واقع النظافة في بعض المناطق المحجوبة عن الرؤيا العامة في عدن:أزقة مختنقة ..وأنهار من المجاري وأهالي البريقة

> «الأيام» كفى الهاشلي:

>
منظر للقمامة المتناثرة
منظر للقمامة المتناثرة
لا يختلف اثنان على أن مديرية البريقة أكثر المناطق هدوءًا و جمالاً ونظافة، وما تحظى به من جمال طبيعي ساحر خاصة سواحلها جعلها أكثر جذباً للزوار لكن في المقابل ليس كل ما يلمع ذهباً، فهذه المديرية بين جنباتها مآس كثيرة، وعلى أطرافها حمولة مثقلة، وبين أحاديث الإعجاب بسلوك أهلها كلمات عتاب؟

فماذا تحتضن شوارعها المخفية عن أنظار الزوار؟

وماهو دور المواطنين في زيادة حجم المأساة؟ وماهي متاعب عاملي النظافة؟

كل هذا كان موضوع حديث تبادلناه مع الناس ، وخضنا الطريق بأنفسنا وكتبنا عن ما رأيناه ولمسناه على هذه السطور .

لنبدأ بحكاية هذه المنطقة التي يسحرك نظام مساكنها المنظم على شكل (كلاسات) وحارات كل منها قد تحتوي على اثني عشر أو أربعة وعشرين منزلاً وبتسميات تحمل اسم الوحدة والحي والشارع ورقم المنزل.

وهذا النظام كان من صنيع الاستعمار الذي بنى المصفاة فيها ونظم طريقة البناء لتتماشى مع احتياجات العمال وعائلاتهم فالـ(سي كلاس والمناظر والكود والسوبر) هي من صميم البناء البريطاني ومع ازدياد أعداد سكانها والنزوح الذي حصل خاصة بعد حرب صيف 94م امتلأت المناطق الفارغة بالمنازل وهنا بدأت المشكلة، تهافت الناس على البقع وكل أخذ ما أخذ وتكونت مناطق عشوائية جديدة لتصبح المنطقة الشمالية لمنطقة السي كلاس والقريبة من الجبل تظم بين جنباتها منازل وبشرا دون تنظيم فعندما تتجول في هذه المنطقة لن تعرف من أين بدأت وأين ستنتهي، قليلة هي البيوت المنظمة والتي تنظمت بفضل ادراك الدولة لمخاطر البسط العشوائي وكونت منطقة المخطط الجديد، لكن الجزء الآخر لم يحمل بين أزقته سوى الآهات فلا شارع ولا متسع لسيارة إسعاف أو سيارة نقل القمامة ولعل المنافذ الصغيرة التي من الممكن أن تكون مكانا لوضع براميل القمامة هي الأخرى أغلقها السكان، أزقة المنطقة بالكاد تكفي شخصا واحدا وأحياناً اثنين فقط.

أحاطت القمامة بمختلف أشكالها وألوانها وأنواعها بالواجهة الأمامية والجانبية لمنزل محمد شريان ليختنق هو وطفلتاه الصغيرتان وزوجته برواح النفايات ولدغات البعوض، وعندما رأينا موقع منزلهم المتواضع قريبا من القمامة اقتربنا لنسألهم عن الوضع المفروض عليهم فقالت زوجته:«الجيران لا فائدة منهم يقطعون مسافات وبعضهم قريبين من منزلنا، ليرموا قمامتهم بلا مسؤولية قريبا من منزلنا، تحدثنا معهم، تشاجرنا وآخرها قلنا لهم سنقدم الشكوى باسم ربات البيوت أنفسهن ليحسنوا من سلوكهم ويتحملوا المسؤولية ومع ذلك كما ترين لا فائدة فالقمامة مكدسة، والبلدية لم تقصر جاءت وأخذت القمامة و نظفت المكان لكن ما فائدة ذلك إذا الناس لا تحترم حياة وجهود الآخرين».

عائلة شريان تعيش في منزل كل منافذه تسمح بدخول الروائح الكريهة ولا يستطيعون بحكم ظروفهم الصحية أن يجعلوا منزلهم حصنا منيعا لا يسمح بدخول الروائح والحشرات.

ووالدهم محمد يعاني من انزلاق في العمود الفقري، فكيف يتحمل وحده عبء تنظيف مكان يشكل تلاًَ من النفايات؟!!

على ممرات المنطقة في المكان نفسه تربعت البيارات من كل حجم وبسببها تشجار الكثير من الجيران أحدهم يقول إنه متضرر والآخر يقول إنه الأكثر ضرراً.

منزل احد المواطنين وبداخله القمامة
منزل احد المواطنين وبداخله القمامة
وبين كل ثلاثة إلى أربعة منازل تقع نفايات الجيران ومخلفات مواشيهم بل ومخلفات البناء لتصبح المنطقة أشبه بالمتاهةلا يعدف من يدخلها لأول مرة مخرجها من مدخلها، أعمدة النورموجودة وكذا الماء لكن المجاري وبراميل القمامة وسياراتها مفقودة لأنها لا تستطع الدخول في هذه المساحات الضيقة.

عائلة أخرى جلسنا معها لنستفسر كيف ينقلون قمامتهم فتعجبنا لما رأيناه حيث يضعونها داخل منزلهم حتى يحين موعد رميها لتنقل إلى سيارة القمامة التي تدخل إلى طرف الحارة وقالت إحدى بناتهم:«كما ترين القمامة هنا في منزلنا لم نرمها فوق الجيران كما يتصرف البعض ولا نضعها بجانب الباب ونتحمل بأنفسنا مسؤولية تسليمها لعربة القمامة مهما كان، فالمنطقة هنا أصبحت تعاني من المشاكل والجيران أغلقوا كل المنافذ التي من الممكن أن يوضع بها برميل للقمامة وللأسف لا أحد يحرك ساكناً، واذا حدث مكروه لا قدر الله حريق أو مرض لن تستطع سيارة الإسعاف الدخول، وياما حدثت مشاكل على البيارات ومدير شركة مصافي عدن والمجلس المحلي وعدوا بتحسين المجاري هنا، لكن إلى الآن لم يتحول شيء إلى فعل ولن يستطيعوا إذا لم يتعان أهل المنطقة معهم وتوسع المنطقة على الأقل الطريق». بين هذا المنزل أو ذاك بالقرب من القمامة أو بعيدا بقليل تكيف الجميع على هذا الوضع فالأولاد يلعبون الكرة أسفل تل القمامة والبيوت تفتح أبوابها على المجاري وكأنها نهر وحتى براميل القمامة التي تقع في مدخل المنطقة هي الأخرى تشاجر حولها المواطنون ورموا بالنفايات على الارض وبجانب البراميل ليعبروا عن سلوك غير حضاري ومؤذ للجيران الذين تقع منازلهم أمام البرميل، ولعل السبب هو أن أطفالهم هم من يأخذ القمامة إلى البراميل دون أن تراعي الأمهات والآباء أن الطفل لا يستطيع الوصول إلى برميل القمامة فهو يتخلص منها وبأي شكل وعلى حساب الآخرين.

وبين مستوى النظافة وإهمال المواطنين خرجنا من المنطقة لنرصد معناة عمال النظافة الذين يمضون معظم نهارهم بينها يشمون رائحتها ويحملونها إلى عربات النقل ويجدون بعضها في الشوارع مرمية أو بجانب البرميل، بدون كلل أو ملل يأخذونها لأنه عملهم. تحدثنا معهم عن معاناتهم ولم يكن هناك من جديد فهم يمضون حياتهم بين النفايات ليبقى الآخرون بعيدين عنها ومع ذلك لا أحد يذلل الصعاب ويقدر حجم معاناتهم لكن ماذا عساهم أن يعملوا فهذا سبيل رزقهم يقتربون مما ننفر منه وعند الحديث معهم عن حالهم تعالت تنهداتهم من المشقة قائلة:

نريد أن نجازى عن عملنا الصعب
عادل أحمد عمر من أبناء منطقة الفارسي في البريقة يعمل منذ خمس سنوات لا جديد في حياته سوى العمل اليومي والمتمثل في نقل النفايات من البراميل إلى السيارة الكبيرة، خمس سنوات لم تحمل معها أي تباشير وروتين الحياة لم يتغير، فكل يوم منذ الصباح وحتى السادسة مساء يقوم وزميليه: محمد يحيى العامل الجديد الذي لم يمض على عمله سوى شهرين، ومحمد ربيع، بنقل ثلاث نقلات في اليوم وعلى فترتين من السادسة صباحاً إلى الثانية عشرة ظهرا ومن الرابعة عصراً حتى السادسة يقولون: منذ أن عملنا ونحن لا نجد الحوافز ولا الإعانة التي قد نحتاجها عندما تحصل لنا ظروف صعبة ولا تعطى لنا إجازة بل يتم الخصم دون مراعاة للظروف الصحية،

المواطن محمد مع ابنته
المواطن محمد مع ابنته
فماذا يعمل الشخص عندما يكون متعبا ومريضا يذهب لهم وهو بحالة سيئة لتعطى له الإجازة ونحن لسنا مثبتين ورواتبنا قد تتفاوت لكنها لا تتجاوز التسعة عشر ألفا. وفي فرق النظافة وجدنا النساء تعمل فالخالة ربيعة عمر امرأة يبدو أنها تجاوزت الاربعين من عمرها وجدناها في أحد شوارع البريقة تعمل كما يعمل الشباب بيدها مكنسة وعلى الارض سلة(زنبيل) القمامة تجمع النفايات من شارعين كل منهما يزداد طولاً عن الآخر ومع ذلك مضت عشرة أعوام دون ملل أو كلل أو شكوى إلا إلى الله، تجمع أكياس البلاستيك المرمية بجانب المنازل وعلى الرصيف وتسير بخطى متعبة ومتقطعة لتجد نفسها بعد شهر تستلم خمسة عشر ألف ريال لا تبرد لهيب شمس ثلاثين يوماً من العمل ولا تخفف لحظة ألم ولا تسد رمق ثلاثة من الأبناء وسبحان الله.تقول عن حالها: زمان قبل عشر سنوات كان الواحد يحصل في الخمسة أيام خمسة ألف ريال أما الآن نحصل على خمسة عشر ألف ريال شهرياً ولو تغيبنا يخصمون علينا وإن كنا مرضى ويزيد الطين بلة إجازة الخمسين فالخصم فيها مضاعف.

هذه هي صرخات البيئة المتوجعة من عبث أيادي البشر ومن غياب الآلية الحقيقية لحل مشاكل هؤلاء المواطنين ليبقوا وأطفالهم بعيداً عن أضرار القمامة.

وهي في نفس الوقت تطلع من العاملين في النظافة لحل مشاكلهم حتى يبقو اليد القريبة من القمامة والمساعدة لنا والتي تحل مشاكلنا .

وبين البعد عن النقابات والقرب منها مسؤولية يجب أن يلتزم بها الجميع قبل ان تاثر البيئة لنفسها!

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى