجلس الدولة يعتبر خطوة للحكم النيابي حبذا لو يضم بين أعضائه شخصيات بارزة في عقليتها وتفكيرها أمثال السادة أحمد باصرة، وعبدالله عوض مخارش، وعلي باعشن.

ويثني على المحاكم الشرعية ويقول: إنها خطت خطوات إلى الأمام ولا غرابة في ذلك ما دام على رأسها أمثال الشيخ عبدالله بكير، والشيخ محمد باجنيد.

ولا ينتظر أن يمر الحديث بسلام دون أن نطرق عقدة العقد، وحدة حضرموت، وقد أدلى في هذا الموضوع قائلاً: لا أدري ماذا يرمي القائمون بالوحدة؟ هل يريدون توحيد الحكومتين وجمع السلطة في هيئة الوحدة وهل يرضى الكثيري بإدماج حكومته بحكومة القعيطي؟ هل يريدون بقاء الحكومتين وإنشاء هيئة تشرف على أعمالهام وتمدهما بالإرشادات والتعليمات؟ وهل يرضى الشعب بهذه الهيئة؟ ومن عسى أن يكون أعضاؤها؟ وهل تعترف الحكومتان بها.

وإذا فرضنا أنهما اعترفتا بها، نعني ذلك الاعتراف بوجود سلطة ثالثة تهيمن على شؤون الحكومتين، إذا بعملهم هذا بدلاً من أن يوحدوا السلطات يقسمونها إلى ثلاث.

إن حركة الوحدة حركة سياسية سابقة لأوانها ولذلك أصابها التلاشي والانهيار ولم تجد أرضاً خصبة في أراضي الدولة القعيطية. كان يجب على إخواننا القائمين بحركة الوحدة أن يبذلوا أقصى مجهودهم لنشر التعليم وترقيته إلى المستوى اللائق به. كان يجب أن يسعوا لتثقيف عقول الشعب وتنوير أفكاره، كان يجب أن يسعوا لتوحيد برامج التعليم وتوجيه المدارس توجيهاً حسناً ولتوحيد الجهود في كل ما ينهض بالوطن، ولن تعترض الحكومتان على أي مشروع يرمي إلى الإصلاح العام والنهوض بالأمة.

وتحدث عن الأندية والهيئات فقال: إن نادي الإصلاح أنشط الأندية وأقواها مركزاً، والحزب الوطني في حاجة إلى دعاية واسعة ومبادئه ترمي إلى ترقية الوطن وإعلاء شأنه وإلى تعزيز مركز الدولة القعيطية لذلك يجب أن يضحى له بكل غمرتخص وثمين.

وعندما سألته عن رأيه في إمكانية إنعاش البلاد اقتصادياً قال: إن الأمن الذي هو أهم عنصر في الحياة الاقتصادية موجود في الحواضر والبوادي بصورة لم يسبق لها مثيل في تاريخ حضرموت. ولذلك فهو يرى أنه من الممكن القيام بنهضة اقتصادية خصوصاً إذا تكونت شركات لاستخراج الزيت من السمك ولاستغلال الأراضي الزراعية بواسطة الآلات الحديثة.

واستطرد في الحديث إلى ذكر يافع حضرموت فقال في هذا الصدد ما نصه: اليافعي كما تعرفه يعتز كل الاعتزاز بقبيلته وحكومته وهو على أتم الاستعداد للدفاع عنها بالروح والمال ولكن مما يؤسف له أن العناية به اليوم قلت إلى حد كبير.

وكان آخر أجوبته عما يتعلق بالوظيفة قوله:

لقد عرضت عليّ وظائف ولكني لا أستطيع قبولها في هذه السنة لظروف خاصة.

(الشيخ عثمان)..سعيد باوزير»

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى