نحو حملة وطنية للحفاظ على معالم عدن

> د. هشام محسن السقاف:

>
د. هشام محسن السقاف
د. هشام محسن السقاف
قد لا يفقه بعض الناس الذين تطال أيديهم بالعبث والتشويه والنهب لمعالم هذه المدينة العريقة عدن وآثارها أن في ذلك اضراراً بالذاكرة والتارخ الجمعي للأمة بأسرها وأن في ذلك جريمة بحق الماضي والحاضر والمستقبل وأن من يفتعل ذلك الفعل الشنيع تحت مسمى البناء، أو بحماية الأجهزة لغرض البيع والاتجار إنما هي جـريمة -ايضـاً- لا يسقطهـا التقادم الزمني.

وقد لايجد المواطنون وجمعياتهم ومنظمات المجتمع المدني من سبل المواجهة غير البيانات والتنديد بمثل هذه الممارسات، وباللجوء إلى القضاء وإشراك المنظمات الدولية المعنية بالتراث والثقافة في حملة الرفض لطائلة العبث البربري الذي يطال جزءاً مهماً من تاريخ الأمة.. لكن وقبل كل ذلك سيوصم التاريخ هذه الأفعال القبيحة وأصحابها بالجرم المشهود، وسوف يكون صمت المسئولين والأجهزة الحكومية المعنية وفي المقدمة المجالس المحلية المنتخبة تواطؤاً ما لم تقف هذه وتلك موقفا مسئولا إزاء ما تتعرض له المعالم التاريخية والآثار وحتى جغرافية المكان، بحيث يكون التحرك عاماً وشاملاً الجميع لردع هذه الممارسات أياً يكن أصحابها، كون الحفاظ على وجه هذه المدينة التاريخي يعد عملاً جماعياً معنياً به الجميع من مواقعهم المختلفة.

إن بالإمكان، بل إن الامكانية كلها متوفرة، لأن نبني سوقاً جديداً في مدينة الشيخ عثمان وأن تجري عملية ترميم للسوق القديم بمواصفاته الحالية نفسها بوصفه معلماً تاريخياً من معالم المدينة. وهذا العمل تقوم به شعوب وأمم كثيرة على ظهر هذه البسيطة، بحيث يتجدد الماضي في الحاضر ويمتد إلى المستقبل كلما بقيت هذه الآثار والمعالم شاهدة على إرادة الأجداد في صنع تاريخ أمتهم في حقب ماضية. وكذلك الأمر بالنسبة لمبنى البلدية العتيق الذي تتردد بعض الأقوال -ونتمنى أن لا تصدق- أنه قد صرف لأحد المسئولين، ونعي جيداً أن أولئك الذين سينظرون إلى احتجاج المجتمع المدني نظرة متعالية وسيتذرعون بأنهم رسل البناء والتعمير في هذه المدينة إنما هم في الأساس حفارو قبور كبيرة تلتهم الماضي والحاضر معاً وأن صلتهم بتاريخ الأمة الجمعي ينتهي من حيث يسخرون نفوذهم لابتلاع هذا التاريخ وبالمقابل ابتلاع مزيد من المال الحرام.

إن ساعة (بيج بن) في التواهي وقد حاصرها بناء عقيم، لا ندري كيف علا واستوى في ليل بهيم، وكيف أُعطى التصريح بالبناء من لا يملك لمن لا يفهم قيمة هذا المعلم الحضاري التاريخي، وبالتالي ضاقت الأرض أمام هذا وذاك إلا أن يعتلي هذا التشويه ليغطي الساعة التاريخية أهم معلم يراه القادمون إلى المدينة من البحر، كما يراه سكان التواهي.

إن القضية برمتها أسهل من كل هذا الدمار الماحق الذي يطال المعالم واحداً تلو الآخر، إذا تحلى الذين ينقضون على الأرض وما عليها من شواهد وآثار بشيء من الوطنية وبشيء من الإحساس بالمسئولية إزاء التاريخ الذي يريدون أن يمحوه تحت نشوة الإحساس بالقوة وبريق النقود التي تعمي الابصار كما هي البصائر أيضا، بعدها يحق لنا أن نرفع الصوت عالياً إذا استمرأ هؤلاء هذا العمل التتاري المدمر لنشهد الله والوطن والإنسانية على ما يفعلون.. والله من وراء القصد.

رئيس الجمعية اليمنية للتاريخ والآثار- عدن

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى