الاستثمار.. والنوافذ المفتوحة

> أحمد عمر بن فريد:

>
أحمد عمر بن فريد
أحمد عمر بن فريد
يبدو لي أن مهمة الحكومة ستكون شاقة وعسيرة، إذا ما أرادت أن تحول مصطلح «النافذة الواحدة» إلى فعل يلمسه المستثمر ويشاهده أمام عينيه مع كل مشروع استثماري قدر له أن يحط رحاله في اليمن، إذ يبدو أن تراكمات الماضي التي باتت قوانين «غير مرئية» قد ترسخت حتى في العقل الباطن لدى «جيش جرار» من موظفي الدولة على مختلف مستوياتهم وتصنيفاتهم .. وهي قوانين صارمة ومتجذرة في السلوك والممارسة لدى هؤلاء جميعا، ومن الصعوبة بمكان استئصالها واقتلاع جذورها بقرار سياسي أو توجه اقتصادي حتمي، والأخطر من كل هذا أن هذه القوانين الخفية، تتناقض بشكل مطلق مع جميع قوانين ومقتضيات «النافذة الواحدة» ولا تتفق معها ولا يمكن أن تلتقي بها تحت أي مبرر أو غطاء، وعلى هذا الأساس فإن الواقع سيشهد صراعا كبيرا ما بين هذه (النافذة اليتيمة) ومجموع النوافذ (المتنفذة) والمنتشرة في أكثر من محافظة ومؤسسة حكومية.

ففي ظرف أسبوع واحد فقط، جاء إلى مكتبي أربعة مستثمرين محليين، يحمل كل واحد منهم ملفا ضخما، مُلئ بالأوراق والمراسلات والوثائق والأحكام القضائية والتقارير الإدارية، التي تعطي الانطباع الأكيد أن فكرة «النافذة الواحدة» تبدو مجرد حلم جميل ولكنه بعيد المنال، كما أن كثرة «الشخبطة» من هذا المسئول أو ذاك فوق هذه الوثيقة أو تلك تؤكد أيضا أن «النوافذ المتعددة المفتوحة» هي سيدة الموقف حتى الآن على أقل تقدير، كما أن هذه النوافذ الكثيرة، غالبا ما تنتهي بهذا المستثمر المسكين إلى محطة «اللا شيء».

فإذا ما تفحصت هذه الملفات الضخمة المحملة بأوراق وأحكام (الظلم والباطل والطغيان) ستشعر بالرثاء والتعاطف الكبير مع هؤلاء المستثمرين الطيبين، وسترى الحنق والغضب واليأس ينبع في لحظة واحدة من بين أعينهم ومن بين ملفاتهم المثقلة بأوراقها الكثيرة، وستدرك بسهولة تامة أن الانتهازية واستغلال الوظيفة الإدارية بات هو الاستثمار الحقيقي لدى هؤلاء، وأن مثل هؤلاء الرجال الذين قدموا إلى بلدهم بغرض الاستثمار لم يكونوا في واقع الحال سوى «طرائد سمينة» يتم اصطيادها في غابات واسعة تسودها الفوضى وتحكمها قوانين الجشع والتسلط والطمع اللا محدود.

أحد هؤلاء المستثمرين - على سبيل المثال - اشترى قطعة أرض مساحتها (973) مترا مربعا، من أحد الذين أمطرت عليهم السماء برزقها ذات يوم عام 2002م، حينما قررت (الدولة) أن تهبه هذه الأرض مجانا (لوجه الله الكريم) باعتباره غريب الدار عن عدن .. ولكنه، وبطريقته الخاصة استطاع على طريقة (الاقتباس) ضم مساحة أخرى جعلت من مساحة هذه القطة المجانية ترتفع إلى (1230) مترا مربعا، ثم حصل بعد ذلك على كافة الأوراق (الحكومية) الرسمية من تراخيص بناء ووثائق تمليك، قبل أن يبيعها على صاحبنا المستثمر (اليافعي) الذي قدم من حيث هو مغترب، فاشتراها بمبلغ (52) مليون ريال يمني، وتأكيدا لحقه في البناء فوق هذه الأرض، استخرج هو الآخر (كافة) تراخيص البناء ومستلزماتها وأختامها الكثيرة، ثم (رمى) أساس بناء مشروع اقتصادي (نوعي) بما يعادل (250) طن حديد بقيمة (21) مليون ريال .. وفي هذه المرحلة تدخلت السلطات في عدن، وقامت بإيقاف البناء على أساس أنه لا يحق له البناء إلا في المساحة السابقة وهي (973) مترا مربعا، باعتبار المتبقي من المساحة أرضا عامة تخص الدولة!

إذا كانت الدولة لها حق تدعيه، وتملك سلطة وقوة تنفيذية تم بموجبها منع هذا المستثمر من البناء بهذه الحجة، التي يمكن قبولها (جدلا)، فكيف إذاً لهذه الدولة بمؤسساتها ومكاتبها إجازة وإصدار تراخيص البناء لهذا المستثمر والذي على أساسه قام بعملية البناء تلك؟!! ألا تعتبر مؤسسات الدولة (كلاً لا يتجزأ)؟ أوليس يمكن اعتبار التصريح الصادر من هذه الإدارة أو تلك تصريحا (رسميا - ملزما) ومعترفاً به في بقية مؤسسات الدولة؟ ويمكن - وعلى أساسه - اتخاذ قرار الاستثمار وضخ الأموال على الأرض .. أم أن لكل جهة حكومية سلطة تتناقض مع سلطة الإدارة الأخرى!! ... ترى ما ذنب هذا المستثمر في هذه الحالة وقد منع منعا (قاطعا مانعا) من مواصلة البناء وقد خسر ما خسر؟ ... من هو المسئول عن تلك الخسائر المادية والمعنوية التي تكبدها الرجل في مشواره الطويل هذا .. وكيف يمكن تعويضه؟ وقد قرر الرحيل إلى (تركيا) لتنفيذ مشروع استثماري ضخم مع شركاء آخرين قال إنه سيهدي إليهم ملف عذابه في بلاده تأكيدا منه على وجود قانون النافذة الواحدة الذي قيل في مؤتمر فرص الاستثمار إنه سيكون عونا ومخرجا للمستثمرين من النهب والسلب والابتزاز.

[email protected]

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى