كتابة الباشراحيل الصحفية

> د. هشام محسن السقاف:

>
د. هشام محسن السقاف
د. هشام محسن السقاف
لتقرأ معي:«إن الخدعة قد تنطلي على الناس.. مرة..مرتين.. أو ثلاث مرات.. ولكن لابد من ضبطها..ويكفي أن تضبط مرة واحدة لأنهم لا يحتاجون إلى أكثر من مرة واحدة يهوون فيها إلى قعر الهاوية أشلاء لا حياة فيهم.

يتحدثون عن الوطنية وهم يعتقدون أن الماضي قد أسدل الستار عليه، وأن الحاضر يجهله الناس.. ولعلهم يعتقدون أن سخريات القدر التي استطاعوا أن يصلوا بفضلها إلى ماوصلوا إليه لا يعرف الناس حقيقتها.. وقد قال أحدهم ذات مرة لم نكن نعلم أننا محبوبون لدى الشعب من قبل ولكننا عرفنا هذه (الحقيقة) الآن!!

إنها حقاً لمن سخريات القدر.. يضفون على أنفسهم بكل سخاء صفات الوطنية وينسبون إلى المواطنين صفات الخيانة، ماذا عسانا ننتظر من سخريات القدر سوى قلب المفاهيم والمنطق والحقيقة».

محمد علي باشراحيل

«الأيام» العدد 257 في 7 يونيو 1959م

لقد عنينا منذ فترة بأسلوب الكتابة عند عميد «الأيام» الأستاذ محمد علي باشراحيل كما يطل على القراء كل خميس، وقد لفت نظري من زمن أن النافذة التي يطل منها الباشراحيل على القراء أسبوعيا هي مقتطفات من مقالات سابقة، أخذت بعناية من سياقها، ليتم وانطلاقا من لحظتها الماضوية التي كتبت فيها (تاريخيتها)، إعادة إسقاط وتفعيل لـ «وظيفتها الفيزيائية المتجسدة في إعادة حالة وعي ماضية»Lolade المعجم الفلسفي، بما يحدد مسارات الحاضر.

ونفقه الآن، أن شغف بعض القراء الذين يقرأون الحرف وأبعاده، في صحيفتهم اليومية، لا يمرون مرور الكرام على أقوال العميد كل خميس، بل إن قارئا شغوفا من الوهط هو الأخ علي عبده همام قد عني بتجميع المقتطفات وكأنه يشحذ هم القائمين على «الأيام» النظر في مسألة تجميع تراث الباشراحيل الكبير، من مفردات ألقه الصحفي، ودون تفريط.. وبالإحاطة بنشاطه العام في عدن سياسيا واجتماعيا وثقافيا كأحد أبرز الوجوه التي ثابرت على إحداث نهضة المدينة المتألقة في سماء منطقة كانت عدن هي قبس نورها الذي يصطليه القريب والبعيد، دون أن تمن على أحد. وقد قرنّا موضوع كتابة تاريخ عدن دون زلفى بموضوعانية التقصي وكتابة تاريخ الرواد، ومنهم الأستاذ محمد علي باشراحيل كما جاء في مقالي الاحتفائي بمناسبة ذكرى ميلاد العميد الثامنة والثمانين في 5 أبريل الماضي.

وبالعودة إلى أسلوب كتابة الباشراحيل الكبير، وقد كان ذلك مثار مثاقفة، مع بعض الزملاء، لنندهش بالمقدرة العجيبة على تأديب المقالة الصحفية لدى العميد دون أن تذهب إلى التعمية والتعقيد، وتظل كما هي بالمتناول ليفمها القراء على مختلف المستويات الثقافية، لكنه الأسلوب -أسلوبه- هو الذي جعلنا نتجه إلى الباشراحيل الأبناء هشام وتمام محمد علي، واضعين نصب العين أن (أهل مكة أدرى بشعابها) عند استفسارنا عن مصادر الباشراحيل الأب الثقافية والعلمية.

ولنندهش أكثر عندما نعلم أن الكتاب والتقفه الذاتي لرجل عصامي، هما الرافعة وعصا الاتكاء التي جعلت من الباشراحيل واحدا في المقدرة الإبداعية الصحفية لا يقبل القسمة على اثنين، فهو لم يتلق تعليما نظاميا في مجالات نبوغه الصحفي أو حتى تعليما نظاميا مكتملا في اللغة العربية، وقد استغرقت الرجل الحاجة والحالة العامة، ليمزج بين العمل الذي يقتات منه وتثقيف النفس ذاتيا دون أن ينقطع حضوره في منتديات عدن الأدبية والثقافية وفي مصاف الإسهام السياسي الذي كان ضليعا فيه.

فالكتاب والقاموس عند رجل مثابر أكسباه امتلاك الناصيتين، ناصية العربية والإنجليزية، وهذه الأخيرة لم يكن نصيبه منها بأكثر مما تحصله في سنوات دراسته الابتدائية والمتوسطة، لكن جهده في ترجمة النصوص وقراءة الصحف البريطانية مكناه من التحدث والكتابة بها كما يتحدث ويكتب أبناء نهر الـ(تايمز) بل وأفضل من كثيرين كما يشهد على ذلك من عرفوا محمد علي باشراحيل عن كثب.

ولعلني أرجح التشابه في مساق اللغة الصحفية لمحمد علي باشراحيل على أنها عدننت أو يمننت لأسلوب الكتابة الصحفية الرائجة في مصر عند الرافعي وأقرانه الآخرين مثلا في أربعينيات وخمسينيات القرن الماضي، بالقدر ذاته الذي استطاع فيه الباشراحيل الارتقاء باللغة دون تقعر أو تعقيد، ومحتفظا بها في نطاق السهل الممتنع، معطيا في الوقت نفسه للنمط الخبري في صحيفته حيزا أكبر، لالتقاط مساحة أكبر وجمهور أكثر.

رحم الله الأستاذ الرائد محمد علي باشراحيل

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى