«الأيام» تستطلع أوضاع منطقة وادي حُمّة بمديرية سرار يافع ..آبار مياه مطمورة.. وصلابة الإنسان تقاوم جفاف الخدمات

> «الأيام» حاتم عوض العمري:

>
بئر مياه تسكنها العناكب والحشرات والنمل
بئر مياه تسكنها العناكب والحشرات والنمل
(حُمّة) إحدى مناطق مديرية سرار بيافع محافظة أبين، تتكون من 15 قرية هي: أرنبة، أسفل امها، الحصن، ذمنمر، نجد سعود، مثيلة، نجد الصر، امعضيبة، ذمّكل، املحيق، الثمري، كحلة، امعضب، هورة، والهباة، وتقع حمة في الشمال الشرقي لمديرية سرار، تحيط بها سلسلة جبلية من جميع الأطراف فهي أشبه ما تكون بغرفة مغلقة، لم تحظ هذه المنطقة بنظرة رأفة (ولو بنصف عين) من السلطة المحلية بالمديرية والمحافظة أبين، لتأخذ نصيبها من المشاريع كأي منطقة من مناطق المديرية، فما زالت تعيش عزلة تامة عن حركة الحياة ودبيبها بعد أن وجدت نفسها اليوم عارية تماماً عن أبسط مقومات وحقوق المواطنة، ويبدو أن منجزات الثورة والوحدة ضلت طريقها ولم تصل بعد إلى هذه المنطقة التي لا تربطها بالجمهورية اليمنية سوى رابطة (النسب) .. صورة قاتمة ترسخها الأوضاع المأساوية لمنطقة حمة في ذاكرة زائرها.

«الأيام» تحملت عناء السفر ومشقاته وتخطت المسافات واستطلعت أوضاع هذه المنطقة المحرومة من أبسط الحقوق، كخدمات الصحة والطرقات والكهرباء والهاتف والمدارس، لرفع مطالب ومظالم الناس إلى من يعنيهم الأمر في سلطات الدولة.

كانت سرار نقطة الانطلاق .. تحركت بنا السيارة معلنة بداية الرحلة باتجاه الشرق وقطعت مسافة 5 كيلو مترات لنصل بعدها إلى مضيق تحيط به الجبال من كل الاتجاهات يدعى «مضيق المرصد»، وهو الطريق المؤدي إلى منطقة حمّة. دخلت السيارة وادي المرصد الضيق .. ينتابك الخوف رويداً رويداً حينما تواجه الوهدات والصخور التي توازي حجم السيارة، وكلما أوغلت في الطريق ازداد إحساسك بأنك «هالك وابن هالك وذو نسب في الهالكين عريق»، والنزول في ذلك الطريق بالسيارة مغامرة حقيقية ومجازفة في ظل وضعه القائم، أما صعوده فليس ممكناً إلا بسيارة حديثة على أن تحال بعد ذلك إلى الصيانة، وكنا نتوقع أن يصيب السيارة العطب في أية لحظة وهي تتمايل بنا يميناً وشمالاً وتحتها صخور تلامس قاعدتها بين الحين والآخر، فالطريق وعر وصخور الوادي لا تلين ولا تنحني إطلاقاً، وكنا نسلي أنفسنا بالنكات والمزاح وأغاني فيروز التي رافقتنا خلال الرحلة، حتى لا نحس بوحشة الطريق.. بعد أن قضيتنا أكثر من ثلاث ساعات صعوداً وهبوطاً، تخطينا طريق المرصد وصخوره التي تدير الرأس، ووصلنا وادي حمّة بعد رحلة لذيذة المتاعب.

أخذنا نبحث لنا عن مستقر ننفض عنا فيه عناء السفر ونخلع الغبار الذي علق على أجسادنا، وهنا شهدنا حفل عرس تجلت فيه كل مظاهر التعاون والحرص على أن تتم المراسيم حافلة بالحيوية والحركة والشعور بالبهجة والمسرة، حتى ليخيل إلى المشاهد أن كل حاضر في الحفل يشعر بأنه جزء منه لا تتم الفرحة إلا بوجوده. التقينا بأولئك الناس الطيبين الطموحين حتى كنا نحس أننا بين أخوة نعرفهم منذ زمن للحفاوة التي قوبلنا بها.

وعلى إحدى موائد الطعام تعرفت إلى الأخ سعيد علي قاسم الباقري، عميد (متقاعد) وهو رجل يثير فيك كل معاني المحبة والاحترام، فهو في كل كلمة يطلقها تحس أنه يحبك حباً عميقاً وكأنما يعرفك منذ زمن بعيد، وتحار في شخصية هذا الرجل الذي يوزع كلمات الود والحب على كل الناس حتى لتحس بالخجل من كلماته الملأي بالطيبة والمودة ، فهو يقدم لك الطعام ممزوجاً بحبات قلبه وشغاف روحه.

سعيد الباقري كان أول المتحدثين إلينا فقال: «تحية من القلب لـ «الأيام» على هذا النزول الميداني إلى منطقة حمّة لتلمس هموم الناس ومعاناتهم، والتي تلعب دوراً مهماً مع غيرها من الصحف اليمنية التي ترسي مداميك السلطة الرابعة بخطوات واثقة وإن كانت بطيئة نظراً لشحة الإمكانيات والتعاطي اللا منصف من قبل السلطة مع الصحافة، لكن تبقى الحقيقة التي تحرص «الأيام» أن تكون دينها وديدنها.

وعودة إلى سؤالكم حول أبرز الهموم والمشاكل التي نعاني منها فحالنا يغني عن السؤال، وإدارة المديرية تصم آذانها عن مطالبنا، فهذه المنطقة تضم عدة قرى وهي تعاني الكثير من المشاكل، وتفتقر إلى الكثير من المشاريع الحيوية في الصحة، والكهرباء، والمياه، والتعليم، والطريق، فالحياة هنا تسير بقانون الأعراف البدائية، حيث يتكبد الناس فيها البؤس والشقاء الذي هو خليط من الفقر والجوع والأوجاع الدائمة، يساعدها على ذلك واقع تعيس ووضع معيشي مر، ويعتمد الأهالي على رعي الاغنام وتربية النحل، وعلى الاحتطاب وبيعه، حياتهم بين الأشجار وفي الشعاب والجبال لا يعرفون الأسواق إلا نادرا لشراء القوت الضروري.

وأضاف: حصة المنطقة بالنسبة لحالات الرعاية الاجتماعية قليلة جداً، فأكثر الفقراء لم يتم تسجيلهم في الضمان الاجتماعي حيث إن حوالي 95% من الأسر في حمة فقيرة ووسائل العيش صعبة، وما هو مرصود من الإعانات لا يصل كاملاً .. وعبر صحيفة «الأيام» نناشد الجهات المسؤولة في المحافظة والمديرية النظر إلى أوضاع مناطقنا بتوسيع شبكة الضمان والرعاية الاجتماعية فيها، واعتماد حالات اجتماعية تفي بعدد المحتاجين في هذه المناطق، شريطة أن يكون الباحث من أبناء المنطقة حتى يكون العمل متقناً وبعيداً عن التلاعب.

صورة كثيرة كشفت عن الفقر والحرمان الجاثم على المنطقة، وصور المعاناة تتحدث عن نفسها ففي كل مكان أناس تجسدت في أجسادهم السمراء النحيلة معاناة الحياة وشظف العيش، وتقرأ في وجوههم الشكاوى الحارقة من آلام المعاناة والحرمان ولو تيسر لـ «فيكتور هوجو» رؤيتها لسطرها ضمن رائعته (البؤساء).

مضينا نتابع واقع البؤس والمعاناة بين جبال تحسن إكرام الضيوف، واستقبلنا الأخ محمد حيدرة طاهر الطاهري، أحد الشخصيات الاجتماعية في المنطقة، الذي حدثنا عن هذه المنطقة ومعاناة السكان فيها قائلاً: «منطقة حمّة جزء لا يتجزأ من مديرية سرار، ويبلغ عدد سكانها أكثر من 6000 نسمة، وهذه المنطقة تعاني من وطأة المعاناة بحرمانها من نصيبها في أبسط الخدمات الضرورية، وحقوق الناس في الوظيفة العامة، وحقوق المتقاعدين والمنقطعين المحرومين من مساواتهم مع آخرين من مناطق ومحافظات أخرى، إلى جانب ذلك يعاني المواطنون في تلك المنطقة من صعوبة الطريق الذي يربط المنطقة بعاصمة المديرية، كما أن هذه الطريق تتعرض لجرف السيول أيام الأمطار مما يعرضها للخراب فلمدة شهر أو شهرين تصبح المنطقة معزولة تماماً، ويجد الأهالي صعوبة بالغة في نقل احتياجاتهم، وويضطرون لنقل مرضاهم على ظهر الجمال وأحياناً على الأكتاف في منظر مؤثر».

وتابع الحديث قائلاً: «كما نعاني من مشكلة الجفاف التي تهدد حياة الأهالي، حيث تعرضت الكثير من آبار المياه في هذا الوادي وعددها ست آبار للطمر والهدم بفعل السيول التي تدفقت على المنطقة، مما ينذر بأن الأهالي سوف يعانون في نقص مياه الشرب قريباً، ولم تبق إلا بئر واحدة في المنطقة وهي الأخرى مهددة بالنضوب وهذه البئر تبعد عن القرى مسافة 10 كيلومترات، مما يضطر الصبية والشابة ومتوسطة العمر والطاعنة في السن إلى جلب الماء من هذه البئر على ظهورهن في أوعية خاصة (دبب) مربوطة بأحزمة على الأكتاف وكأنها قدرها المحتوم».

حدثن االمواطن أحمد عبدالله باصم عن مشروع حفر بئرين في هذا الوادي، فقال: «على نفقة مشروع مياه الريف ومشروع المرتفعات الوسطى تم اعتماد مشروع حفر بئرين للمنطقة (أسفل امها - وأسفل اطهم) بهدف تغذية المنطقة والقرى التابعة لها، وتوقف العمل فيهما قبل ثماني سنوات وأهمل هذا المشروع بهد أن سلمت كل المخصصات للمقاول مع حصوله على شهادة إنجاز، وحتى اليوم لا يزال المشروع متعثراً.. انتهى المشروع ومعه انتهت أحلام العطشى والمال العام المهدر لإنشائه».

وفي منطقة (ارنبة) يوجد خزان مياه سعته 18 ألف جالون تم انشاؤه قبل عامين بحاجة إلى الترميم، فبعد بضعة شهور من إنجازه وملئه بالمياه ظهرت تشققات في بعض الجدران وتسربت المياه منها، مع هبوط السقف. وأرجع الأهالي سبب ذلك إلى وجود غش في المواد المستخدمة في البناء من قبل المقاول.

خزان مياه لم يستفد منه الأهالي
خزان مياه لم يستفد منه الأهالي
الكهرباء.. وللفوانيس كلمة
لا تحظى الفوانيس في سرار المترامية الأطراف باهتمام كاهتمام أهالي حمة في ظل غياب الكهرباء، إن لها مكانة متميزة في الوجدان وعلى رفوف الجدران، هي رفيقة الليالي ومنيرة الدياجي، وهي الجليس الاثير لكل أفراد العائلة خاصة مع ضيق ذات اليد .. وإذا كان للفوانيس البطولة، فلمصابيح اليد درجة (الوصيف) ولا غنى عنهما بأي حال من الأحوال.

الأهالي وحلم الطريق
ومن خلال جولتنا الاستطلاعية هذه كشفنا الستار عن إهمال ومماطلة لإنجاز مشروع حيوي يربط المنطقة بمديريتي سرار ورصد، إلا أن ما وجدناه أوصلنا إلى حقيقة أن إشكالية الطريق الوعر غير المعبد تعد بمثابة سور يخفي وراءه مآسي آلاف المواطنين ، بل وكافية لتوضيح كثير من المعاني والمفردات ظل يحتفظ بها قاموس المعاناة خلف الجبال.

< الأخ بالليل عبداللاه ناصر الجلادي، مقدم (متقاعد) ، عبر عن الحالة السيئة التي وصلت إليها أوضاع الأهالي بقوله: «حمة محرومة من الطرقات، حيث إن الطريق الذي يربط منطقة حمة بعاصمة المديرية - كما رأيتموها خلال مروركم بها - طريق رديء ووعر، إذ أن السيارات تمر في بطن الوادي وهو في الأصل مجرى للسيول، وفي حال تدفق السيول فإنها تؤدي إلى جرف الطريق مما يتعذر انتقال السيارات من وإلى المنطقة فتشتد المعاناة على المواطنين وعندها تبدأ مهمة سفينة الصحراء (الجمل) في نقل التموين إلى المنطقة، كما أن المرضى يتم إسعافهم فوق نعوش الموتى إلى مستشفى رصد، وبعضهم يموت قبل أن يرى مبنى صحياً. وحتى الطماطم والموز والقات لا نحبذ شراؤه كونه لا يصل سليماً. وعليك كمتسوق أن تسأل نفسك لماذا أصبحت الطماطم (صلصة) والموز (فتّة).. ويستمر هذا الوضع من 3-4 أشهر حتى يقوم المواطنون بإصلاح الطريق بأنفسهم، دون أن يحرك المسؤولون في المديرية ساكناً.

وأضاف: سبق أن أجريت دراسة في عام 94م تشير إلى ضرورة شق رهوة الفلاح، وهي عقبة تجنبنا المرور بوادي المرصد الذي يتعرض لجرف السيول، وتم عمل الدراسة لها ونزلت المناقصة وحددت فترة الإنجاز لهذا المشروع.. وحول هذا الطريق كثرت الآراء وطالت الدراسات وكبر حجم هذا الطريق وصغرت مواعيد تنفيذه رغم أهميته فهو شريان الحياة وأمل كبير لكل مواطني حمة شأنه شأن قطرة الماء للضمآن، إلا أن هذا المشروع ظل في ملف الإهمال والنسيان ولم نعرف أين مصيره وأصبح حلماً يتراءى للأهالي من بعيد بالرغم من بعض الإشاعات التي نسمعها حول إعادة شق الطريق، ولكن لا حياة في ميت، ومن على منبر «الأيام» أحب أن أوجه نداء عاجلاً إلى السلطة المحلية بالمديرية وعلى رأسهم الأخ خضر محمد صالح، مدير عام المديرية بأن يضع نصب عينيه توفير خمسة عمال لصيانة طريق المرصد، بحيث يكونون عمالاً دائمين حتى يسهل علينا المرور فيها.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى