> أ.م. فضل قائد علي:

(1) الكون في قوقعة ..الكون فلسفياً لا نهائي الأبعاد، بنية مفتوحة opened stuctre ولكنه، كما ترى المهندسة ريم، «مختبئاً في أعماق رغباتي الدقيقة»، «ملاذاً ألجأ إليه لأفرغ - دون خوف أو خجل- طوفانات مشاعري المتدفقة»، كون متعدد الأطياف، مرهف الإحساس، ولكنه في الوقت نفسه يجمح نحو الانعتاق من سجن قوقعته، إنه كون افتراضي تهرب إليه كي لا تعاني «خيبات الأمل التي تصيب من لا يحالفهم الحظ في اختيار أصدقاء موثوقين»، فهو إذن قرار احترازي مؤقت، تتحسس فيه، بروية وحذر، آفاق عالم ما وراء محيط القوقعة.

صحيح أن المهندسة ريم، كما ترى، تجد في كونها الذاتي الخاص متعة، بل (تزداد متعتي وأنا «أقرأني» بعد زمن) وهي هنا تبوح بمكنون تجربة عايشتها ردحاً من الزمن، بل وعايش تبرعمها كثير من الادباء قبل الولوج إلى عالم الافصاح، علم النشر، وهي مرحلة مهمة لا تخلو من القلق الصحي المشروع، مرحلة الانكفاء إلى الداخل، إلى الذات، إلى الدفتر والورقة والقلم، مرحلة الكون في القوقعة، التي لا تسمح لأحد دخوله (دون استئذان)، وإن سئلت المهندسة ريم عن السبب، تجيب «لأنني أسكب روحي فيها».

من هنا ندرك سر عدم كشف م. ريم لنتاجها الأدبي مبكراً، فلم يكن النشر غاية، بل وسيلة ترتقي إلى مصاف الرسالة، التي هدفت إلى تحقيقها، في الزمان والمكان المناسبين، وربما وقفت، بل الأمر كذلك، على مذكرات أدباء كبار، ندموا، بعد أن اصطادوا الشهرة والنجاح، ندموا على بواكير ما تسرعوا بنشره وهم في عتبة سلم التأليف الأولى، بالإضافة إلى ما قالته المهندسة ريم نفسها، معبرة عن عدم استساغتها للتسرع في النشر، لأنها لم تكن، حينها، تحبذ «فكرة عرض ما في داخلي أمام من أجهل».

إنها جدلية (الأنا) و(الآخر)، الأنا القابع في القوقعة والآخر خارج هذه القوقعة، وهذا لا يرتد إلى عدم اقتناعها بنتاجها الأدبي- الفكري، بل، كما سبق وقالت، لخوفها وخجلها من طوفانات مشاعرها المتدفقة، وربما أرادت وهي تعيش مخاض تجربتها الأدبية، أن تكون الولادة طبيعية، وقد أصابت المرام، وحققت، وفي الزمن المناسب، مقولة سقراط الشهيرة:«تكلم حتى أراك» ولم تخطئ المكان، فقد وجدت في صحيفة «الأيام» الغراء واسعة الانتشار، النافذة المرجوة، وهذا كلامها هي نفسها حيث أصابت في اختيار عنوان زاويتها الأسبوعية (أوراق في ذاكرة اليمن السعيد).

انصدع عمود الخوف والخجل، وتشرنقت الكلمات فراشات حب، حلّقت بألوانها الطيفية البديعة بسلاسة، وفي كل الاتجاهات، ولم يعد الكون في قوقعة، بعد أن تشظت جدران هذه القوقعة وأفصحت عن لآلئ مكنونها، وكم كانت المهندسة ريم سعيدة حين ارتدت أصداء مقالاتها - كما تقول - من خلال «الرسائل التي تلقتها.. من انحاء عالم حوّله البريد الإلكتروني قرية صغيرة» ثم أضافت تقول: «انطلقت أصهل بحرية حصان في البراري الواسعة»، حداً جعلها تحتوي الآفاق «كلها بين ذراعي»، فكان، كما قالت: «الصدق الذي كتبت به تلك السطور هو ما أوصلها إلى قلوب من راسلوني»، تلك الرسائل التي شبهتها بهداهد «تحمل سلال قش يمني ملأى بفُل لحجي وبن يافعي وبلس تعزي وعنب صنعاني وبخور عدني ولبان مهري وعسل حضرمي».

لهذا البلد العريق أفرغت جميل مشاعرها، ولملايين شعبه الطيب أهدت حبها، هذه كلماتها، وهي كثيرة وعميقة، وقد ختمت مقالتها السلسة قائلة: «أود أن أشكركم من كل قلبي، فرسائلكم ومضات سحرية تحيل قوقعتي كوناً واسعاً أحلق فيه كما أشاء» إنها لحظة البوح، لحظة انعتاق أفكار المهندسة ريم عبدالغني من الكون القوقعة، إلى الكون وقد تلاشت حدوده، لحظة الإشراق الأدبي، الذي ننتظره بشوق وحب.

وإن كان لي كلمة أخيرة، فهي شكري لها على مقالاتها الرائعة، التي شرفتني بإهدائي إياها على هامش المؤتمر الدولي السادس للحضارة اليمنية - عدن الحضارة والتاريخ- وهأنا أفي بوعدي لها بقراءتها قراءة نقدية، وكما اشترطت علي، أن تكون صادقة، ولم أَحِد عن شرطها قيد أنملة.

كلية الآداب - جامعة عدن