لصوص النحاس

> علي سالم اليزيدي:

>
علي سالم اليزيدي
علي سالم اليزيدي
عرف العالم حرب النحاس واشتهرت الكونغو بها منذ ما قبل باتريس لومومبا إلى إقليم بيافرا المنشق وزعيمه تشوبي، ثم الكونغو برازفيل والأخرى كنشاسا، ونحن أهل هذه البلاد لم ننتبه إلى أننا دخلنا حرب النحاس مثلنا مثل غيرنا، لدينا تراث من الحروب، حرب اليمن وحرب التحرير، وحرب صيف 1994م، وحرب صعدة ثم حرب النحاس، وفيه كله ومنه كله، إذ غدت ثروة النحاس المنتشرة لدينا عرضة للنهب والسطو والسرقة، ومثلما يحدث للأراضي والممتلكات والمباني من سطو، السطو بالسطو والسرقة أفضل، نعم عندنا ظاهرة تجار النحاس المسروق! ومحلات البيع والتصدير مفتوحة، كميات من النحاس في كل مدينة ومكان، وشجع هذا الأطفال ليسرقوا أواني ومعدات أهلهم بقصد الفلوس، وهناك ماهو أعظم، إذ تسرق كابلات الكهرباء في بطن الأرض أو في الهواء على حد سواء.

تجار النحاس يشعلون الحرب والسرقة معاً، ما هو أغلى يغدو رخيصاً في عالم لصوص النحاس وتجارته وحربه الخفية، الماكنة التي ثمنها (عشرة مليون ريال) تصبح (بمائة ألف ريال) فقط مقابل كم كيلو نحاس في بطنها! وكابل الكهرباء لعدة أعمدة نور وثمنه (5 ملايين) يصبح بكم ألف ريال لنحاس مسروق، وما هو أشد فداحة، لصوص النحاس المنزلي الذين يسرقون أسلاك المنازل في طور البناء والإعداد أو الخالية من السكان، وأيضاً ظاهرة سحب أسلاك الإمداد للتيار الكهربائي ضغط عال ومعها أسلاك التلفون وأي حاجة نحاسية حتى لو كانت أدوات الفرقة الموسيقية النحاسية للدولة، إنه جنون النحاس الأشد بطشاً من الحاس والحسحاس.

ومن الطرائف النحاسية الحالية، أن طفلاً في الثامنة من عمره خطف ذهب أمه الأصفر بما يقرب من مليون وهو ينصت إلى صوت (نحاس، معدن، بطاريات) ولولا الانتباه من شخص حاضر بالصدفة لكانت الكارثة، ويصبح المليون (مائة ريال) ثمن بفك وتوفي لك وطماش، ومثل غيرها شاهد سائق أعمدة النور مضاءة في أول الطريق وما أن انتصف حتى عم الظلام، وفي اليوم التالي جاء الخبر أن ما يقرب من 17 عموداً قد سرقت الكابلات الممدودة لها وهي (مولعة نار)، إنها حرب النحاس، وأطرف ما قيل لي أن امرأة وهي تتجول شاهدت شبيهاً لمدق البسباس والحوائج والهرد النحاسي القديم أمامها عند تاجر نحاس، واعتقدت أنه لأختها فهو هدية زواج الاثنتين، وبعد السؤال جاء الجواب أن الولد حمله وباعه ولبس جرم برازيلي وكرة وجزمة والسلام.

وما هي إلا سويعات ما بين الفجر وطلوع الشمس ونام المسكين وهو يحلم بربط الكيبل إلى المنزل من العداد، غداً يأتي عمال الكهرباء وبعد غد يأتي الأطفال والنور والدار، وهاجم اللصوص وذهب الكيبل وكل ما خسره من الآلاف والمعاناة وطار عقله وصاح ..(يا الله، يا باطلاه) والسؤال الذي حيرني وغيري كيف يفعل هؤلاء اللصوص، ومن يشعل حرب النحاس؟

الأنباء تتوارد وتذكر لنا صحيفة «الأيام» الزاهرة، ما يكفي من سرقة النحاس في الراهدة ولحج والمكلا وعدن وحتى المهرة، حرب النحاس من يوقفها من أمام منازلنا ويعطينا الأمان؟ ألم يقل الشاعر الكبير البردوني في قصيدته المشهورة (صنعاء والمستعمر السري!):

غزاة لا أشاهدهم

وسيف الغزو في صدري

ونسي أن يقول الرجل: وكل النحاس مسروق في بلدي، فهل تدري؟!!

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى