أتكون استراتيجية تنموية دون رؤية ثقافية؟!

> «الأيام» صالح حسين الفردي:

> شهدت القاعة الصغرى بجامعة حضرموت للعلوم والتكنولوجيا للفترة من (18-20 ديسمبر 2006م) ورشة عمل تم فيها استعراض وثائق اللقاء التشاوري الموسع للقطاعات الإنتاجية في حضرموت، في إطار إعداد استراتيجية النمو والتخفيف من الفقر لمحافظة حضرموت، وهي مجموعة من الأوراق والرؤى والتصورات لدراسة وإقرار الكائن، انطلاقاً لما يجب أن يكون في سنوات الاستراتيجية المنتهية عام 2015م، وقد أعد هذه البحوث والدراسات ثلة من الأكاديميين والخبراء الاقتصاديين ومديري العموم لمكاتب الوزارات تحت إشراف مكتب وزارة التخطيط والتعاون الدولي والسلطة المحلية بالمحافظة، بالتعاون مع المؤسسة الألمانية للتعاون الفني (G.T.Z) بالتنسيق مع غرفة تجارة وصناعة حضرموت وجامعة حضرموت.

ومن النظرة الأولى نقف عند هذه الجهات الداعمة والمتبنية والمشرفة، مكتب وزارة تخطيط وتعاون دولي، سلطة محلية، جامعة حضرموت، غرفة صناعة وتجارة، مؤسسة ألمانية دولية داعمة لهذه الاستراتيجية التنموية، إضافة إلى هذه الكواكب العلمية والأكاديمية، التي قدمت مجموعة من الأوراق البحثية في قطاعات التنمية المختلفة، ضمتها دفتا كتاب صدر أثناء ورشة العمل النقاشية، ومفارقات جو الورشة وحواراتها التي لا ترتقي إلى مناقشة وضع استراتيجية تنموية بحجم حضرموت، إلا أن ما يعنينا هو الرؤية الثقافية التي لامست مفاصل كل هذه المحاور التي وضعت الأسس الصحيحة لتنمية كل القطاعات الإنتاجية- ثروة الوطن- وحاملة لموازنات الحكومات المتعاقبة، وهي قطاعات معدنية وسمكية وبترولية واستثمارية وسياحية في حضرموت الخير والعطاء، ذلك أن أي رؤية تنموية لا تنطلق من فلسفة حياتية تحمي كل هذه الثروات الحياتية، وتحدد قيمتها ومكانتها في المنظومة الحياتية للوطن والمواطن، لن يكتب لها النجاح، فكل خطط التطور والنماء التي انطلقت منها وبها الشعوب وبلغت أوج المجد الحضاري كانت تقف على قاعدة ثقافية عميقة، وما الثورة الثقافية الماوية بالصين ببعيدة عهد، وما أحدثته من نهوض تنموي في بلد المليار وربع، وما فلسفة رئيس الوزراء الماليزي السابق مهاتير محمد بخافية على أحد، وقد كان المواطن الماليزي يقتات على موائد دول الخليج العربي، قبل أن ينهض هذا المفكر والمخطط الاستراتيجي ذو الأصول الحضرمية بوضع فلسفته التنموية الإنسانية قبل أن يقفز إلى وضع خطط وخطوط دخانية تتلاشى عند أول ريح تهب.

وعود على بدء فقد بخلت هذه الرؤية التنموية حتى بوضع شعار حضاري لها عند معالجتها وفك رموزها وشفراتها البحثية والرقمية، كما أن النمو الثقافي المنشود والذي يجب أن يرافق التنمية في سنواتها القادمة، وتفعيلاً للنوم العميق الذي يتغشى المشهد الثقافي بحضرموت، وكأننا نعيش زمن الثراء والتنوع والبنى التحتية المنتشرة في كل أرجاء حضرموت، ولم نعد بحاجة إلى المزيد، ومن الغريب العجيب أن نجد الإشارة الوحيدة للمحور الثقافي قد جاءت في كلمات معدودة بورقة لجنة قطاع السياحة بساحل حضرموت بعنوان (التوجهات الاستراتيجية اللازمة لتحفيز النمو في قطاع السياحة) والإشارة جاءت في عنوان فرعي (الموروث الشعبي والثقافي) وهي، نصاً: «تمتلك حضرموت أنواعا وألوانا فلكلورية عديدة كالغناء الحضرمي والعديد من الرقصات الشعبية المتنوعة كالعدة والشبواني وغيرها من ألوان الفن والإبداع الذي جعلها نقطة جذب باستمرار لكشف ذلك المخزون غير الناضب من قدراتها الثقافية والتي تشكل بدون شك عاملا رئيسيا وهاما في جذب وتحفيز النمو السياحي»(ص217)، وهنا أقف قليلاً وعبارة (المخزون غير الناضب من قدارتها الثقافية...إلخ) وهي حقيقة حضارية، وخصيصة كان يجب أن يتفياها المسؤولون عن المشهد الثقافي، للتأكيد عليها وجعلها محركا أساسا في الاستراتيجية التنموية المنشودة، فالشعوب هي محور التنمية، والأوطان غايتها المنشودة والتعمير البنائي للفرد يجب أن يسبق الأمكنة والأرصفة والموانئ والطرقات والكباري، فكل تنمية لا تأخذ بالاعتبار خصوصية المكان، ولا تعمق هويته في مفهومها الشامل، دون مواربة أو تلفيق أو شطط، ليست بذات قيمة حقيقية، ولا تؤسس إلا لثقافة (التهليب، والتهبيش، والفساد، والإفساد) السائدة اليوم، فكم من دولة بنت مجدها التنموي الحضاري على الموروث الثقافي، واستغلته في توفير مناخات الجذب السياحي، والتواصل الإنساني مع كل شعوب المعمورة، وتجربة (مصر، وتونس، والمغرب) خير دليل على كيفية بناء الأوطان من خلال العمق الثقافي الذي يراه واضعو استرتيجيتنا التنموية في حضرموت بذخا وترفا لسنا في حاجة إليه، وبالتالي لا يستحق منهم وقفة ولو لدقائق، فكيف لنا أن نصدق قوماً لا يعرفون إلا لغة الماديات، ثم كيف لنا أن نطمئن إلى استراتيجية تنزع عنا الغطاء الحضاري والتنويري الكبير الذي كناه؟! وكفى!

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى