> «الأيام» مبارك سالمين:

عنوان هذه السطور مقطع من قصيدة لشاعر تونسي يحب البلاد كما لا يحب البلاد أحد، وقد تذكرته وأنا أشرع في قراءة ديوان (حالات) للشاعر عبداللاه الضباعي الذي يقول في مطلع قصيدته الأولى:

أحب بلادي اليمن

واعشقها رغم كل المحن

وتوافقا مع هذا الشعور وجدت أيضا أن شاعرنا قد ضمن قصيدته مقطعا من قصيدة إرادة الشعوب لصوت تونس الشعري الأول أبي القاسم الشابي (فلابد لليل أن ينجلي) ويبدو أن الشعراء العاشقين لأوطانهم يقعون - حتى دون أن يقصدوا ذلك- على نفس المفردات والأجواء اللغوية، فلغة حب الوطن واحدة في جميع أنحاء المعمورة.

يتميز ديوان (حالات) للشاعر الضباعي بسهولة اللغة وبالقدرة العالية على التوثيق لحركة المجتمع وهمومه ومصائبه وجريان معيشه اليومي كما يتميز بالسخرية المرة من ظواهر الواقع السيئة التي تنتصب كمعوقات لتحديثه وتطوره:

من يافع اعلنها ومن حجة ومن صنعاء ومن عدن

من حضرموت الخير والبيضاء ومن كل اللكام

ضد اختطاف الضيف والسائح والارهاب العفن

أرض اليمن أرض الحضارة والتعايش والسلام

وللأمانة أهل أبناء السعيدة تؤتمن

والضيف لو هو خصم يحطوه في أعلى مقام

وهو الأمر الذي يؤكد أن الشعر العامي يقوم بوظيفة مركبة جمالية وكفاحية وتنويرية في ذات الوقت يعرفها المتابعون لهذا النوع من الإبداع عبر التاريخ، والشواهد في هذا المضمار كثيرة حيث ما تزال حتى الآن قصائد باحسن وحداد والخالدي والمحضار ومسرور مبروك وصالح نصيب وأحمد بومهدي والمفلحي وغيرهم من الأسماء اللامعة في سماء الشعر العامي- اصطلاحا الشعري وسنكتفي منها بتقديم ما يلي:

1- الكثير من الانزياحات اللغوية التي تدل على قدرة هائلة في ميدان تغيير الدلالات المباشرة للألفاظ وتسخيرها بألق شديد للفن والجمال:

توصفها بحور الحدق

عنها قلت ناعم رقيق

آية قلت ما شي خلق

ربي بالجمال الخليق

حسنا مثل نور الشرق

فاتن بالقوام الرشيق

أو زهر الربيع لوفتق

والورد الندي الأنيق

أو في قصيدته (مقياس):

وحكمة الرأي تأتي من حكيم الناس

وبعضهم خبت صحراء جمجمة رأسه

فوصف الرأس بأنه (خبت) ثم تأكيد الوصف بكلمة (صحراء) حققت انزياحا عن المألوف لصالح الصورة الشعرية، (فالرأس خبت، وصحراء) تعبير استعاري في منتهى الجمال عن خلوه من الحكمة ومما ينفع الناس.

2- الاستفادة من الثقافة السياسية والعلمية وتوظيفها جماليا بمنتهى الرشاقة والقدرة على التصرف بعيدا عن رصانة النثر، قريبا من مغامرة الشعر بامتياز. لقد قدم الضباعي في مجموعته (حالات) قصائد جميلة مشاكسة باستمرار وعملية على الدوام. كان يعبر عن الإنسان في أكثر شؤونه خطورة وأشدها بساطة.

انظر الإسقاط الواعي لنظرية تشارلز داروين، نظرية علم الأحياء، على ما يحدث في المجتمع:

صابني منها الذهول

وأنا اقرأ واطلع

لم أصدق ما يقول

حينها لم أقتنع

إلى أن يصل إلى:

ومضت عدت سنين

وإذا عيني تقع

شاهدت فعلا قطيع

صابني منه فزع

نظرية داروين

واقعة في المجتمع

هذه السطور لا تدعي لنفسها علاقة بالنقد أو القراءة الجادة لمتن الشاعر الضباعي وهي لا تتجاوز التحية لما أنجزه الشاعر وتتمنى له المزيد من التألق والإبداع ولا نملك في الأخير إلا أن نقول له كما قال الشاعر:

قطف الرجال القول قبل نباته

وقطفت أنت القول لما نوّرا