دعوة إلى اكتشاف آفاق جديدة

> كلوفيس مقصود:

>
كلوفيس مقصود
كلوفيس مقصود
في الماضي كانت معظم الثورات "تأكل نفسها". واذا اعتبرنا ان فصيل المحافظين الجدد في الولايات المتحدة، ارسى قواعد ما وصف بـ"الفوضى البناءة"، نستطيع التأكيد ان هذا الفصيل اخذ بالتراجع والتآكل. لكن بطء التراجع يفسّر تفاقم ما انتجته "الفوضى البناءة" من دمار ومآس بشرية وبنيوية، ومن تعميم لثقافة العبث ودفع العقلانية الى هامش الاحداث، ومن استيلاد غرائز الخوف وتحويلها سياسات.

نعم، ان "ثورة التغيير" التي لازمت خطاب المحافظين الجدد وممارساتهم، دخلت مرحلة "اكل الذات". الا ان الثورات في ما مضى انحصرت تداعياتها في اطار الدول في حين ان مسيرة تآكل المحافظين الجدد داخل ادارة الرئيس جورج بوش كانت تداعياتها اكثر شمولاً. وكان واضحاً ما زرعته من تزوير للحقائق، وما اعتمدته من تحالفات، وما شجعت من قوى، وما همّشت من حقوق ثم اهملتها لتعمل بالتالي على الغائها، كما ارادوا ان يحصل في فلسطين مثلاً.

****
نشير الى الانحسار في سلطة فصيل "المحافظين الجدد" بعد تطورات ثلاثة الاسبوع الماضي. ولعل أهم تطور - ولكل من التطورات في هذا السياق اهمية بالغة - المطالبة باستقالة بول وولفوفيتز الرئيس الحالي للبنك الدولي وادانته، وهو الذي كان في موقعه في وزارة الدفاع الاميركية المهندس الرئيسي لخطة غزو العراق والمساهم المباشر في تبريرها والتنظير لها، وتحوّله مرجعية رئيسية لضمان استمرارها والباسها رسولية كاذبة، وبالتالي مرجعية رئيسية لقوى التزمت والتبعية دولياً واقليمياً.

ورغم التأييد المعلن للرئيس جورج بوش له في مأزقه الحالي، فإن تزايد النقمة عليه وعلى سلوكه وادارته واستفزازاته يجعل بقاءه عنوة دليلاً آخر على عناد ادارة بوش وانتقاصاً لصدقية هذه المؤسسة الدولية.

ولا ننسى اقالة احد المعلقين الاذاعيين الكبار لاهانته فريقاً رياضياً من تلميذات جامعة رتغرس وجرح مشاعر، لا للاميركيين الافارقة فحسب، بل الرأي العام بأسره، مما دفع وزيرة الخارجية كوندوليزا رايس الى وصفه بـ"العنصري".

كذلك تواجه القوى المسلحة الاميركية صعوبات كثيرة لتجاوزها المدد التي يخدم الجنود اثناءها في العراق وافغانستان، مما يزيد تسليط الاضواء على المعضلات المتنامية لقوات الاحتلال في العراق.

ورغم التآكل الحاصل في هذا الفصيل، فإن نتائج الانتخابات النصفية في الكونغرس آلت الى ان يحصل الحزب الديموقراطي على اكثرية، وان تكن قليلة، وقد أتيح لها ترؤس لجان الكونغرس، كما اخذت على عاتقها القيام بالتحقيق في كثير من القضايا التي حاولت ادارة الرئيس بوش التستير عليها، أكان في ما يتعلق بالحرب في العراق او بفضائح المخالفات القانونية وتسييس القضاء.

وفي هذا المجال، يتأكد ان المستشار السياسي كارل روف استعمل البريد الالكتروني للحزب الجمهوري في البيت الابيض لاخفاء التدخل المباشر للاخير، مما يهدد بصدام مباشر مع اللجنة العدلية في مجلس الشيوخ التي اتهم رئيسها السناتور ليهي البيت الابيض بـ"الكذب"، يضاف الى ذلك احتمال اجراء تحقيق في ما يتعلق بالتزوير لتقارير مخابراتية وضعها دوغلاس فايث، وكيل وزير الدفاع.

اضف الى ذلك ان رئيس مكتب نائب الرئيس ديك تشيني قد دين وسيصدر الحكم بحقه قريبا سكوتر ليبي، وهو مثل دوغلاس فايث من اقطاب فصيل المحافظين الجدد. الا ان تشيني المحتضن بقايا فصيل المحافظين الجدد والمصر على دفع الرئيس بوش لابقاء حالة الانكار، يواجه بدوره تآكلا في سلطته واجتراراً في المواقف المدانة اميركيا وعالميا، خصوصا انه يعمل على احتواء محور جديد في الحزب الجمهوري يدعو الى مراجعات اساسية في السياسات الفاشلة او الى تقليص اضرارها التي يحاول تسويقها وزير الدفاع الجديد روبرت غيتس. ولعل الابرز في السنتين المقبلتين سيكون بروز تيار جريء داخل الحزب الديموقراطي لا يكتفي بتصحيح مسيرة الانحراف والسياسات اللاشرعية، بل سيلح على المساءلة الجادة وما قد يستتبعها من ملاحقات وعقوبات.

اذ نشير الى عناصر التآكل في فصيل المحافظين الجدد والى تجرؤ الديموقراطيين وبعض الجمهوريين في الكونغرس على المساءلة، فهذه فرصة ليوسع العرب اطار تعاملهم مع الولايات المتحدة بشكل شامل، لا حصره بالسلطة التنفيذية بذريعة الواقعية، وان يدركوا انهم ان احسنوا الاداء فقد ينجزون على الاقل تحييد الكثير من عوامل العداء، ولعلنا في مواجهة عربية مع ما انتجته سياسات الفصيل المعادي لنا نستطيع انجاز بعض المكاسب التي تخرجنا من الارتهان والتبعية الى اكتشاف آفاق جديدة من وعي دفين على حقوقنا المشروعة.

قد يبدو هذا طموحا في غير محله، وقد يعرقل علاقات قائمة حتى مع بعض عناصر هذا الفصيل المريض في حقده والذي كان يسعى دوما الى ان يكون له اما اتباع وإما ارهابيون في البلدان العربية والاسلامية.

الا ان التآكل في صفوف هذا الفصيل يجب ان يدفعنا الى عزل الارهاب عن قوى الممانعة، وان نحول ضد الاستفحال الحاصل في العراق والمغرب والجزائر والصومال وما قد يحصل في غيرها من الاوطان العربية.

واذا كان من منطلق للخروج من مصيدة الثنائية الخطيرة، يجب ان تكون ما انجز - وان يكن طفيفا - نقطة انطلاق لا نهاية مطاف.

المدير السابق بمكتب جامعة الدول العربية بواشنطن

عن «النهار» اللبنانية 15 أبريل 2007

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى