الفوح العاطر

> فضل النقيب:

>
فضل النقيب
فضل النقيب
كتبت الأحد الماضي عن مجموعة «المزن الماطر» للشاعر الشعبي الشيخ عبدالله عمر المطري ، جمع وتقديم د. علي صالح الخلاقي، وقد لامست الحواشي وتهيبت النزول إلى منجم الذهب حيث توجد سبائك الشعر، وكنت في ذلك على مذهب أبي الطيب المتنبي القائل:«ومن قصد البحر استقل السواقيا»، ذلك أن كل الأنهار تصب في البحار نهاية المطاف وإن تفرقت بها السبل. وقد لفتني الذواقة أحمد محمد حسين الضباعي (شوقي) في دراسته المعنونة «ذكريات وانطباعات عن الشاعر الراحل» إلى القصيدة الحائية المرهفة الأحاسيس والصادقة المشاعر والمليئة بالحكمة، وهي من عيون شعر المطري الذي عمل حمالا لدى «البانيان» لأكثر من ثلاثين عاما وهو من هو في قومه وفي مكانته وفي شخصه، ولكنه لم ير في العمل سوى الشرف كل الشرف يتحدث عنه باعتزاز نادر ويفي للبانيان كل الوفاء فلا يطالبه بحقوقه.. لماذا؟ لأن العشرة لا تهون إلا على ... ولأنه أي البانيان كان يلبّيه في كل ما يطلب، وهو لا يطلب سوى القليل، وهل جزاء الإحسان إلا الإحسان، أين من هذا الرجل بعض مشايخ اليوم الذين يأخذون الجمل بما حمل ولا تأخذهم في الناس إلا ولا ذمة حتى أصبحت المشيخة سلعة للتكسب و«الهنجمة» وأصبح أدعياؤها أضعاف أضعاف أصلائها، وعلى حد تعبير الشاعر العراقي على الشرقي:

قومي رؤوس كلهم

أرأيت مزرعة البصل

المطري عبدالله من طينة نفيسة مفارقة تختلف كل الاختلاف:

على الأوجاء نشقي وبنكافح

صيانة للشرف قبل التكلفاح

متى عاد الشرف والوجه بارح

من الأيام بجهدي ياتسماح

وقلبي من كلام الناس كالح

معاد إلا محاكيهم تمدّاح

أي أن معاناة الشقاء (العمل) هي من أجل صيانة الشرف، وما تبقى تفاصيل فالأيام بطبيعتها جائزة والإنسان يداري زمانه (ياتسماح) من طلب السماحة.. وهي من قمم الأخلاق «رحم الله امرءا سمحا إذا باع سمحا إذا اشترى»، ويعلق شوقي على ذلك بالقول: إن شاعرنا مشبع بثقافة التسامح إذا جاز التعبير فلم يعرف عنه إلا دماثة الأخلاق وصفاء السريرة ونبل المقصد. وشوقي هنا يقرأ في الشعر ويقرأ في الرجل الذي صاحبه أربعين عاما دون أن يكدر علاقتهما مكدر. وفي البيت الأخير رأي في بعض ناس زمانه وإن بدا معمما لأن خطفة الشعر مثل جوهرة الثعبان في المرويات تحيط القصيد بسحر القبض على الحقيقة في لحظة قد لا تتكرر لا في الزمان ولا في المكان حيث «زمانك زمانك.. يعرفك بالناس وبالناس تعرف زمانك» وهكذا فإن الشاعر قد عرف زمنه من خلال ناسه وهو ليس راضيا عنهم تماما على حد المتنبي:

أريك الرضا لو أخفت النفس خافيا

وما أنا عن نفسي ولا عنك راضيا

ويواصل في القصيدة- النموذج، حيث لا يسمح المجال للتوغل في صحيفة سيارة تمنحك مجرد «قبصة» من أذن الجمل، فيقول:

تقبلنا التحية والنصائح

كما المصاحب يجي صادق ونصّاح

ضربتوني خطا من غير قارح

ونا غوري بذي حجّر و ذي باح

والغوري هو الغريب الغافل، وياغافل لك الله.. المساحة تحاصرني وسريعا أختم بما حطه محققه د. الخلاقي «إنه شاعر مطبوع بالفطرة لا يصطنع الشعر اصطناعا بل يدفعه إليه هاجسه فتنساب أشعاره بصورة تلقائية برقة الماء وعذوبته» كفيت ووفيت يا دكتور.. وسامحونا.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى