البنية الإيقاعية للشعر في الخطاب النقدي القديم والحديث

> «الأيام» مصطفى غيلان:

> واصل اتحاد الأدباء فرع عدن برنامجه الثقافي للفصل الأول من هذا العام بتنظيم محاضرة يوم الثلاثاء الماضي في قاعة مسرح كلية التربية عن البنية الايقاعية للشعر في الخطاب النقدي الحديث ألقاها د. عبدالكريم أسعد قحطان وقدمها الناقد د. عبدالمطلب أحمد جبر وفي كلمة التقديم التي كانت أقرب إلى مفهوم المداخلة منها إلى التقديم، رحب د. عبدالمطلب بالحضور وبالدكتور عبدالكريم أسعد «في هذه اللحظة التي يقدم فيها موضوعاً من أخصب الموضوعات التي لم يعطها النقد الحديث أهمية بالغة في الدرس والاستظهار»، مثنياً على جهود الاشتغال لدى النقاد «وما أبداه الدكتور أسعد في أطروحة الدكتوراه من جهد أكاديمي حول موضوع الإيقاع في الخطاب النقدي الذي يتجنبه الكثيرون، لأن الموضوع من أكثر الموضوعات تعقيداً وإشكالية بل ومن القضايا العصية حقاً على التحليل والدرس النقدي».

وبعد ذلك تحدث الدكتور عبدالكريم أسعد قحطان موضحاً «أن لهذا الموضوع إشكالات بلغت مستويات من التناول بل والتجريد والتعميم والتنظير أيضاً بحيث يستعصى فهمه أحياناً على صغار المتخصصين في النقد الأدبي لأن فيه المجمل والمشكل، ومبدأ العموم والتخصيص ولهذا لابد من ملامسة بعض هذه الإشكالات لا أقول بحثها بعمق لأن البحث يحتاج إلى زمن كمي ليس هو بزمن هذه الفعالية لأن معالجة الإيقاع تعد مفهوماً إجرائياً وله تطبيقات نحوية وصرفية ودلالية وأسلوبية» وفي تقديره أن ما توصل إليه النقد الحديث بالنسبة لهذا الموضوع «قد تعدى وتجاوز ما أسس له النقد الأدبي القديم في بدئياته في القرن الرابع الهجري وأن عني بالإيقاع وتجاوز دراسة الإطناب والإرداف والإعجاز والصفة الأدبية والمحسنات وترادف الجمل إلى دراسة ظاهرة التكرار والتدوير وحركة السياق العام والأنساق، والانحراف، والانزياح، والتراتب النغمي الهارموني، وكذلك دراسة التناسب والنظام والوحدة ومكونات الإيقاع» معللاً أهمية دراسة التناسب بين الوحدات والجمل وكذلك بين الألفاظ من حيث التماثل النغمي والموسيقي لوحدات النص والتناسبات التي تثبتها المعاني، وتآزر الحروف وتوليفاتها الإنشائية في بناء الجملة والنظام النحوي، وفي تقييمه أن هذا التناسب محقق للإيقاع في البنية الشعرية لا من حيث مخارج الحروف أو تماثلها أو عدم تنافرها، يقصد وحشي اللفظ أو ما كثر ماؤه من ذوق وحسن الاستعمال للفظ والمقصد فهو لا يقصد به البديع والمحسنات البلاغية ولكن وحدة الصنعة والمخرج الإيقاعي ربما للجمل وللحروف في تكاملها في الانتظام العام للقصيدة. وأضاف: «قد اهتم النقد الأدبي الحديث بالدراسة الصوتية للظواهر العروضية ويدرس هذه المخارج والنظام أي السياق العام لنظام الجملة العربية والنظر اليه بنية كلية متكاملة التي تتآزر فيها الألفاظ والمعاني في انسجام وانتظام عام محقق الإيقاع». فالدكتور أسعد لا ينظر إليه إلا من خلال وحدة هذا النظام التكاملي الموحد للجملة النحوية العربية فهو يرى الإيقاع داخلاً في بنية الشعر وفي كل الفنون فهو لا يُدرس فقط من حيث إنه مكون للنص وتقتضي الحاجة له وبحسب المقتضى والواجب دراسته دراسة أسلوبية ودلالية وبلاغية لأن به أحياناً تُدرس الظاهرة النحوية والأسلوبية التي لا تُبحث بعيداً عن الإيقاع ويفهم به بل ويفسر النحوي والدلالي ايضاً والمستوى البلاغي في دالاته وآلاته المجازية والاستعارية وبه ايضاً تفهم طاقة اللغة الخطابية والاتصالية. وكأنه يشير بطرحه إلى أن الاتصال اللغوي الشفوي أول أشكال الاتصال(communication) فهو يشير إلى أن اللغة هي التي تخلق هذه الأشكال، لأن فيها تجريداً بمفهوماتها عن الواقع العياني الملموس لذا وفقاً لأنظمة وأقيسة النحو العربي فإن اللغة بالفعل هي التي تخلق أشكال التعبير على نظام اتساقي موحد بناءً على التقعيد والتأصيل النحوي والنظام الصرفي، والبلاغي.

مؤكداً أن هذا التمايز بين هذه المكونات إجمالاً جعل الإيقاع أكثر قدرة على الفاعلية، وهو ما زال المشكل والوعي به ملتبساً لأن اللبس عند البعض بالنظر إليه من علاقته بالمحسنات البديعية أو بالتراتب التعاقبي النغمي على رغم مجاوزاته لهذه الشكلية كونه يعني صور التجانس والتماثل أو التقابلات المثلية للجرس الصوتي والنبري فهو يثبت بفاعليته على تجانس الصور والجمل في المقطع الشعري وعدم تنافرها وإنشاء جمل لا تكسر قاعدة النحو العربي وله أشكال منها إيقاع الصورة لأنه عندما يبحث كمفهوم فيه مبدأ العموم وفيه التخصيص، أي له إفهام بدلالاته، لهذا يقول الآكد لي عدم التوقف على فهمه عبر الأبنية للنصوص، أو ما يسمى بالموسيقى الداخلية أو بدال وحدة الموضوع بل له مفهومات أخرى هي إطلاقية لمجاوزاته للموسيقى في البنية الايقاعية للنص الشعري وطرح هذا الفهم على هذه الشاكلة تجاوزه حتى النقد التقليدي أما عن أشكاله، تفرد إلى إيقاع الصور، الايقاع النغمي وايقاع الجسد والحياة فلا يفهم الا من وحدة الانتظام والتناسب، وهذا الناظم الموحد لا ينفي التمايز بين المكونات مما يشحن القصيدة بطاقة موسيقية مذهلة يجعلها أكثر قدرة على الفاعلية والتحريك، فهو لا يرى الإيقاع صورا للتجانس البديعي ولا للمحسنات اللفظية والمعنوية وبناء النص عنده لا يكون ذا قوة وحيوية وحركة إلا بقوة الانسجام بين هذه المتكونات، بناءً على قانون الإيقاع المتمثل في التناسب ونظام الوحدة الإيقاعية وبقوانين الفنون وقانون الشعر العربي، وقانون التمايز والتكرار والانسجام فالتمايز يفهمه بقدرته -أي الايقاع -على تحقيق انتظامية الموسيقى لوجود روابط نغمية انتقالية تتالى تتالى وتمد لتواصل وتواصل، إدغام الجمل في ترتبية ونسق لكن باشتراط التمايز النغمي المقطعي في سياق تكاملي في تكافؤ وتوازي وتساوي الجمل والعبارة والمقتطفات أحياناً وكثيراً ما يُجانس بين المختلف أو المتقابلات الضدية فيحدث نوع من التدوير الموسيقي الذي علله بقانون التكرار.

ثم واصل حديثه عن مكونات الشعر ومنها الإيقاع «هذا المكون الذي لا يتولد تراكمياً إلا بالنسبة لتفاعيل بحور الشعر أو بعدد كمي لمجزوءاته فلو دُرس كماً وعدداً فإن هذه الدراسة غير آكد القطع بصحتها إلا بقدر معقول وممكن لا أحد منكر أن تفاعيل بحر الطويل تلائم غرض الحماسة وأغراض الرمل والمتقارب تدرس من حيث التفاعيل وملاءمتها لأغراض الشعر ليس فقط دراسة العلل، وأمراض واعتلال البيت أو الزحاف والقوافي والروي.. الخ» وهو يلمح إلى أثر العلل في الثقل والإيقاعي لأن بها تعتل الجملة، أي تكون معلولة نحوياً وإيقاعياً كما تتأثر بالحروف الصوامت والمتحركة وبالفواصل وعلامات الترقيم، وفي كلامه إحالة إلى إدراك هذا المكون الأساسي وهو مفهوم إطلاقي غير متعين ويمكن أن يحمل حكمه على الضوء مثلاً فنقول إيقاع الضوء وإيقاع الحياة وإيقاع النص. بالتناسب والوحدة والاختلاف، يوائم بين النظام والقدرة الاتصالية ويوضح أنها مكون شعري لأن الشعر كان يقال مشافهة، وإن قوانين الإيقاع هي التي تولف الانسجام بين الجمل، وتمكن من القدرة الاتصالية للشعر، لأنه كان يقال مشافهة للسماع لا للقراءة لذا وجب على الشاعر قدرة على توليد المعاني، والألفاظ ويكون لشعره طاقة تحريكية توليدية أحياناً للأفعال، وإن خفي المعنى ومدلوله كما يسمى وفهمت بإشارات أو مفهوم النص، أو أحياناً بمفهوم المخالفة، من سياق كلامه.

أما المكون الثاني الذي عده عددا فهو المكون البصري للايقاع لما يجسده من حضور مكثف للواقع بشواهده المادية وشواغله البصرية ومشهدياته فهو لا يعتمد إلا على البلاغة وعروض الشعر وعلى انتظام البصريات باعتباره مكوناً من تكويناته لا على المباشرة والتقرير في الوصف والعبارة أو في استخدام أدوات أو تقنيات البلاغة والنحو بل بالذهنيات والتجريد، واحياناً بالتعقيد في المبنى والمعنى والمفهوم، وقد يكون النص مغلقاً وعصيا فهمه ومغلقاً بحاجة كما استوعبت من كلامه، إلى استراتيجية فهم النص، وإلا لكان لغير المؤهل لقراءاته إلا الاستغلاق وعدم تجاوزه عتبة النص المحكم عليه أبوابه بمغاليقه.

واستطرد: في العصر العباسي ظهرت مستويات لقراءات متأولة لاستجلاء البنية الإيقاعية وكان للمدرسة التقليدية في النقد والبلاغة العربية دور في هذا المجال وكان يُدرس جزء من التجنس الأدبي، إلى جانب دراسة البديع، والمجاز.. الخ وقد قعدوا وأصلوا مذهبهم النقدي، فيرون في التماثل البلاغي لدى الشعراء تجانسا أو جزءًا من التجانس وقد يكون الجناس بصريا فيهدر البناء الصوتي وبالتمايز يحدث مكون صوتي آخر، دلل الدكتور بأن التجانس البصري يحدث إيقاعا أو هو محدث إيقاعي وبه تتحقق إيقاعية واحدة للعمود في حدود ما أحدثه هذا المكون البصري، لأن الدكتور قال بإيقاع الصورة فحكم بهذا الحكم النقدي فهو قابل للمناقشة. يتبع

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى