الوحدة .. هدف أم وسيلة؟

> علي صالح محمد:

>
علي صالح محمد
علي صالح محمد
«الوحدة اليمنية قدر ومصير الشعب اليمني» شعار تضمنه برنامج الحزب الاشتراكي أثناء فترة حكمه للجنوب ليلخص بذلك هاجس وحلم بعض القوى السياسية في تحقيق وحدة اليمن كمسألة حتمية مقدسه لا تقبل الجدل، لتصبح مع الزمن سيفاً يقص رقاب من يتعارض معها، وذلك في عملية تبنٍّ تاريخية للمشروع الوطني متسمة بالمثالية ومتشحة بمعايير الايديولوجيا البعيدة عن معايير المصالح المادية، تلك التي تقوم عليها كل السياسات باعتبارها اقتصادا مكثفا في نهاية المطاف.

و«الوحدة أو الموت» شعار رفع أثناء حرب 1994 من قبل السلطة وحزب المؤتمر الشريك في تحقيق الوحدة، ليلخص بوضوح أكبر وبإدراك مسبق فهم هذا الطرف لموضوع الوحدة باعتبارها (قدرا) أيضا ولكن من زاوية أنها مصالح مادية ملموسة (أي اقتصاد مكثف) أكثر من كونها رؤية إيديولوجية، لهذا أضفى عليها صفة الاستماتة كقضية لا تحتمل المهادنة أو التفريط باعتبارها (عظمة ولحمة).

والملاحظ هنا أن الشيء الوحيد الذي يجمع الشعارين المرفوعـين هو صفة الحتمية والقدرية التي لا تحتمل أي خيارات أخرى بما في ذلك الموت لمن يقف عائقا أمامها على طريقة هذه عصاي ولي فيها مآرب أخرى.

فمن ناحية سعى الحزب - بعد أن خاض و جرب وسائل الصراع المختلفة المنهكة التي سببت ونتج عنها الكثير من المعاناة والآلام - نحو تحقيق الهدف بالاعتماد على مبدأي الثنائية القائمة بين النظامين والأداتين السياسيتين الرئيسيتين في الساحة مع اشتراط التعددية لتوسيع دائرة المشاركة للقوى السياسية الأخرى، والديمقراطية كنهج وأسلوب حكم ينشأ عن النظامين المندمجين، وعلى قاعدة الطواعية والاتفاق بين الطرفين تحقق الهدف الذي أُعلن عنه في 22 مايو 1990 ولتستمر الوحدة أربع سنوات كانت كافية لاختبار صمود هذا الخيار أمام النوايا الصادقة والحقيقية لكل الأطراف، ليصبح من شارك في صنعها في موقع الحسرة والندامة على ما صنعوه ولسان حالهم يردد ما قاله الدكتور غازي عبدالرحمن القصيبي في واحدة من روائعه الشعرية كتبها أثناء الحرب بعنوان برقية عاجلة إلى بلقيس:

ألوم نفسي يا بلقيسُ كنت فتىَ

بفتنة الوحدة الحسناء مفتتنا

بنيت صرحاً من الأوهام أسكنه

فكان قبراً نتاج الوهم لا سكنا

وصغت من وهج الأحلام لي مدناً

واليوم لا وهجاً أرجو ولا مُدنا

ثم جاءت حرب 1994 لتؤكد بوضوح مقاصد ونوايا الطرف الآخر ورؤيته الحقيقية لمفهوم الوحدة باستغنائه عن مبدأ الشراكة ليحقق على قاعدة الحرب بسط النفوذ والسيطرة بالقوة على مناطق الجنوب باعتبارها مناطق الرزق والثروة، لأن الأربع السنوات من الوحدة الطوعية والسلمية لم تمكن هذا الطرف من تحقيق المقاصد المرجوة من الوحدة التي ينشدها فكان لا بد من اللجوء لخيار الحرب وحسم الأمر عسكريا لإقصاء الأطراف المساهمة - بعد أن شكلت حينها عائقا أمام تحقيق مراميه الحقيقية بل و سعت إلى تضييق الخناق عليه لتقليص نفوذه القائم من خلال عدد من المشاريع لعل أهمها وثيقة العهد والاتفاق الموقع عليها في الأردن من قبل كل الأطراف - ومن ثم الانفراد بالسلطة والثروة لتحقيق أحلامه.

وبعد هذه الأعوام من تحقيق المرام والمقاصد - بعد إقصاء الطرف الشريك، بالقوة، لتلحق به سلميا بقية الأطراف بما فيها تلك التي تحالفت وشاركت في الحرب ضده ليشكلوا معا تحالف المعارضة - وبعد بسط النفوذ والاستحواذ على كل الخيرات من قبل الطرف المنتصر والحاكم، بعد هذه الأعوام يبرز السؤال من جديد هل الوحدة اليمنية غاية أم وسيلة؟

فإن كانت غاية فالحمد لله لقد تم تحقيقها سلما وطوعا في 22 مايو1990، كما أعيد تحقيقها مجددا بالقوة في 7 يوليو 1994 أي إنها من الناحية القدرية تحققت ووفقا لمرامي ومقاصد ولطريقة كل طرف، لننعم بها سلما.. وحربا.

وهنا يضيف د.القصيبي:

بلقيس... يقتتل الأقيالُ فانتدبي

إليهم الهدهد الوّفى بما ائتمِنا

قولي لهم «أنتم في ناظريّ قذىً

وأنتم مرضُ في أضلعي وضَنى»

قولي لهم «يا رجالاً ضيعوا وطناً

أما من امرأةٍ تستنقذ.. الوطنا؟»

وإن كانت الوحدة اليمنية وسيلة فما هي أهداف الوحدة وأين نحن منها يا ترى؟

وكيف نفسر ما يجري من حروب مستمرة حتى اليوم هل هي في سبيل الدفاع عن الوحدة كما قيل عن حرب 1994، أم أنها حرب أخرى لمواصلة الاستئثار بالسلطة والحكم؟

«حين يقتل أحدهم تتجمع اللعنة في المكان الذي قتل فيه لتفتك بمن يواجهها»

أمام هذا المشكل فإن الشيء المنطقي يجعلنا نستدرك بأن الوحدة هي مشروع إنساني كبير ولكنه ليس قدريا، وهذا المشروع يقوم على قاعدة الشراكة الطوعية بين الناس له أهداف اقتصادية، اجتماعية، ثقافية، وسياسية تخدم جميع الشركاء وتحقق مصالحهم المادية والإنسانية المتنوعة بلا استثناء باعتبار الأرض سكن الجميع والسماء سقف هذا السكن وكل ما على هذه الأرض هو خير لكل أبنائها، وما الدولة أو النظام السياسي سوى منظـم ومنسـق ومدير لتحقيق غايات هذا المشروع على قاعدة (الوحدة والتنوع)، أي أن وحدة الناس إنما هي وسيلة لتحقيـق غاياتهم ومشاريعهم الإنسانية في إطار الضرورة (وحدة وجودهم) بالاعـتماد على تنوع أدائهم وانتمائهم الإنساني الذي يحقق هذه الغايات بعيدا عن الإقصاء والاستغناء لأن «ثروات الشعوب هي فوق أكتاف الناس وليس تحت أقدامهم» كما يقول المثل الياباني.

13 مايو 2007

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى