معنى الوطن.. المرجفون في الأرض

> أحمد عمر بن فريد:

>
أحمد عمر بن فريد
أحمد عمر بن فريد
تحتفل بلادنا حالياً بالذكرى السابعة عشرة لقيام الوحدة اليمنية في زمن مازالت تصر فيه الأغلبية الساحقة ممن يملكون القرار اليوم، على مفاهيم ضيقة جداً لمعنى الوطن ولمعنى الاحتفال الوطني. فالوطن في أحسن الحالات لديهم لا يتجاوز حد (الاحتفال المشترك) في يوم وطني محدد.. يوم ترفع فيه الأعلام والشعارات والزينة والأضواء وتلقى فيه الخطب الطنانة والقصائد المجنحة، وتنفق فيه مئات الملايين من الريالات من أجل إبراز كل تلك المظاهر الزائفة التي لا تطعم جائعاً ولا تعالج مريضاً ولا تؤوي مشرداً ولا تجد فرصة عمل لشاب تسربل باليأس والإحباط وتلحف البطالة فوق رصيف الوطن الكبير.

إن الوطن في مفهوم هؤلاء هو لون واحد، ورائحة واحدة، وثقافة واحدة.. إنه التوحد في كل شيء تراه مؤسسات الحكم وتعتقد أنه صحيح وسليم. وأما التنوع فهو شر يجب محاربته. وهو تشرذم يجب لملمته وتأطيره، وهو شتات ينبغي احتواؤه وصهره في بوتقة واحدة وصبغه بلون واحد.. إنها ثقافة (التوحد) في كل شيء، وهي ثقافة بالية، لمفاهيم متخلفة قديمة، لا تدرك ولا تعي أن التنوع (نعمة وليس نقمة) وأن الخصوصيات الثقافية والدينية في هذه المحافظة أو تلك هي حضارة وتاريخ وتراث ينبغي المحافظة عليها وحمايتها من الاندثار أو الاضمحلال.

أما الوطني في مفهوم هؤلاء فهو أن توافق وتبصم بالعشر على أن كل شيء تمام، وأن تقر وتعترف بأن ما يقال رسمياً من هنا وهناك إنما هو صادر عن ضمير الوطن الحي المستيقظ وأما ما يصدر خلاف ذلك، فهو نابع بالضرورة عن ضمير (خائن - غير وطني - ومتربص بالوطن) وإن حدث فوق تراب هذا الوطن أمر جلل هنا أو هناك وقيل فيه (رأي) خلافاً لما يقال رسميا، صنف صاحب هذا الرأي، بأنه جزء لا يتجزأ من ذلك الحدث، الذي يعد بطبيعة الحال (مؤامرة خارجية) يجب استئصال شأفتها، وتطهير تراب الوطن من دنسها.. لاحظ للتدليل على صحة ما نقول تصريح مصادر من الحزب الحاكم مؤخراً بإمكانية حل حزبي اتحاد القوى الشعبية والاشتراكي!!

في هذه المناسبة الوطنية سوف نتحدث بصراحة مطلوبة بعيداً عن ترانيم المرجفين الذين يحيطون بأصحاب القرار إحاطة السوار بالمعصم، الذين يزيفون الحقائق ويتعسفونها وينتقصون من شأنها والذين تعودوا - دائماً وأبداً - على إجهاض كل ما هو جميل يمكن أن يبادر به الحاكم ويرتأي وجوب تنفيذه والانتقال إليه، كونه حاجة وطنية ضرورة وأمراً تتطلبه صيرورة العصر ومقتضيات التغيير نحو الأفضل.

سنقول في هذه المناسبة الوطنية الكبيرة إن الوضع العام لم يعد يحتمل المزيد من العبث والمكابرة والعناد، وإن هذا الزمن الذي يتقدم بسرعة نحو نهايته، لن يمنح أحداً (فرصة أخرى) إذا ما دق ناقوس الخطر في نهاية الفرصة الممنوحة.. سنقول للمرجفين في الأرض، اخرجوا من مهاجعكم وقصوركم، وانزلوا إلى مستوى أرصفة الشوارع المحملة بكتل بشرية هائلة تعاني الأمرّين، وتشخص بأبصارها في كل زاوية وفي كل ركن تقابله بحثاً عن مخرج، وتفتيشاً عن فرج لكل ما تعانيه من ضنك عيش وسوء حال.. سنقول لهؤلاء افتحوا أعينكم جيداً على كل شيء من حولكم، وحالوا أن تسألوا الضعفاء من الناس عن معنى الوطن والوطنية، ثم حالوا أن تستوعبوا هذه المفاهيم الجديدة على قواميسكم (الواحدية) الصناعة والمنشأ.

سنقول لهؤلاء.. انزلوا إلى كل محافظات الجنوب، واسألوا الناس عن حال (الوحدة الوطنية) ومعناها لديهم، واستقصوا حجم الدمار الذي خلفته مفاهيمكم الضيقة لمعنى الوحدة ولمعنى الوطن في نفوس هؤلاء وعقلياتهم.. تدبروا جيداً معنى هذه (التجمعات والجمعيات والمهرجانات والاعتصامات) ذات الوتيرة المتسارعة، وذات الجرس المتناغم والمنضبط، وافهموا دلالاتها وفحواها.. إذا كان هذا الوطن الذي تحتفون بعيده السابع عشر يهمكم أمره ومصلحته.

إن الوطن هو تلك الرقعة الجغرافية التي تقدم المواطنة المتساوية لكل أبنائها، وهي السيادة الوطنية التي تحرص على كرامة من يسير فوق ترابها، وهي المؤسسات التي تعمل على توفير سبل العيش الكريم لجميع فئات الشعب دون تمييز.. إن الوطن هو العدالة، وهو القانون النافذ الذي لا يميز بين غني أو فقير، أو بين وزير وغفير.. وما دون ذلك فلا يُعدّ وطناً، إلا لتلك الفئات المتنفذة المستفيدة من كل ذلك العبث الذي يسمونه نظاماً .. إنه وطن المرجفين في الأرض وما أكثرهم اليوم.

[email protected]

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى