المؤتمر- دستور اقتصادي لطفرة آن أوانها

> «الأيام» فاروق لقمان:

>
فاروق لقمان
فاروق لقمان
قبيل إجراء الانتخابات الرئاسية في الوطن كتبت مقالا في هذه الجريدة الزاهرة أنادي «بطفرة اقتصادية بحجم الوحدة». وكان موجها لسيادة الرئيس القائد علي عبدالله صالح الذي حقق الوحدة أولا سلما ثم أنقذها بعدما أشعل الانفصاليون حربا لتفكيكها شملت البر والبحر والجو وأثرت سلبا في دفع عجلة التنمية.

ومر حوالي عام على ذلك المقال الذي أعرف أنه نال استحسانا مشجعا.

ثم تشرفت بلقاء سيادة الرئيس في أحد مكاتبه ووقفنا دقائق نتفرج على خريطة جديدة قلت خلالها إنها لأكبر يمن في التاريخ سكانا ومساحة إذ إنها تمتد من المحيط الهندي إلى البحر الأحمر ومن حدود سلطنة عمان إلى الحدود الجنوبية للمملكة العربية السعودية.

وكان ذلك صحيحا لأن الممالك القديمة من سبأ وحمير وريدان وقتبان وبعدها بنو رسول والصليحيون وغيرهم كانت في الواقع سلطنات كبيرة ومتوسطة لم تشمل أبداً ثلاثمائة ألف كيلومتر مربع وثلاثا وعشرين مليون نسمة.

ووقفت أحدث نفسي وسيادته يشير إلى بعض المعالم على الخريطة عن الطفرة التي تمنيتها بعدما شهدت عدة طفرات في حياتي المهنية، منها ما حدث في المملكة العربية السعودية منذ عام 1975م (وقبلها طفرتان خلال عهدي الملك سعود وفيصل رحمهما الله)، ثم في بقية دول الخليج العربية. ولولا حرب الخليج الأولى لكانت العراق وإيران أيضا في مقدمة الدول الزاهرة حاليا. ولا يتسع المجال اليوم للحديث عن طفرات مذهلة أخرى من الصين حيث معدل النمو يتجاوز عشرة بالمائة إلى الهند ذات التسعة بالمائة وما بينهما من دول خارج نطاق اليابان المعجزة، تايوان وكوريا الجنوبية وسنغافورة وماليزيا وتايلند.

وبعد ذلك المقال كتبت أناشد القيادة بوجوب إشراك القطاع الخاص حتى في تحلية المياه - «سلموه للقطاع الخاص»- والتنقيب عن النفط وتوليد الطاقة وبناء المدن الإلكترونية «تكنوبارك لعدن وسياحة عائلية» كما قلت.

لذلك وفي ضوء الأماني الصافية والدعوات الخالصة تابعت باهتمام غيرعادي وقائع مؤتمر استكشاف فرص الاستثمار الذي عقد بنجاح غير متوقع في العاصمة وحضره سيادة الرئيس. ولما كانت تفاصيل ذلك معروفة بعدما نشرت وغطاها التلفزيون اليمني بجدارة ومهنية سأكتفي بالتعليق على أهم ما سمعته وشاهدته وهو بلاجدال وبلا مبالغة أو رياء خطاب الرئيس علي عبدالله صالح، الذي كان مختصرا مفيدا أصاب بيت القصيد كما كان أيضا في الصميم. في الوقت ذاته اتسم بالواقعية العلمية مستفيدا من معرفته بواقع اليمن ومجريات الأمور حواليها وفي دنيا العولمة والاستثمارات التي نتابعها يوميا. فالصين كانت تحارب الاستثمار بشراسة جهل الماوية التي أنتجت أكبر مجزرة في تاريخها خلال (الوثبة الكبرى) 1958-1961م التي أحرقت البلاد وأوصلتها إلى الأفران والرماد. والهند ظلت تتخبط في نظريات نهرو الاشتراكية التي اكتسبها من أساتذته في لندن وعناد ابنته التي عشقت الماركسية وطبقتها غصبا. ومثلهما كانت بقية دول آسيا المحاربة للاسثتمار بسبب عقد الاستعمار والإمبريالية. والشطر الجنوبي عندنا الذي اجتهد كثيرا بدون كلل أو ملل في هدم حتى ما كان قائما.

تجاوز الرئيس كل ذلك ببضع بطاقات كانت بيده سجل بعض آرائه وقرأها في دقائق وكأنه يعلن دستورا اقتصاديا جديدا على أحدث أنماط العلوم الجديدة في التنمية الزراعية والتحلية وتوليد الطاقة وبناء المدن وإنماء السياحة، وأبدى استعداد اليمن لمراجعة القوانين التي تخص البنوك والتجارة والضرائب والجمارك لإزالة معوقات الاستثمار وإزالة العقبات الروتينية.

هكذا بجرة قلم وضربة معلم لا أظن أن كثيرين من المواطنين والمغتربين والأشقاء والأصدقاء كانوا يتوقعونها إلا حلما. وفتح الأبواب على مصاريعها للاستثمار العربي والأجنبي، ومعه بالطبع الوطني الذي كان ولايزال يواجه صعوبات وتحديات وعراقيل معروفة للجميع. وتطمينا للمستثمرين من المواطنين وغيرهم أعلن على رؤوس الأشهاد أن الدولة ستشري منهم المياه والطاقة وغيرها من الثمار . وأشار في معرض ذلك إلى أن صنعاء متضررة من شح المياه، وهناك مدن أخرى منها تعز والحديدة ومدن حضرموت وقريبا عدن التي يمكن لبحورها أن تمد تعز وجاراتها بالماء. لكن صنعاء مشكلة أخرى بحجة إلى ثروة كبرى لتوصيل المياه من البحر إلى بيوتها.

ولابد من التذكير هنا أن نتائج المؤتمر لن تتحقق سريعا فالعراقيل عديدة والبيروقراطية عنيدة وبرنامج الرئيس يتطلب صبرا ومثابرة وقوة دفع وشدة أحيانا ولو بالاتصالات المباشرة من مكاتبه كما فعل أكثر من مرة لتحقيق الصالح العام. إلا أنه كما يبدو قد صمم على النجاح بأذن الله كما أثبت عندما قام بزيارته التاريخية إلى عدن عشية إعلان الوحدة عندما ناشد نظراءه هناك بقوله: «وقعوا الآن وضعوا شروطكم بعد ذلك، المهم الوحدة». كذلك أتوقع أن يفعل خلال تأسيسه لبرنامج الاستثمار والإشراف على تحقيق أكبر قدر من تطلعاته.

كتب قبلي بعض الزملاء الأفاضل باقتدار وإخلاص وصراحة بالغة، مستفيدين من مساحة حرية الرأي والنشر مثل ما يحدث على صفحات هذه الجريدة، ومن سماحة القيادة وإيمانها بأن كلمة صادقة وإن كانت موجعة أحيانا خير من ألف قصيدة نفاق وزندقة كتلك التي كان يسوقها الشعراء والكتاب لمن هب ودب بمقابل دائما.

لكن التخطيط النادر الذي شهدناه وإشراف الرئيس الذي دام عاما في الإعداد له وإخراجه كان بشيرا بالتوفيق وخطابه التاريخي كان مخططا مرسوما بوضوح وكفاءة وعقلانية ندعو الله أن يوفقه لتنفيذ ماجاء فيه. فهو الذي سيقود الطاقم الذي اختاره ليبدأ الطفرة المنشودة التي طال انتظار الأمة لها. عندئذ سيتدافع المستثمرون من الخارج والداخل للإفادة والاستفادة من العصر اليمني الجديد إن شاء الله. وعلى قدر أهل العزم تأتي العزائم وتأتي على قدر الكرام المكارم.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى