رعاية الموهوبين

> د. سمير عبدالرحمن شميري:

>
د. سمير عبدالرحمن شميري
د. سمير عبدالرحمن شميري
عدم الاعتراف بالموهوبين والمتفوقين أمر جليل الخطر على المجتمع والمتميز، حيث يترك ذلك بصمة من الركود والجمود والتخشب في الفضاء العام ويكبح جماح التطور والنماء المجتمعي.

فيتعرض المبدعون- كما يقول الدكتور عبدالستار إبراهيم- «للمرض والإجهاد البدني والأرق والاضطراب النفسي.. ومنهم من قد يتغير أسلوب حياته فيلجأ لتعاطي الخمور أو العقاقير الطبية أو العقاقير الترفيهية أو التدخين أو الممارسات الجنسية غير السليمة».

فعالم النفس فرويد الذي اكتوى بنيران الإهمال ومر بسلسلة طويلة من التجاهل والاضطرابات والتوترات النفسية والعقلية وعانى من مضض روحي قاتم ولعق بلسانه المرارات القاسية عندما لم تعترف به الحكومة ولا الجامعات ولا المؤسسات الطبية والأكاديمية وتجاهلته عنوة فذاع صيته خارج النمسا وتوافد الناس للاستشفاء على يديه، وأصبح علما من أعلام الطب النفسي وذاعت شهرته في المعمورة، فتنبهت المؤسسات الرسمية في بلاده لشهرته وعظمته، وطار فرحا عندما تحصل على خطاب من إدارة الضرائب تحثه على تقديم كشوفات بدخله السنوي لفرض الضرائب عليه، فكان ذلك أول اعتراف رسمي من قبل الحكومة به كطبيب.

فالموهبة تحتاج لرعاية وهذا ما قام به الشاعر أحمد شوقي عندما رعى موهبة الفنان الكبير محمد عبدالوهاب، والشاعر لطفي جعفر أمان قدم الرعاية الطيبة لفصيل مهم من المبدعين في مجال الشعر والغناء، وشجع الناشئة من تلامذته على كتابة الشعر مثل: جميل يوسف، محمد عمر بلجون، فضل عبدالله بدوي، خالد حسين صوري، والموسيقار يحيى مكي شجع المواهب الفنية في سماء الطرب وأسس (فرقة مدرسة بازرعة الموسيقية) وقد سبقه في هذا المضمار الفنان خليل محمد خليل في تأسيس (ندوة الموسيقى العدنية - 1949م)، ثم ظهرت بعد ذلك (الرابطة الموسيقية العدنية - 1951م)، و(فرقة أحمد قاسم التجديدية- 1959م)، و(الفرقة الموسيقية الحديثة - 1961م)، ومن ثم (فرقة الأنامل الذهبية). فثمة مبدعون في الساحة الفنية يهمسون نغما ويسكبون أحاسيسهم الرقيقة بسخاء في الوجدان، فتزهر البسمات، ويمسحون الآهات الأنثوية والذكورية الأليمة عن وجوه المكلومين وأفئدتهم.

فالفنان الأصيل يرويك بأحاسيسه ومشاعره الخصبة، ويحلق بك في سماء طروبة ويدلف إلى الوجدان دون استئذان، فلا يطلب منك شيئا، فالنقود والهدايا والهبات ليست على رأس مقاصده، ولا يريد منك إلا أن تكون لبيبا وعلى قدر من الذكاء العاطفي، وصاحب أذن موسيقية، يريدك أن تتخلص من السماجة والتبلد الحسي ليأخذك إلى الطرب ورنينه الأنيق ويجعلك تقطن دون تكلف في محراب الفن.

ومن رحم جامعة عدن ولد فنان موهوب اسمه نجوان شريف ناجي (ابن الفنان المرحوم شريف ناجي) الذي تحصل على المرتبة الأولى في مسابقة غنائية نظمتها جامعة عدن، والفضل موصول للفنان الأنيق والمبدع عصام خليدي الذي اكتشف هذه الموهبة الفنية وأخذ بيدها إلى النور. فصوت الموهوب نجوان شريف عذب ورقيق يصدح في الآفاق وهو بحاجة ماسة لدعم مادي وأدبي ووجداني، بحاجة لأن تفتح له التلفزات والقنوات الفضائية، بحاجة لأن تحتضنه وتقوي همزة الوصل بينه وبين الجمهور.

فالكثير من فنانينا لا نسمع أصواتهم، ولا تكتحل أعيننا برؤيتهم في التلفزات إلا فيما ندر، فهناك مدن عربية احتضنت مطربينا بزخات مطرية مبدعة، وأمطرتهم بوابل من الدفء والحنان في المحافل الغنائية الشهيرة والذين شقوا طريقهم إليها بجدارة وفي مقاهرة شديدة للانعتام والانطواء. فحالة الفنان الموهوب نجوان شريف ليست فريدة، بل هي جزء من مشهد الوجع الفني العام.. فثمة عتب على المراجع المسئولة في إهمالها للمبدعين وحجب أصواتهم والتعلل بشحة الإمكانيات ولا تتيح لهم فسحة الظهور الفني المنتظم.

فهل تفتح المغاليق ونرى النور يكتسح الساحات المظلمة ويشعر المبدعون بنسمة أمل في فضاء الساحة الفنية؟!

ونهمس في أذن جامعة عدن: إن الفنان نجوان شريف ابن شرعي لهذه المؤسسة الأكاديمية فهل من لفتة كريمة لتنمية موهبته الفنية؟!

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى