معركة المرأة الحقيقة ليست ضد الرجل وإنما معركتهما معا ضد الظلم والقهر الاجتماعي وفي مواجهة الثقافة التمييزية

> د. هدى علوي:

> إن مراجعة أوضاع المرأة العربية عموما واليمنية بوجه خاص تكشف عن أن تصاعد مؤشر كثير من الممارسات الخاطئة التي تستهدف المرأة لا تحكمه العادات والتقاليد وحدها، وهو ما لا نتفق فيه مع بعض الأطروحات التي تعتقد بكون مجتمعاتنا العربية تغلب فيها العادة على العبادة- كما يقولون- باعتبارها- أي العادات والتقاليد- قيماً متبدلة على مدى حركة التاريخ الإنساني، لكن العقائد كثوابت دينية لها مدلولات إيمانية غاية في التأثير والأهمية.

ولما كان الإسلام عنصرا محوريا في النسيج الثقافي والروحي للأمة العربية فقد كانت خطورة فهم الدين الصحيح أمانة يؤسس لها العلماء، وعليه فإن التعلق بأذيال الوسطية دون اعتبار لإدراك أصول الشرع وحججه الصحيحة هو تسليم بالعجز وتفريط بالمسؤولية، لأن ذلك يعني أن تتخبط المرأة وحدها بين سطوة تيار الفكر الديني الأصولي ومعمعة العلمانية، وهي غير واعية بأن طوق النجاة من فكي الأخطبوط يكون في إدراكها أن المعركة الحقيقية ليست ضد الرجل وإنما معركتهما معا ضد قيم التخلف والخطاب الاجتماعي التمييزي وضد دعاة الثقافة الأحادية حيث من الظلم إنكار حقيقة دور الرجل في دعم مسيرة المرأة وتقدمها في كل المراحل.

ويقودنا هذا إلى واقع أن الإصلاح المجتمعي الهادف إلى تمكين المرأة من النهوض يتحقق في إطار تضامني من خلال الإعلان عن حركة واسعة وفعالة تنضوي تحتها النساء والرجال المدافعون عن مجتمع الشراكة لتحقيق مرونة في العلاقات الإنسانية ولتكريس مزيد من التعادلية.

ومن هذا المنطلق يمكننا أن نتوصل إلى حقيقة أن المبادئ الإنسانية تفقد الكثير من مصداقيتها إذا كانت تهتم لمصلحة جزء من المجتمع دون غيره، وتصبح تلك المفاهيم حبيسة لقوالبها ما لم تتسع أسسها لتستوعب حقوق ومصالح المجتمع عموما رجالا ونساء، وينطبق ذلك على مضامين حقوق الإنسان (كحق المساواة) التي اجتاحت العالم اليوم وهي بطبيعة الحال تفترض نضالا لا نهائيا لترسيخها بلا شروط لاسيما وأن التاريخ الحديث يستشرف مستقبل انتصار حقوق الإنسان رجالا ونساء باعتبار حق كالمساواة قيمة لصيقة بالإنسان وحتمية في مجرى تطوره.

والحقيقة أن الخطاب الدولي حول حماية حقوق المرأة والنهوض بها ترك تأثيرا واضحا في توجهات الأنظمة والحكومات العربية ومنها الجمهورية اليمنية فأخذت تعيد النظر في بعض سياساتها الثقافية والقانونية حيث ظلت تلك السياسات عهوداً طويلة تتملق قيم التخلف وتداهن الموروثات البالية.

وإن كان هذا الخطاب منحة مجانية من الخارج ممثلا بمساهمات وتوصيات المنظمات الدولية والمؤسسات المعنية بحقوق الإنسان فإنه يبقى التفاتة كريمة من هذا الخارج، وإذا كانت تلك المبادرات قوة دفع حقيقية لإعادة الاعتبار للمرأة مما عانته من الظلم ومن ظروف القهر الاجتماعي ولتمكينها من وسائل وفرص الوعي بحقوقها والتعبير عنها فإنه لايمكن إغفال حقيقة كون هذه الدعوات النشطة للنهوض بالمرأة هي في الأصل جزء لا يتجزأ من استراتيجية دولية وظفت في الفترة الأخيرة كل إمكاناتها لإنجاح مشروع دعم تمكين النساء في كثير من البلدان العربية، ولا يحول ذلك دون الإقرار بتقاطع هذه التوجهات مع مآرب سياسية لقوى دولية مهيمنة على المنطقة فيما أصبح يعرف بمبادرات الإصلاح القادمة من الخارج، وهو أمر واقع لا محالة حتى وإن فسرت نتائجه وفقا لنظرية التآمر.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى