ورقة مقدمة لمؤتمر جمعية علماء اليمن من د. عبد الوهاب راوح رئيس جامعة عدن .. فتنة الحوثي : المصادر الفكرية والمشروع السياسي

> «الأيام» متابعات:

> «... ثقافة حديث الغدير ، أكرر، ثقافة حديث الغدير فهم الشيعة، فهم أهل البيت لمعنى ولاية الأمر .. هو الكفيل بتحصين هذه الأمة...»

حسين بدر الدين الحوثي

محاضرة بعنوان:(حديث الولاية) ص، 8 .

1- تهدف هذه الورقة إلى معرفة مدى ما يحمله هذا التنظيم من أفكار ومقولات في الدين والثقافة والسياسة والاجتماع والاقتصاد من شأنها أن تؤسس لتجديد المسلسل التاريخي لسفك الدماء وتدمر طاقات النشء والشباب وتهدد السلام الاجتماعي ووحدة الوطن وتعيق جهود التنمية والبناء. كما تهدف هذه الورقة إلى توصيف الخطاب الفكري السياسي المضمر المحرك لهذه الفتنة وهو ما لا يزال بحاجة إلى مزيد إيضاح.

2- الإطار المرجعي للتنظيم

> يقوم هذا التنظيم على فكر جذره التاريخي دعوى الاحتكار لأحقية إدارة الأمة سياسيا وروحيا، ويعمل على استعادة هذا الاستحقاق بكل الوسائل المكيافيلية، بما فيها الوسائل المسلحة إذا لزم الأمر، بالاستناد إلى ما يوفره المبدأ الشهير في خطابه السياسي (الخروج على الحاكم المغتصب) من تبرير.

> وقد تأسس هذا التنظيم ضمن الإجابات على سؤال واحد هو (من يحكم؟ لمن الحكم؟) وليس المشكل في السؤال وإنما في الجواب عنه. وهناك جوابان مفصليان لا يمكن ان يلتقيا ( أبيض/ أسود ) هما:

1) إنه حق عام في كل أفراد الأمة .

2) إنه حق مخصوص. وهذه الخصوصية وفق تحديد أصحاب المصالح: (1- في قريش، 2- في بني هاشم، 3- في الإمام علي رضي الله عنه وفي أولاده الثلاثة: الحسن والحسين ومحمد المعروف بابن الحنفية (الذي نسبه أنصار البطنين إلى أمه تجهيلا سياسيا له)، 4- في البطنين فقط (الحسن والحسين) رضي الله عنهما، 5- في الحسينيين فقط دون الحسنيين، 6- وأخيرا ، في 12 إماما من الحسينيين أولهم الإمام علي رضي الله عنه، وآخرهم طفل (ابن أربع سنوات) مختف أو مخفي. (المهدي المنتظر)

> تحليل طبيعة الجواب

في الجواب الثاني تكمن الفتنة والسياسة ويسكن الشيطان والعنصرية والتطرف. التطرف الذي بدأ بالنخبة (في جواب القرشية) وانتهى إلى (لا إمام، إلى فكرة ، إلى أسطورة رسمية) وهذا هو خطاب الاثناعشرية - الجعفرية المبشر به اليوم. وهو ما يمثل المحرك الفكري في فتنة الحوثي في بعض جبال صعدة.

إن الجواب الثاني مكتوب بقلم وحبر سياسي بالطبع. قلم المستفيد المباشر من الجواب في أي فرع من فروع النخبة. فهو بذلك(خطاب القصر وفقه النخبة وليس خطاب الأمة)، شأنه شأن أي خطاب يؤسس به حاكم لحكمه وحكم أسرته. بدءا من أقدم خطاب سلالي في التاريخ، وانتهاء بخطابات الأيديولوجيات المعاصرة المؤسسة لمشروعية ومشروع الأنظمة السياسية الحاكمة غير الديمقراطية .

3- الوحدة والاستراتيجية المعدلة (الاثناعشرية)

> مع انتشار فضاء الشرعية الدستورية التعددية ومؤسسات المجتمع المدني وشيوع ثقافة الانتخابات، بدءا من انتخاب هيئة إدارية في مديرية وانتهاء بقمة هرم الدولة، تراجع الأمل لدى التنظيم الحوثي في استعادة المذهب حاملا لفكر الإمامة، وتراجع الأمل في استعادة أبناء الزيدية لمهام الحامل الاجتماعي لنصرتهم فكان الاتجاه نحو ما يلي:

1) اللجوء إلى الاثناعشرية وفقهها الجعفري والتنازل عن الخلفية الفقهية الزيدية أو التعامل معها كغطاء للاستهلاك والتثوير الطائفي يحجب خلفه التوجه الجعفري المرفوض لدى أبناء الزيدية وعلمائها.

2) إنشاء عصبية جديدة ممثلة في حركة «الشباب المؤمن» الجناح العسكري للاثناعشرية ليكون الجناح العسكري في الداخل لتنفيذ مشروع ( الخروج).

> لخدمة الغرض الأول تم ما يلي:

1 . نشر البلبلة بأن المذهب الزيدي تفسخ تحت تأثير الجامعات ولاختلاطه بالأفكار السنية، والعلمانية والحزبية. حسب زعم حسين الحوثي وطرح حرصهم على حماية الزيدية من الانقراض. تحت هذا الغطاء يتم إقامة تعليم مذهبي يتم نشره في أوساط الناشئة والشباب في المساجد والمجالس والمراكز التي تقع تحت إشرافهم، قصد تحويل المذهب الزيدي إلى حامل ومسوق للمذهب الجعفري.

2. افتتاح المدارس والمراكز والمؤسسات الثقافية في الأمانة وبعض المدن وذلك في سياق إنشاء المؤسسات الشيعية الجعفرية في العالم المشار إليها أيضا في صفحة موقع مركز الأبحاث العقائدية.

3 . فتح عشرات المدارس والمراكز العلنية والسرية وحلقات التعليم في المساجد والمنازل في العاصمة وبعض المحافظات، وتحقين المستهدفين من الناشئة بما يجعلهم أشبه بمواد أولية لتنظيمات ذهنية تصبح وقودا للفتن فيما بعد.

4 . استقطاب بعض الشباب ليكونوا طلائع للجعفرية الذين تصفهم أدبياتها بـ (المستبصرين) لتحولهم من المذهب الزيدي إلى المذهب الجعفري ( ويطلق هذا المصطلح على كل من يتحول من مذهبه إلى الجعفري).

5 . الاحتفالات المسلحة بيوم الغدير ومناسبات عاشوراء وكربلاء وذكرى استشهاد الإمام علي رضي الله عنه، واختلاق المناسبات والمراثي والمآتم التي لا تنقطع على مدار العام، بما يحقق الانشداد الواعي نحو الماضي وتوظيفه بتثويره لخدمة الحاضر. حيث يقول بعض المستبصرين من أنصار الحوثي : «ومن أهم الأسس التي يجب التركيز عليها باعتقادي النشر الصوتي عبر توفير الكاسيت والوسيلة الأخرى والأهم الشعائر الحسينية أن نركز على مؤسسات الشعائر الحسينية التي تستقطب الناس من مختلف المستويات والشرائح إذ رأينا حتى حملة الشهادات العليا وكبار المثقفين يخضعون عاطفيا أكثر منه عقليا فالأمور العاطفية مهمة وتلعب دورا في تغيير الكثير من تصورات الإنسان. وأن نركز على إنشاء مؤسسات تقيم الحوار المباشر مع أكثر من جهة.. ولا تنسى دور الكتاب في التبليغ أيضا ووسائل الإعلام الحديثة كالانترنيت وغيره».

***

4- بنية خطاب الحوثي

> يقوم خطاب الحوثي على المحاور الأربعة الآتية وما دونها آليات مساعدة:

المحور الأول: توجيه الشباب نحو جبهتين:

1 . الادعاء بتخليص الزيدية، حسب زعمه، من الوضع المنهار الذي لحقها بعد تخليها عن آل البيت، والتأكيد على «أن عزها أو ضعفها بين الطوائف مرتبط بولائها لآل البيت أو عدمه، طال الزمان أو قصر» حسب زعمه.

2 . التأكيد على تفسخ المذهب تحت تأثير السنية والجامعات.

المحور الثاني يتجه نحو ضرب السلام الاجتماعي بين أبناء الشعب اليمني كما سيأتي.

المحور الثالث: حجب الشباب عن مؤثرين:

1 . حجب الشباب عن الأسرة والمجتمع والمحيط العام، من خلال التوعية بأن الآباء والزيدية مقصرون في حب آل البيت «فضاعوا طائفة وضاعوا دينا» حسب قوله وذلك من خلال إصدار فتاوى البراءة ممن لا يوالون آل البيت بدءا من الأسرة وانتهاء بالمجتمع.

2 . حجب مدارك الشباب عن كل ما جاءت به الجمهورية والوحدة من مكاسب عليا اجتماعية وثقافية وسياسية وتنموية.... الخ من خلال تسويد كل لون وتحويل القيم الدستورية إلى اختلالات دينية ومظاهر لمؤامرات يهودية ـ اميركية.

المحور الرابع: الغطاء السياسي ممثلا في رفع شعار جهاد أميركا واليهود بقصد خلط الأوراق وكسب ثقة الشارع .

من حديثه في خدمة المحور الأول:

الضرب على وتر الطائفية والمذهبية والعرقية وتنصيب نفسه وصيا على الزيدية. ففي جميع محاضراته وخطاباته يوجه خطابه حصرا إلى الزيدية وليس إلى جميع اليمنيين.

يقول في ذلك:

«نحن الزيدية إذا لم نصل إلى القناعة بالثقلين وان نتحرك في إطار الثقلين فسنظل أخذل الأمة وأضعف الأمة. أتعرفون الآن أننا أضعف طائفة وأننا الآن أقل الطوائف أم لا؟».

(محاضرة، الدرس الأول سورة آل عمران 8 / 1 / 2002 . ص 14)

ويقول: «الزيدية يلعب بهم مدير مدرسة أو محافظ أو سائق أو مدير ناحية أو حاكم أو عسكري وضعية سيئة جدا لماذا ليس لأن أولئك لديهم الحق وإنما أضاعوا المسئولية».

(نفسه ص 14)

ويقول : «ألسنا نحن الزيدية تحت أقدام السنية ؟».

( نفسه ص 14)

ويفسر ذلك بقوله : «لأننا من يتنكر لأهل البيت عليهم السلام ولم نؤمن بعد بحديث الثقلين (كتاب الله وعترتي)».

ويقول: «نحن متى لم نؤمن بالثقلين فسنظل أذلاء وليطل الزمان ما طال ولن نحظ بعزة ولا بقوة ولا بتمكن».

( نفسه ، ص 14)

ويقول : «نحن الزيدية سكتنا قرونا حول قضية أبي بكر وعمر مراعاة لمشاعر السنية وتهيئة للأجواء أن كان هناك فرصة للتوحد معهم».

ويرى أن هؤلاء الآخرين (يقصد السنة) لم يراعوا مشاعر الزيدية . ثم يسرد مظاهر عدم المراعاة بما يلي:

«قدموا لأبناء الزيدية أبا بكر وعمر كخلفاء وجعلوا الإمام علي رقم أربعة. وزادوا أنهم قدموهم بألقاب الصديق والفاروق فسكتنا فقدموا معاوية ويزيد ثم قدموا عائشة ومعاوية ويزيد وعمرو بن العاص وأبا موسى الأشعري والمغيرة بن شعبة».

«أصبح التأمين يرن في مساجد صنعاء وصعدة ... وهي الحالة التي وصفها بعض المستمعين - حسب قوله- بالفتوحات ولم يرعوا مشاعرنا في مساجدنا وفي بلداننا ».

«إنهم سيفرضون علينا أن ننزل الإمام علي عليه السلام رقم أربعة وان ننزل سيدة نساء العالمين ونطلع عائشة التي يسمونها الصديقة بنت الصديق».

«يجرعون أبناءكم أبناء أبنائكم جرعات مركزة من الولاء الخاص لأبي بكر وعمر وعثمان وعائشة ... هاهم يعملون على طمس فضل الإمام علي عليه السلام».

ثم يعرض أسباب هذا التحول بأنه «خروج الدولة من أيديهم» وأن الدولة «أصبحت دولتهم».

5 . الأسس العامة للمشروع السياسي

> يقوم المشروع السياسي للفتنة على قاعدة (الخروج) ضد الدولة المغتصبة للحق الإلهي الممنوح له في حديث الغدير، وهي القاعدة السياسية المعروفة التي غطاها وعراها المرحوم الزبيري في كتابه القيم «الإمامة وخطرها على وحدة اليمن» . وحتى لا يصطدم بالرأي العام بكشف مستور الدعوة كان طرح غطاء أن هذه الدولة «كغيرها من الدول دجنت الأمة لليهود وأميركا».

يقول الحوثي، بعد أن يلعن كل صوت في تاريخ الإسلام عمل على تدجين الأمة لكل حكام الجور:«انظروا ماذا تركت أصواتكم يوم كنتم تقولون : يجب طاعة الظالم لا يجوز الخروج على الظالم ... سيحصل شق في عصا المسلمين...».

( محاضرة بعنوان، الصرخة في وجه المستكبرين، ص،17)

ويقول: «ثقافة حديث الغدير ، أكرر ثقافة حديث الغدير ، فهم الشيعة فهم أهل البيت لمعنى ولاية الأمر ... هو الكفيل بتحصين هذه الأمة...».

(محاضرة بعنوان حديث الولاية ص 8 ، 9)

وبذلك يتحدد الهدف من تكثيف التخويف من أميركا في محاضراته حين يوهم مستمعيه والناشئة من الشباب بأن أميركا تعتبر كل من في بيته كتاب من كتب آل البيت إرهابيا ولو كان في بيته حيث يقول:

«ستكون أنت إرهابي داخل بيتك لأن في بيتك كتاب إرهابي لديهم هو القرآن. لا زال في بيتك أنت أيها الزيدي كتب هي من وجهة نظر أميركا في أول قائمة الكتب الإرهابية: كتب أهل البيت عليهم السلام».

( نفسه ص 10)

1 . التشكيك بجدوى الوحدة

يقول في ذلك :«إن هؤلاء ( يعني السنية) لا يقبلونك إطلاقا ولو كان على يديك سيتم فتح القدس ما لم تنزل هذا وتطلع هذا» ( نفسه ، ص 4)

يقصد كما في سياق الحديث: ما لم تطلع أبا بكر وعمر رضي الله عنهما وتنزل الإمام علي رضي الله عنه.

ويقول : «الشيعة في تاريخهم الطويل كانوا هم أكثر الطوائف حرصا على تهيئة الأجواء للتوحد مع الآخرين ولكن الآخرون ليس لديهم ذرة من حرص على أن يتوحدوا مع الشيعة .. أو يحملوا ذرة احترام للشيعة».

> ويرجع رفض الوحدة في خطاب الحوثي الموجه إلى أبناء الزيدية وحدهم إلى معرفته برفض السنة لثقافة الغدير من ناحية ولكون مشروع الاستعادة أصبح صعبا لكبر اليمن الأرض والإنسان.

2 . رفض الدستور والمؤسسات الدستورية

التوعية بان «القانون والدستور بديل عن كلمة شريعة الله»

(محاضرة بعنوان ، معرفة الله وعده ووعيده 4/ 2 /2002ص10) :

ويقول مستهزئا بمن يحترم القانون: «امش على القانون.. يا أخي التزم بالقانون.. يجب جميعا أن نلتزم بالقانون ... في اليمن بدأنا نروض أنفسنا على استخدام كلمة قانون وقوانين ودستور ودساتير ... وهذا ما يمهد لإبعاد الناس عن القرآن ... قانون السلطة المحلية قانون كذا إلى آخره ... فإذا قيل لنا يوما من الأيام القرآن إرهابي ....نرى أنفسنا في الأخير لا حاجة بنا لهذا القرآن. الدساتير فيها الكفاية. القوانين فيها الكفاية».

( نفسه، ص 10.)

ثم يختم حديثه بقوله:«هذا كله من عملية ترويض الأمة من جانب أعداء الله على إبعادهم عن الدين قليلا قليلا».

( نفسه، ص 10)

3 . رفض الديمقراطية والمؤسسات الدستورية

لكون الديمقراطية تتعارض ومقولة الاختيار الإلهي للحاكم، يعلن حسين الحوثي في محاضراته المطبوعة:«مفهومنا لولاية الأمر هو وحده الذي يمكن ان يحصن الأمة من ان يلي أمرها اليهود، أما المفاهيم الأخرى من يقول : أطع الأمير وان قصم ظهرك فإن هذا مما يهيئ الأمة لان يلي أمرها اليهود... بل ان الديمقراطية غير قادرة على ان تحمينا... لان الديمقراطية أولا هي من صنعتهم ثانيا هي نظام هش ليس لديها معايير ولا مقاييس مستمدة من ثقافة هذه الأمة ومن دينها...الديمقراطية تقوم على اعتبار المواطنة وأمامك مواطن يهودي وسيكون الدستور بالشكل الذي لا يجعل هناك أي اعتبار لمعايير مستمدة من دين هذه الأمة... وإنما فقط يجب ان يكون من يلي أمر هذا الإقليم مواطن حاصل على البطاقة الشخصية وألا يكون قد صدر بحقه حكم يخل بشرفه وألا يقل عمره عن أربعين سنة. هذه المعايير أليست تصدق على اليهودي والمسلم؟...».

(محاضرة بعنوان حديث الولاية ص 8 ، 9)

4 . إصلاح الخلل في العالم الذي أفسده أبو بكر وعمر من خلال العودة إلى ما قبل سقيفة بني ساعدة.

يقول في كثير من محاضراته إن هذا العالم «مسخ صورته أبو بكر وعمر، وعمر بالذات هو مهندس هذا الخلل في العالم الذي نحن فيه. وجه العالم الآن هو وجه أبي بكر وعمر فعلا ليس عالم محمد، ليس عالم الإسلام، ليس عالم الإمام علي.. ولا يمكن إصلاحه إلا بالعودة إلى بداية الطريق.. والبداية عصر الرسول الذي نحن في حاجة ماسة إليه ..لأن من أخطأ الطريق عليه أن يعود إلى بدايتها. والبداية ما قبل سقيفة بني ساعدة ».

بهذه البساطة والاستخفاف بمستمعيه يلغي تجربة الحضارة الإسلامية منذ موت الرسول صلى الله عليه وسلم حتى اليوم، بل يمسح تجربة الأئمة آل البيت في اليمن، متناسيا أن وجه اليمن هو وجههم لأكثر من ألف عام ( 284 هجرية ـ 1962 م) وليس وجه عمر ولا وجه أبي بكر. ومع ذلك يدعو لاستئناف الولاء والاهتداء بوجوه (العترة) ثم نستمر على هذا الولاء إلى يوم اللقاء برسول الله صلى الله عليه وسلم على الحوض، تنفيذا لما جاء في حديث الثقلين ( = القرآن والعترة) ولا فضل في ذلك ، كونه أمرا من الدين، حسب فتواه، وليس مطلبا شيعيا حيث يقول:«إن الشيعة لم يأتوا بجديد أكثر مما قاله كتــاب الله وأكثر مما قاله الرسول يوم الغدير ...».

( حديث الولاية ، محاضرة مطبوعة ألقيت بتاريخ 18 ذي الحجة 1423)

6 . خطورة التنظيم الحوثي

لا يستنكف هذا التنظيم عن الخروج على المذهب الزيدي حيثما غدا حسب زعمه غير مأمول بحمل غطاء مشروعه السياسي، وحيثما غدت علاقته النفعية بالمذهب لم تعد قائمة.

لا يستنكف هذا التنظيم عن ضرب السلام الاجتماعي (وهو من أثمن المكاسب التي حققتها الثورة والوحدة ) وذلك بإحياء السياسة النمطية المأثورة الجاهزة: سياسة اعتماد الطائفية المذهبية، والانطلاق من الصغائر كما في الحسرة من انتشار (آمين) في مساجد (ديارنا) حسب قوله.

إن هذا التوجه الجعفري المتنامي سيؤدي إلى تنامي الانشقاق داخل الأسرة اليمنية وإلى مزيد من سفك الدماء وإحياء الملل والنحل وإيجاد الأسواق السوداء ، بما يهدد وحدة الإنسان اليمني ... ويعزز من مقولة المرحوم الزبيري التي ضمنها عنوانا لكتابه الشهير « الإمامة وخطرها على وحدة اليمن» .. خطرها على يمن ما قبل الوحدة وعلى يمن ما بعدها. وبما يعني أيضا انه إذا كان هناك من تهديد لوحدة اليمن، طال الزمان أو قصر، فإنه لن يأتي ميلاده وحضانته إلا من هذا الرحم وهذا المحضن.

7 . المقترحات

وانطلاقا من كون المشكل مشكلا سياسيا ذا طبيعة فكرية فإن التصدي له لن يكون ناجعا الا إذا كان من طبيعته حيث إن الفكرة لا تنسحب ولا تستسلم الا لفكرة بما يعني ان جمعية علماء اليمن ومؤسسات الفكر والتعليم والثقافة عليها ان تقوم بحمل أمانة المسئولية تجاه خطاب الفتنة وهو ما عناه وأكد عليه فخامة الأخ الرئيس علي عبد الله صالح، حفظه الله، في اعتماد نهج الحوار وعدم اللجوء إلى السلاح إلا حين تفقد الكلمة الطيبة وظيفتها. انطلاقا من ذلك أقترح على مشايخنا الأجلاء في جمعية علماء اليمن ما يلي: 1- إصدار فتوى بتجريم هذا التمرد واعتباره فسادا في الأرض وإهلاكا للحرث والنسل، ومنكرا واجب المحاربة بالحوار والسلاح إذا اقتضى الأمر.

2- اعتبار التمرد خروجا عن الصف ورفضا لما استقرت عليه الأمة من مبادئ ومؤسسات دستورية وتشريعات ونظم تنظم العلاقة بين الحاكم والشعب.

3- تأييد الحكومة في جهودها المسئولة والمبذولة الرامية إلى إخماد نيران هذا التمرد.

4- مراجعة الخلفية الفكرية لهذه الفتنة وما تسببه من ازدواج مرجعي حول مصدر مشروعية الحاكم بين (الوصية، واختيار الأمة) بما يساعد على تجفيف المصادر الفكرية التي تعيد بين حين وآخر إنتاج نفس الفتنة وإيقاظها وبنفس أدواتها وخطبتها.

5- وضع خطة لحماية النشء المغرر بهم تحت ما يعرف بـ « الشباب المؤمن » ذات أبعاد فكرية وحوارية.

6- تنظيم مسئولية الفتيا، وذلك من خلال عقد ملتقى فكري تنظمه وزارة الأوقاف والإرشاد وجمعية علماء اليمن يضم المتخصصين والعلماء، للخروج برؤية تنظم الإشكاليتين التاليتين:

أ) ظاهرة شيوع الجرأة في ( الفتيا والإفتاء) بحيث يتم تنظيم وتعميم فقه الفتيا المبرأ من المصالح والهوى. وتأتي أهمية الانتباه إلى خطورة سلاح الفتيا ،حين تنحرف، في الاستقطاب والتوجيه السياسي والرباطي والمنفعي غالبا، بما يدمر الذات ويدمر الحياة والأبرياء. فالسادات وفرج فودة وجار الله عمر... شهداء وشهود على خطورة الفتيا حين تصدر عن مؤسسات متطرفة .

ب) ظاهرة شيوع الجرأة على ( الدعوة) وحمايتها من الابتذال و ( النجومية) إن جاز التعبير، وذلك بمراجعة التعامل مع المصطلحات الشرعية وفق مضامين الشريعة وسياقاتها القرآنية والنبوية، وهي مصطلحات (الدعوة والداعية والجهاد والمجاهد والحسبة والمحتسب والفتيا والمفتي) بما أحال رسالة الدعوة إلى أغطية تخفي تحتها مصالح مضمرة و أحال المعارف إلى مجالات ومراكز نفوذ . فهناك لدى مسلمي العجم والشيعة ( الآيات العظمى والآيات دون العظمى والملالي والمراجع...) وعند المسلمين السنة نجد ( الداعية وشيخ السلفيين والإمام والمرشد العام وأمير الجماعة) فتم إنشاء طائفية معرفية تتحول مع المدى إلى هوية صغرى لأصحابها، بما جعل معارفنا ظاهرها معرفة وباطنها سياسة فأفسدنا المعرفة والسياسة معا. وليس لذلك ما يبرره في فترة التعددية السياسية وحرية التفكير والتعبير.

> كما اقترح على الجهات المعنية بالحكومة ما يلي:

2. إغلاق المؤسسات الثقافية التي تروج وتسوق للطائفية والمذهبية في كل المدن اليمنية وتعقب مصادر تمويلها، وسحب التصاريح الممنوحة لها إن وجدت.

3. إقامة الحوار مع من يعرفون بالمستبصرين ( = المتحولين من الزيدية إلى الجعفرية) وحماية الناشئة والشباب والعامة من تأثيراتهم ، مع الاستعانة بتدخل العقلاء من أفراد أسرهم.

4- مراجعة التشريعات المنظمة لوظيفة الدولة في رعاية ورقابة وتنظيم المؤسسات والمنظمات الخيرية غير الحكومية، بما يجنبها الانزلاقات السياسية وينأى بها عن الأغراض النبيلة التي أنشئت من أجلها ويجنبها أن تكون منابت ومشاتل خصبة لاستزراع الفتن.

5- دعم جهود وزارة التعليم العالي بتوحيد جهات الإيفاد المتعددة في وزارة التعليم العالي وبمخاطبة السفارات بحظر أي تنسيق أو ابتعاث للطلبة يتم عبرها مباشرة وخارج إشراف وموافقة وعلم الوزارة.

6- تكليف وزارة الثقافة بتحديث التشريعات المنظمة لإنشاء المنظمات والمؤسسات الفكرية والثقافية غير الحكومية في إطار السياسة العامة للدولة.

7- تكليف وزاراتي: الثقافة، والشباب والرياضة بتنظيم وانتظام الأنشطة الثقافية التي تجسد الولاء للوطن في إطار استراتيجية عامة للشباب، ونشر المكاتب للأطفال في بعض الأندية والمراكز الشبابية.

> وفيما يخص الجامعات اليمنية ومؤسسات الفكر والرأي أقترح ان تقوم بإعداد الخطط السنوية لعقد الندوات والفعاليات المتميزة حول ما يلي:

1- موروث المذهبية وخلفياتها المصالحية وبيان جناياتها على الحياة العقلية و مدى إسهامها في إعاقة المعرفة وفي ركود الحضارة الإسلامية.

2- نشر ثقافة الحقوق المدنية وحقوق الإنسان.

3- بيان التحولات الايجابية التي تمت في وظيفة الدولة عقب الوحدة وفي مجال الحكم الرشيد.

4- إقامة الندوات الخاصة بنشر ثقافة الحوار والتسامح وقبول الآخر.

8- التمرد وحكمة الأخ الرئيس

> على ضوء ما تقدم، وانطلاقا من أمانة المسئولية الدستورية والوطنية ومع معرفته بوجود أصابع خفية خارجية تغذي هذه الفئة الباغية تعامل فخامة الأخ الرئيس علي عبد الله صالح، حفظه الله، مع هذه الفتنة بكل حزم ومسئولية وعقلانية. فقدم الحوار، ووجه علماء اليمن للحوار مع الشباب المغرر بهم فرفضوا أي حوار مكتفين بإجابة واحدة : «اسألوا سيدي حسين» كما أصدر العفو عنهم فعاد بعضهم إلى صفوف الفتنة. كما أشرك المؤسسات الدستورية بإبداء رأيها ومشورتها وكذا رجال الرأي والمؤسسات الحقوقية والمدنية بحيث لم يترك سبيلا إلى درء الفتنة وحقن الدماء الا سلكه وأخذ به..ويرجع عدم جدوى كل محاولات الصلح والمساعي الحميدة إلى طبيعة مشكلة الفتنة المتمثلة في سعي محركيها إلى تحقيق وهم اسمه «استرجاع حق مغتصب !!» وعودة إلى ما قبل (سقيفة بني ساعدة).

> واليوم تأتي هذه الكوكبة من علماء اليمن وعقلائها في إطار مبادرة من (جمعية علماء اليمن) لتقف أمام مجريات هذه الفتنة الجاهلة التي أهلكت الحرث والنسل في بعض مناطق هذه المحافظة السبتمبرية والوحدوية لتقول كلمتها المعلنة والواضحة والمسئولة، انطلاقا مما تقتضيه مشروعية الامر بالمعروف والنهي عن المنكر درءا للفساد وحقنا للدماء، لا لشيء مما يختلف عادة حوله، للأسف ! وإنما سعي نٍحو تحقيق مطامح مريضة ومناطحة شوامخ وثوابت أمة. وصدق الشاعر العربي حيث يقول:

كناطح صخرة يوما ليوهنها

فما استطاع وأوهى قرنه الوعل

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى