صومالي اغترب في عدن ثم حارب جيوش أربع دول

> فاروق لقمان:

>
فاروق لقمان
فاروق لقمان
وصل إلى عدن عام 1895 حيث تعرف وصادق مئات من السكان العرب والصومال في حافة حسين بالذات وتعلم اللغة العربية حتى أجادها ثم شد الرحال إلى الحجاز قبل قيام المملكة بقيادة الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود، الذي وحد معظم أرجاء الجزيرة العربية.

وعاد محمد عبدالله حسن إلى عدن التي كانت خاضعة للاستعمار البريطاني ليتخذ قرارا شخصيا غاية في البسالة وهو العودة إلى بر الصومال كما كان يسمى لمحاربة الاستعمار هناك وهو يعلم فداحة المهمة التي ستواجهه.

كانت الصومال ممزقة بين الاستعمار البريطاني في بربرة وهرجيسه، والإيطالي في مقديشو، والفرنسي في جيبوتي، والإثيوبي حيث الأوجادين، وجزء خامس ضمته بريطانيا إلى مستعمرتها الافريقية الأخرى في كينيا حتى اليوم.

لم يكن محمد عبدالله حسن يمتلك أي سلاح أو يقود أي قوات لكنه كان، كما يقول والدي محمد علي لقمان المحامي في مذكراته التي نشرها في الثاني من شهر نوفمبر 1961م بالعربية والانكليزية، يتميز بعزيمة تهز الجبال وإيمان بالله سبحانه وتعالى وشعبية كاسحة ، انقادت له ألوف الرجال والنساء بدون سلاح حيث كان يجمع التبرعات من المؤمنين بقضية تحرير الصومال من كافة صنوف الامبريالية الأوروبية التي اكتسحت القارة الافريقية بعد مؤتمر باريس في العقد التاسع من القرن التاسع عشر الذي ضم معظم دول أوروبا الغربية الرئيسية، وبعد المؤتمر خرجت الجيوش الاوروبية لاحتلال القارة وامتصاص خيراتها حتى آخر حبة ألماس وقيراط ذهب وكيلو قطن وبن وكاكاو وبرميل نفط وكل ما يخطر ببال إنسان، ولا تزال عملية النهب المنظم مستمرة بالتآمر مع زعماء محليين لا هم لهم إلا ملء جيوبهم بل أرصدتهم الضخمة في بنوك العواصم الاستعمارية إلى اليوم.

يقول الوالد في الحلقة التي عثرت عليها إن محمد عبدالله حسن الذي لقب بالوداد وهي صومالية تعني العلامة، لأنه كان دارسا لأصول الفقه الإسلامي، وصل إلى ميناء بربرة في العقد الأول من القرن العشرين بعد رحلة من عدن التي ودعها ليقارع جيوش أقوى ثلاث دول استعمارية بيضاء بالإضافة إلى الجيش الاثيوبي الذي تحالف معها. وبدأ بمحاربة التبشير المسيحي وحرم الخمر والقات على أتباعه ومريديه، ومن بربرة سار إلى جبل الشيخ الذي ذكرني بمكيراس وجبل حراز عندما زرته عام 1950م بصحبة الوالد وبعض رفاقه الصومال منهم الزعيم محمود جامع اوردوح.

ومن هناك توجه الوداد إلى بلدة برعو التي جعلها قاعدة لجهاده أملاً في الانتصار على المستعمرين الذين اتهموه بالجنون، وفعلا قرأت كتاباً بالانكليزية في نهاية الخمسينات بعنوان (الملا المجنون) لمؤلف بريطاني. مجنون لأنه يحارب الاستعمار البريطاني أولا وفي نفس الوقت الاستعمار الإيطالي والفرنسي والاثيوبي، وهو بذلك كان قد سبق بثلث قرن الزعيم الكبير هوشي من، الذي ناضل أولاً ضد الاستعمار الفرنسي فيما كان يسمى بالهند الصينية وهزمه وقبل ذلك حارب الغزو والاحتلال الياباني إلى 1945م، ولما تدخلت أمريكا لتحل محل فرنسا عام 1960م حمل السلاح ضدها حتى هزمها وأخرجها عام 1975م. وبعد ذلك تصدى للغزو الصيني الشيوعي في عهد ماوتسي تونج ودحره وبذلك كان ولا يزال من أعظم قادة حركات التحرير في التاريخ.

الوداد لم يمتلك الكثافة السكانية ولا الغابات المظلمة ولا السلاح الكافي من أي جهة إلا غنائم الحرب من بنادق قديمة صنعت في نهاية القرن التاسع عشر.

استطاع الوداد أن يؤلب حوله الألوف من رجال قبائل الدول بهانتا الأكبر عددا بين قبائل بر الصومال ويشن غاراته على قوات لا قبل له بها في الواقع إلا أنه كان يأمل أن يرهقها بالكر والفر حتى تضطر إلى الفرار من الميدان.

لكن المعركة كانت محسومة مقدما خاصة بعد تكالب الدول الأربع وجيوشها ضده بالسلاح والمال وهو لا يملك سوى الروح الجهادية والخيول والسيوف ولا يكاد يستقر في موقع ما حتى يضطر إلى الانتقال منه بعد اقتراب المدرعات الأوروبية، وهكذا حتى توفاه الله بعدما أصبح أول زعيم وطني افريقي في أوج الاستعمار الأوروبي بأضلاعه الثلاثة.

وبعد مصرعه تنفس الأوروبيون الصعداء ولم تفلح حركات التبشير المسيحية وانقسمت الصومال إلى خمسة أجزاء: بريطاني وإيطالي وفرنسي واثيوبي وكيني، حتى عام 1961م عندما استقلت البريطانية والإيطالية واتحدتا وانفردت فرنسا بجيبوتي لأنها رفضت الخروج من أرض الشعب الصومالي، وظلت الأوجادين تحت السيطرة الاثيوبية كذلك الجزء الذي تمسكت به كينيا.

لكن حكاية الصومال لم تنته بعد، الشطر البريطاني السابق في شمال البلاد وعاصمته هرجيسه استقل عن الدولة في مقديشو جنوب البلاد بعد سقوط نظام حكم سياد بري، وانهارت حكومة الجنوب بالكامل وعادت اثيوبيا بقواتها إلى العاصمة وإلى مدينة وضواحي بلدوين المتاخمة لها، وفرنسا أعطت جيبوتي استقلالها لكنها تحتفظ بقوات هناك بصفة دائمة بالإضافة إلى قوات أمريكية ومحطات إلكترونية للتجسس.

بعد استشهاد الوداد لم تعرف الصومال زعيما سياسيا إلا في بداية الخمسينات بقيادة شاب صومالي تعلم وترعرع في عدن كان يجيد العربية أكثر من الصومالية اسمه محمود جامع اردوح، الذي اختار طريق العصيان المدني والمقاومة السلمية أي اللا عنف متأثرا بالمهاتما غاندي الذي حقق استقلال ما يعادل قارة بدون إطلاق رصاصة واحدة، وبعد ذلك مات برصاصتين أطلقهما على صدره العاري متطرف هندوسي عام 1948م.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى