كيف يعالج البحث الأدبي في الجامعة؟

> «الأيام» علي محمد يحيى:

>
علي محمد يحيى
علي محمد يحيى
يعتقد بعض الدارسين والباحثين، ولا سيما أولئك الذين هم في بدايات تجاربهم البحثية، أن المؤلفات والكتب التي ألفت في طرائق البحث ومناهجه كفيلة بالأخذ بأيديهم في مسالكه ودروبه.

ولكن سرعان ما يتلاشى هذا الاعتقاد حينما يقرأ المبتدئ منهم عدداً من هذه المؤلفات، ثم يجد حين يود كتابة بحثه أن طريقه مازال محفوفاً بالعقبات والصعوبات، ولعل السبب في هذا أنه اعتمد على هذه الكتب وحملها مسئولية لا تستطيع تحملها، ووضعها في منزلة لا تقوى على تبوئها، فهي ليست سوى معين يبصر الباحث بمعالم الطريق الذي يود أن يسلكه، ودليل يسترشد به خطواته الأولى حين يرتاد ميدان البحث بعقله وقلمه. ولذلك فإنه لا بد للدارس أو الباحث المبتدئ أن يسعى لتأمين نجاح بحثه، بأن يكون في ظل أستاذ مجرب يشرف على نشاطه البحثي، لأنه مهما اقتنى من الكتب والمؤلفات المنهجية لن تغني عنه شيئاً إذا لم يتمرس بالبحث تحت إشراف أستاذ مجرب أمين مع أن يكون في أثناء ذلك متحلياً بالصبر وبحب المعرفة راغباً ومحباً لها.

ومن البديهي أن على الباحث الناشئ أو الدارس، حين يختار موضوعاً لبحثه، أن يضع لهذا البحث خطة موجزة مرنة ومؤقتة تعتمد على تصور جيد لفكرة وعنوان البحث، وإدراك لأهم جوانبه. والبحوث الأدبية لا تحتاج إلى فهرس مفصل في خططها يحوي كثيراً من الآراء الفرضية ويبنى على أحكام ظنية تسبق الدرس والاستقصاء ، لأن البحث الأدبي إنما هو رحلة أدبية، وما يسطره في خططه إنما هي خطوط غائمة لطريق مؤقت مُتخيل، سيتعرض إلى كثير من التغيير والتحوير، ولذلك فإنه ليس من الضرورة بمكان أن يلزم الدارس أو الباحث نفسه بأن يصف وصفاً دقيقاً شاملاً لفكرة موضوع لم يبدأ به بعد- والمقصود هنا بالبحث موضوع المقال هو البحث الفصلي وليس الرسالة الجامعية - لا شكلاً ولا موضوعاً.

ولهذا فإن طالب البحث الناجح هو ذاك الذي يختار لبحثه الفصلي موضوعاً محدداً مركزاً يستطيع أن يوفيه حقه من المعالجة في نطاق التوقيت المحدد له .. وربما كانت الآثار الأدبية النصية مجالاً خصباً لهذه البحوث، فهي تدرب الطالب على تذوق الأدب ونقده وتبعده عن الترديد الميكانيكي لما ذكره المؤلفون من قبل من حقائق تاريخية وأحكام نقدية عامة، ومثال ذلك البحث الانموذجي الذي عرضته الأستاذة الدكتورة فاطمة الصافي قبل أن تنال درجة الدكتوراه تحت مسمى (السمات المميزة لشعر اليمن القديم) الذي نشر في مجلة كلية التربية بعدن في عددها الأول الصادر في نوفمبر من عام 1985م. كما أن تلك الآثار الأدبية النصية تساعدهم في التعامل مع ما يسهمون به من آراء، ويكون إسهامهم هذا عاملاً من العوامل التي تدفعهم إلى حب البحث الأدبي. كما أنه من المفيد جداً أن يهتم الباحث بنظريات النقد الأدبي في مختلف مراحلها وفي تناولها للموضوعات الأدبية وأن يعطي جل اهتمامه لتلك العناصر الفنية التي تكوّن النص الأدبي.

فإذا كان البحث يتناول الشعر مثلاً فإن من الضرورة بمكان أن يهتم بالأمور الفنية له .. مثل الصورة والرمز والبناء والموسيقى الداخلية والتجربة الوجدانية والفكرة التأملية، ويعمد بعض الباحثين إلى إعداد مقدمات طويلة لا تتصل بموضوع بحثهم اتصالاً مباشراً حيث نجدها تشمل الجغرافيا والتاريخ السياسي والاجتماعي ولا تكون ذات أهمية في فهم النص الأدبي.

ولعل الأجدر به - أي بالباحث - إن لم يجد مناصاً من الحديث في شؤون التاريخ والجغرافيا أو الاقتصاد أن يقتصر في ذلك على مقدمة موجزة ذات صلة بالبحث وثيقة، وتعتمد على مراجع تعتبر حجة في ذلك أما حين يقوم الدارس بإعداد رسالته الجامعية، فإن ذلك غير البحث، فأول ما يشغل باله هو حجم الرسالة وعدد صفحاتها، وليست هناك من قاعدة يحتكم إليها في هذا الشأن، ولكن مما يؤخذ به بالحسبان هو أن ينال موضوع الرسالة حقه من الدراسة والبحث والتمحيص وأن يكون نسيجاً قوي البناء. أما في البحث الفصلي فإن الأفضل للباحث أن يولي فصول بحثه جميعها قدراً متساوياً من الاهتمام وكذلك الإيفاء بالمعالجة والاحكام. ومن المهم أن يتجنب الأحكام الجزافية العامة، وأن لا يستخدم تلك العبارات النقدية التي تكثر استعمالاتها عند الكتاب والنقاد قي قوالبها المتكررة، ولأن الباحث ليس بالضرورة أن يكون بأديب إبداعي .. فلا حرج عليه أن يدع تلك الأساليب المجازية المجنّحة التي تجمل العمل الأدبي ولكنها تؤدي بالبحث إلى الإبهام والغموض. كما أن الأسلوب العلمي لا يفرض على الباحث أن يلجأ إلى أسلوب الحل، أو نثر المنظوم، بحيث يعقب على النص الأدبي ويحمله ما ليس فيه إلا ما يبين المعنى اللغوي، ثم ينتقل بعد ذلك إلى نص آخر فيعيد التكرار للطريقة نفسها حتى إذا ما انتهى البحث صار في معظمه نثراً لما نظم وشرحاً لما ظهر من المعاني، وقد يكون الأولى بمثل هذا الباحث أن يتجاوز ذلك وأن يبين ما في النص من جوانب فنية أو أن يشير إلى ما فيه من أبعاد نفسية وفكرية، وبما يحفل به من قدرة على الإيحاء.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى