قصة الإرهاب

> حسن بن حسينون:

> من الإصدارات الأخيرة عن مركز عبادي للدراسات والنشر (قصة إرهابي) لمؤلفها الهاوي المبدع حسين حسن بن عبيدالله، وهي عبارة عن رواية مذهلة، كتب المقدمة لها الأستاذ القدير الشاعر الدكتور عبدالعزيز المقالح الذي أشاد بها وبمؤلفها حسين بن عبيدالله. ومن يستطيع أن يقدم أو يضيف أكثر مما أضافه د. المقالح، وإذا كان لابد من التعليق عليها ولو بالقليل أو باليسر اليسير فاسمحوا لي بتأجيل ذلك بعضا من الوقت حتى أعطي في البداية لمحة موجزة عن شخصية كاتب قصة أو رواية (قصة إرهابي) حسين بن حسن، خاصة أنه صديق عزيز جمعتنا معا مهنة واحدة وعلى أرض واحدة لسنوات طويلة.

كاتب الرواية ينتمي إلى أحد بيوت السادة العريقة من آل السقاف التي سكنت حضرموت الوادي وتحديدا مدينة سيئون عاصمة السلطنة الكثيرية قبل استقلال الجنوب والوحدة بين الشمال والجنوب ومن عائلة مثقفة ومتعددة المواهب، فهو حفيد العلامة والمؤرخ الكبير مفتي حضرموت والجزيرة العربية عبدالرحمن بن عبيدالله بن محسن السقاف (1882-1956م) الذي تجاوزت شهرته حدود الجزيرة العربية والوطن العربي وله علاقات حميمة مع الإمام يحيى محمد حميد الدين تطورت مع زياراته المتكررة للأراضي المقدسة لأداء فريضة الحج ومناسك العمرة، وما الكتب التي ألفها الفقيه العالم عبدالرحمن بن عبيد الله بعنوان (إماميات) .

إلا دليل واضح على عمق الصداقة والعلاقة المتينة التي تربطه بالإمام يحيى، مع العلم أن بن عبيد الله كان الداعي الحضرمي الأول الذي طالب بالوحدة بين اليمن وحضرموت وقد دفع ثمن دعوته تلك غاليا فكانت عقوبته التي أقدمت عليها السلطنة والمستشار البريطاني البقاء الإجباري في مدينة سيئون وعدم مغادرتها، ليس هذا فحسب وإنما خضع لمراقبة شديدة لكل تحركاته.

وبالإضافة إلى كتاب (إماميات) كانت له العديد من الخطب والمراسلات والفتاوى والكتب الأخرى التي من أهمها ديوان ضخم يتحدث بلغة القرآن، مجمل أشعاره يمتدح بها نبي الرحمة وأصحابه وأهل بيته، يصعب فهمها والإلمام بها إلا ممن يحفط القرآن عن ظهر قلب، فهي كما ذكرت آنفا تتكلم بلغة القرآن.

وقد قام بتجميعها وتنقيحها وترتيبها ومن ثم طبعها في ديوان واحد ضخم يضم في الوقت نفسه كتيب (إماميات) ابنه حسن بن عبدالرحمن بن عبيدالله عضو مجلس الشعب ومجلس النواب قبل وبعد قيام الوحدة وهو والد مؤلف رواية أو قصة (الإرهابي).

كما صدر مؤلف ضخ من جزئين بعنوان (معجم بلدان حضرموت) والآخر (إدام القوت في ذكر بلدان حضرموت) وهو يشمل مسحا كاملا لجغرافية حضرموت والمكونات الاجتماعية فيها بين بدو وحضر والتركيب الاجتماعي للفئات والشرائح الاجتماعية الأخرى وقد انتهى واستكمل ذلك المؤلف بعد زيارة ميدانية إلى جميع مناطق حضرموت سيرا على الأقدام، وهذا ما أكسب المعجم شهرة عظيمة لأنه اعتمد على نفسه في الحصول على المعلومات من أفواه الناس عكس كتاب (الإكليل) لأبي الحسن الهمداني الذي رغم أهميته التاريخية العظيمة شمل بعض الأخطاء خاصة المواقع وأسماء المناطق في حضرموت ومناطق الجنوب الأخرى.

وعندما قام المؤرخ العظيم محمد عبدالقادر بامطرف بتصحيح تلك الأخطاء وتوضيحها قامت الدنيا ولم تقعد مع الأسف عند بعض المثقفين والمؤرخين في صنعاء وشنوا حملات إعلامية مسيئة لبامطرف وكأن كتاب( الإكليل) كتاب منزل ومقدس، وقد جاء تصحيح بامطرف للأخطاء الواردة في (الإكليل) في مجلة (الحكمة) التي كانت تصدر في عدن قبل الوحدة، ومن الطبيعي أن كل إنسان وكل كاتب ومؤرخ معرض للخطأ، ومن بين من أخطأوا وزادت أخطاؤهم كثيرا المؤرخ المقحفي في مجلده (معجم البلدان وقبائل اليمن) سواء أكان الخطأ في أسماء الأفراد أم المناطق، فعلى سبيل المثال ما كتبه عني شخصيا.

خلف العلامة بن عبيد الله عددا من البنين والبنات أذكر منهم بالإضافة إلى حسن بن عبدالرحمن بن عبيدالله والد مؤلف (قصة إرهابي)، أخاه جديد بن عبدالرحمن بن عبيدالله، وبالمناسبة فهذا هو أستاذي وأول من علمني الكتابة والقراءة عندما كنت تلميذا في مدرسة أولاد البادية الابتدائية التابعة لجيش البادية الحضرمي الذي يقع تحت مسئولية المستشارية البريطانية في مدينة المكلا لمدة أربع سنوات، وبالمناسبة أيضا إذا كانت القاعدة والتقاليد المتفق والمتعارف عليها أن يكون زواج السادة في الغالب لا يخرج عن إطار البيت والأهل والعائلة الواحدة فإن جديد بن عبدالرحمن قد خرق تلك القاعدة واقترن بزوجته من قبيلة (الجوهيين) إحدى قبائل سييبان.

ومثلما رزق أخوه حسن بالعديد من البنين والبنات فهو كذلك، أما وجه الشبه بين أحفاد عبدالرحمن بن عبيدالله فهو الذكاء الفطري وتعدد المواهب لديهم جميعا، وهذه عطية إلهية يختص بها العلي القدير سبحانه وتعالى من يشاء من عباده، سوف نتطرق إلى أحد الأمثلة عندما نصل إلى (قصة إرهابي) وكاتبها، مع إنني شخصيا أعرف الآباء وأغلب الأبناء عن قرب، وأبدأ هنا بكاتب أو مؤلف رواية (قصة إرهابي).


حسين حسن بن عبيدالله
وكما ذكرت سابقا فإن مدينة سيئون هي عاصمة السلطنة الكثيرية والتقسيم الإداري التابع للسلطنة بالإضافة إلى سيئون هناك تريم، ساه، وغيل بن يمين، والسوم، وقسم والغرف وثاربة، والسويري وعينات وغير ذلك، في الأغلب يوجد في كل من هذه المناطق قوة أمنية لحفظ الأمن ومدرسة ومستوصف أو مركز صحي تابع للسلطنة وقد عمل الأخ والصديق العزيز حسين بن حسن في أول مستوصف طبي في منطقة غيل بن يمين التي أنتمي إليها بعد تخرجه في المعهد الصحي في مدينة المكلا بعد الاستقلال وهي منطقة ريفية تشتهر بزراعة النخيل وتربية الماشية وهي تجمع مركزي لقبائل الحموم ومقدمها بن حبريش وقد ظلت في عداء متواصل مع السلطنات وضد النفوذ البريطاني حتى عشية استقلال الجنوب 1967م.

كان حسين المساعد الطبي صغيرا عندما عين ممرضا في غيل بن يمين الريفية القبلية وهو ابن المدينة، كيف قبل بذلك وقبل به والده، كيف سكن وعاش وحيدا داخل المركز الطبي، ما هي الصعوبات والفجائع التي تعرض لها داخل المستوصف أو أثناء تنقلاته بين السهول والجبال والوديان لمتابعة علاج مرضاه الذين يبعدون كثيرا، مع العلم أن الوسائل الوحيدة في تنقلاته تلك كانت الحمير والجمال أو سيرا على الأقدام مخاطرا بحياته وسط الهوام والثعابين والحيوانات المفترسة، وأخيرا كيف تكيف مع تلك البيئة البدوية القاسية؟

حقيقة أنا شخصيا لم أصل إلى تفسير لتلك الأسئلة المحيرة ومع أنه قد ذكر البعض منها على شكل ملاحظات عابرة دونها في مذكراته الشخصية التي لم تكتمل كما أعتقد، وقد اطلعت على البعض منها.

أما الغريب والأغرب من كل ذلك فقد كان حب الناس له إلى حد يعجز الإنسان عن إيجاد تفسير له، لا يستطيعون التخلي عنه أو القبول ببديل عنه وكلما انتهت الفترة الزمنية المقررة للعمل في منطقة غيل بن يمين عندها يتجمع مواطنوها ويطالبون السلطات بإصرار بتمديد الفترة من جديد وهكذا توالت الفترة حتى أصبح معبودا لهم لا يستطيعون أن يفارقوه، لقد أحبه الناس وبادلهم هو بحب أكبر وأعتقد أن الطبيعة الإنسانية للمهنة التي يقوم بها وحبه للناس هي التي عكست نفسها على كل كلمة من كلمات (قصة إرهابي) التي بدأها بكلمات الإهداء المؤثرة التي قال فيها:«إلى كل متدين يأخذ دينه لصناعة الفضيلة وينأى عن الرذيلة وعن إيذاء الآخر، إلى الذين يطوعهم دينهم لصناعة المعروف ولا يطوعون دينهم لصناعة الشر، إلى الذين يؤمنون بأن الله واسع عليم أوسع من أن يختزل في فكرة إرهابية ضيقة يحرق بها خلق الله الذين استخلفهم على الأرض».

فإلى (قصة إرهابي) وكاتبها الإنسان المبدع حسين حسن بن عبيدالله فكلماتها تعبر أصدق تعبيرعن فكره، عن أخلاقه، عن حبه للناس الذين استخلفهم الله على أرضه، عن إيمانه العميق الذي لا يتزعزع.

وبهذه الكلمات التي أختصر بها تعليقي على محتويات (قصة إرهابي) أقولها صراحة بأنني أكتفي بما جاء في التقديم للشاعر أ.د. عبدالعزيز المقالح أطال الله في عمره لأنها قد شملت كل ما كنت أنوي قوله كما أعتقد.

أما عن بقية هوايات وإبداعات العزيز والصديق حسين فهي عبارة عن هوايات شخصية ثانوية .

إلا أنها مع المثابرة والزمن قد أصبحت أساسية مثل الكتابة والرسم، وفي رواية (قصة إرهابي) الشيء الكثير الذي يشبع اهتمامات وفضول المهتمين وهواة كل جميل والخاص بالأسلوب الأدبي المترابط والسرد الجذاب لوقائع وتطور أحداث الرواية كلمة كلمة والعبارات والفقرات التي كبلت القارئ المتابع دون أن يتحرك قيد أنملة وكله شعور بالحزن والأسى تجاه ما يرتكبه الإرهابي من قتل وتعذيب ومن مذابح ومجازر جماعية ضحاياها من الأبرياء رجالا وشبابا شيوخا ونساء وأطفالا في عمر الزهور لا ذنب لهم إلا أنهم عراقيون وجدوا أنفسهم في ظل الاحتلال يقتلون بعضهم بعضا لأسباب أوجدها واختلقها المحتلون وأعوانهم وأنصارهم من الأعراب الذين ذكرهم القرآن الكريم بأنهم أكثر كفرا ونفاقا، وكذلك حليفهم الكيان الصهيوني الذي يقدسونه على الأرض قبل تقديس المسيح عليه السلام، فتلك المآسي والجرائم التي ارتكبها المحتل وأعوانه بحق العراقيين ومازالوا هي النقيض لما هو جميل في الرواية التي جعلت الروائي وكاتب (قصة إرهابي) يصب نار غضبه على الإرهابي بطل الرواية التي قدم لها د. عبدالعزيز المقالح قائلا:

«إنها ترسم صورة واقعية تحليلية لما يجري في العراق الشقيق من اقتتال طائفي في الظاهر خارجي في حقيقة الأمر ولا علاقة له بأي طرف مذهبي أو عرقي وإنما هو عمل جماعات صهيونية مدربة بعناية وبمستوى عال تقوم بالقتل اليومي بدم بارد وتمارس تدمير المساجد وقتل الأبرياء وتخريب كل ما تطاله من أماكن مقدسة لإشعال نار الحقد بين أبناء الوطن الواحد والدين الواحد...».

إن رواية (قصة إرهابي) جديرة بالقراءة والاقتناء ولقد وفق كاتبها في إخراجها إلى حيز الوجود لتضاف إلى المكتبة العربية.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى