مع الأيــام .. مشاريع عز الطلب

> جلال عبده محسن:

>
جلال عبده محسن
جلال عبده محسن
عندما عزمت الحكومة الفرنسية عام 1889م على إقامة معرض دولي بمناسبة مرور مائة عام على قيام الثورة الفرنسية، فكرت في ابتكار عمل عظيم يبهر الجماهير تخليداً لهذه المناسبة.

فعهدت إلى المهندس (غوستاف إيفل) بأن يتخيل صرحاً (بعد أن طلبت إلى سواه) يليق بعظمة الحدث ويأسر الألباب، انتهى به الخيال إلى إقامة برج حديدي ارتفاعه ثلاثمائة متر بموجب عقد وقعته الحكومة معه التزمت من خلاله تقديم معونة قدرها مليون وخمسمائة ألف فرنك على أن يكون العمل خلال 26 شهراً يتزامن مع افتتاح المعرض، الذي كان مقرراً في السادس من مايو 1889م.

وفي بداية العمل سخر منه الساخرون وشكك فيه المشككون وأثيرت زوبعة من الجدل واليأس والمد والجزر، إلا أن تلك الزوبعة تحولت أمام الإصرار والتحدي والإرادة القوية لهذا الطموح الكبير إلى دهشة وإعجاب فقد استطاع هذا المهندس في النهاية أن يكسب الرهان بالفعل عندما صعد درجات سلم البرج التي تبلغ (1710) درجات، عشرون من الشجعان، ليرفع (إيفل) علماً طوله 7,5 متر وعرضه 4,5 متر على قمة البرج، أطلقت معها المدافع إحدى وعشرين طلقة .

وقد غطى البرج تكاليف نفقاته البالغة سبعة ملايين ونصف المليون فرنك تقريباً مند السنة الأولى لافتتاحه، عندما زاره مليونا شخص محققاً أرباحاً بلغت ستة ملايين ونصف المليون فرنك .

وأنا أتأمل في قصة بناء هذا البرج، الذي يعد اليوم أحد معالم الدولة الفرنسية البارزة، لفت نظري عامل الزمن لمشروع عملاق كهذا، وفيما لو وقع الاختيارعلى أحد المقاولين المستهترين وتعرض المشروع للنصب والاحتيال كالذي تتعرض له اليوم مشاريع المناقصات والمزايدات ولا تحرك السلطة ساكنا إزاء ذلك، لكن الأمر حتماً مختلف مع الحكومة الفرنسية حينها عندما عهدت المشروع لأهل الخبرة والثقة من دون شك وهو ما تجسد في نجاح المشروع بتلك الروعة والجمال.

تذكرت ذلك مع فكرة إقامة مشاريع تنموية خدمة لأغراض احتفالية كالتالي تقام بمناسبة عيد الوحدة من كل عام، فإذا كنا نشكو التجاوزات والمخالفات وفساد معظم المشاريع من قبل اللجنة العليا للمناقصات والمزايدات عند تنفيدها في الأحوال الاعتيادية، فما بالكم بتلك المشاريع التي يغلب عليها الاستعجال والارتجالية في أغلبها وتحت رحمة عامل الوقت وفي ظروف استثنائية لأغراض احتفالية قد نهتم بمظهرها الجمالي الخارجي أمام الضيوف أكثر من الاهتمام بمواصفاتها الفنية المطلوبة.

وهو الأمر الذي قد يستغله بعض الفاسدين وما أكثرهم، فيجدونها مشاريع عز الطلب نقدمها لهم وتحت غطاء ومظلة اللجنة العليا للاحتفالات، تهدر معها مليارات الريالات .

إن إقامة المشاريع التنموية مهما كانت، لا يجب أن تتم إلا وفقاً لخطط وأهداف تقرها السياسات الاقتصادية والتنموية العامة للدولة لا عبر لجنة للاحتفالات .

كما أن المهرجانات الاستعراضية الشبابية لطلاب المدارس والتي عادة ما تصاحبها هي الأخرى فعاليات تقليدية تستنزف الكثير من الجهد والمال، علاوة على كونها تجري في أوقات غير مناسبة لأبنائنا وبناتنا الطلاب وعلى حساب دراستهم تنتهي بانتهاء يوم الاحتفال لتبقى مؤثرة في تحصيلهم العلمي مستقبلا .

إن الاحتفالات ينبغي أن تتجلى من خلال الشعور بالفرحة وعظمة المناسبة بما أضفت بها من عوامل للخير والرفاهية لأبنائها، انعكست على مستوى حياتهم ومعيشتهم المادية والروحية، لا على فرحة بما نضفي عليها من المظاهر والزينات.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى