عمرالشريف:الديموقراطية لا تصلح معنا

> «الأيام» عن مجلة «نيوزويك» :

>
عمر الشريف مع حفيده عمر
عمر الشريف مع حفيده عمر
يبدو كشاب في عقده الثامن: ذاكرة قوية لا تخون صاحبها، حيوية تجعل من مشيب رأسه وثلجية لحيته مثل «نكتة»، استمتاع تام بكل ثانية عمره. فيما يتعانق رذاذ البحر الأبيض المتوسط مع نسمة ربيعية منعشة على وجوه أهل الإسكندرية في مصر احتفل الفنان العالمي (المصري المولد) بعيد ميلاده الـ 75: يحكي ويضحك ويغني، يأكل ويشرب، ينحني ليقبل هذه ويشب ليداعب أحد زملائه الفنانين الذين شاركوه الاحتفال بالمناسبة. ميشيل شلهوب، سابقاً، عمر الشريف حالياً، ينتمي إلى أسرة لبنانية حطت رحالها في مصر منذ نحو قرن. والده الذي كان تاجراً للأخشاب، أدخل ابنه مدرسة فيكتوريا التي كانت تضم أبناء الصفوة والأثرياء. وهناك قابل مكتشفه السينمائي المخرج المصري يوسف شاهين. قدمه شاهين في عدة أعمال سينمائية أطلقت شهرته، ثم التقطته السينما العالمية في «لورنس العرب» و«دكتور زيفاغو»، ليبدأ مشواره مع النجومية، وليهاجر من مصر حيث استقر في فرنسا معظم الأوقات. نفى عمر الشريف نفسه- اختياريا- عن زيارة مصر في عهد الرئيس المصري الراحل جمال عبدالناصر، ثم التقاه خلفه الرئيس المصري الراحل أنور السادات في حفلة بالبيت الأبيض، في عهد الرئيس الأسبق جيرالد فورد، وطلب منه العودة إلى بلده مصر فعاد، وقدم خلال هذه الفترة وحتى الآن أربعة أفلام مصرية.

غاب عمر الشريف مرة أخرى ثم عاد في شهر مارس الماضي ليقوم ببطولة أول مسلسل تلفزيوني مصري له. هنا بدأت المشاكل: يسرا وميرفت أمين وفنانات مصريات أخريات رفضن المشاركة في العمل، رغم أن بطله عمر الشريف ويطمح الكثير والكثيرات من النجوم والنجمات المحليين في الوقت أمام الكاميرا معه. لماذا؟ لان مخرجة المسلسل إيناس بكر، وهي مديرة أعمال الشريف في مصر، ليس لها سابقة في العمل بالإخراج التلفزيوني والسينمائي، وبالتالي- من وجهة نظر الرافضين- فإن العمل معها سيكون مغامرة غير محسوبة العواقب، وربما تضر باسم الشريف نفسه، المنحاز لها بقوة.

حسن عبدالله من نيوزويك العربية التقى الفنان العالمي أثناء تصوير المسلسل بالإسنكدرية في مصر وكان هذا الحوار:

حسن عبدالله، هل تنوي الاستقرار في القاهرة؟

عمر الشريف: طوال حياتي لم أشتر بيتاً أو شقة في أي مكان، وإنما خصص لي ابني طارق حجرة مع حمام في بيته بالقاهرة، حيث أقضي معظم الشتاء معه هو وزوجته وحفيدي كارم الذي لم يتجاوز عامه الثامن.

وفي الصيف يأتي إلي طارق وأسرته، فنقضي معاً إجازة طويلة على الشاطئ الغربي لفرنسا، ويلحق بنا كذلك حفيدي الكبير عمر الذي يعيش في كندا مع أسرته.

< هناك حديث عن قيامك ببطولة فيلم مصري جديد بعنوان «ظل رجل»؟

لو انتهيت من مسلسل «حنان وحنين» قبل نهاية شهر يونيو هذا العام، فهناك احتمال أن أعمل في هذا الفيلم، لكن تأخر العمل بالمسلسل، فسأعتدر عن الفيلم، لأنني أقضي الصيف في فرنسا مع أسرتي منذ 40 سنة، ولا أعمل طوال هذه الفترة.

< ألا ترى أنك غامرت باسمك وتاريخك عندما قبلت تقديم أول مسلسل تلفزيوني مصري لك مع مخرجة هذا هو العمل الأول لها؟

- هذه مخرجة عبقرية، لكنها قاست كثيراً في حياتها، وهو ما أخرها عن زملائها وزميلاتها. لن أتحدث عن تفاصيل معاناتها، لكنني أعتقد أنها أفضل مخرجة في مجالها الآن.

< الكثير من الممثلين والممثلات اعتذروا عن العمل في المسلسل معك لأنها مبتدئة، وبعضهم قال إنها مديرة أعمالك في مصر تقريباً.

- الممثلون اعتذروا لأنهم كانوا مرتبطين بأعمال أخرى. أعمل مع المخرجة المصرية إيناس بكر منذ أن عدت إلى العمل في مصر، أي منذ أكثر من ربع قرن، والأفلام الاربعة التي قدمتها منذ عام 1982 كانت إيناس معي تحفظني وتعلمني النطق السليم، وتساعدني في كل شيء. إيناس صديقتي وتعرف كل شيء عني..

مشاعري قصة حياتي في الداخل والخارج، وتصل إلى أعماقي بسرعة. فكرنا، أنا وهي، في تقديم سهرتين تلفزيونيتين ثم تطورت الفكرة إلى مسلسل من حلقات تقوم إيناس بإخراجه وكتابته.

< يبدو أن قصة المسلسل مستمد من حياتك الشخصية.

-هذا صحيح. فالمسلسل بطله مهندس مصري ينتمي إلى الإسكندرية، نجح في أمريكا وأنجب بنتاً، واكتسب شهرة كبيرة، لكنه خشي كشرقي على ابنته من أسلوب الحياة الغربية، وامتلا بالحنين إلى بلده، فقرر العودة مع أسرته إلى مصر. بطل المسلسل كان قد خصص غرفة في بيته بأمريكا، وكتب عليها لافتة اسمها «مصر» كان يلتقي فيها أصدقاءه، ويستمعون إلى أشعار شاعر العامية المصري الراحل صلاح جاهين، وأغاني المطربة المصرية الشهيرة أم كلثوم، ويأكلون الوجبات المصرية. أنا أشبه هذا «المهندس» في كثير مما يفعل. هذا المسلسل سيكون آخر عمل لي باللغة العربية. أردت أن أودع جمهوري المصري والعربي بعمل يصل إلى البيوت وإلى كل أفراد الأسرة، ويكون نظيفاً تماماً، وأتمنى أن تجتمع العائلات العربية حوله في شهر رمضان المقبل.

< لماذا الاعتزال؟

- أريد أن أتفرغ لأسرتي وحفيدي..أن أعيش ما تبقى لي من عمر بهدوء.. ربما أعتزل الفن كله.

< احتفلت الشهر الماضي بعيد ميلادك الـ 75 . ماذا تخطط بعد ذلك؟

-لا أخطط لحياتي. أعيش يوماً بيوم وثانية بثانية. طردت الماضي من ذاكرتي. ولا أنتظر أي شيء له علاقة بالمستقبل. هذه الدقيقة أتحدث إليك، وبعدها أتناول عشائي ثم أنظر إلى البحر من شرفة غرفتي بالفندق، كل تركيزي هذه الأيام في مسلسل «حنان وحنين».

< ألمح نزعة إيمانية واستسلامية تسيطر عليك.. هل هي حكمة السنين الـ75، أم ماذا؟

-عشت الـ29 عاماً الأولى من حياتي في مصر. سكنتني مصر بسماحتها وإيمانها البسيط. خرجت بعدها إلى العالم من خلال فيلم «لورنس العرب» وترشحت للأوسكار وحصلت على عشرات الجوائز، وقمت ببطولة الكثير من الأفلام، وعندما كبرت ولم أعد نجماً قررت العودة إلى مصر لعلي أساهم في حل بعض المشكلات، من خلال معالجتها سينمائياً وتلفزيونياً.

< هل هجرتك السينما العالمية؟

- كل فنان يأخذ دوره في صف النجومية ثم ينزوي بحكم السن، ويظهر نجوم جدد غيره، ومع ذلك قدمت أربعة أفلام في آخر ثلاث سنوات:«الوصايا العشر»، و«بطرس» و«مسيو إبراهيم وزهور القرآن» وغيرها .حصلت على جائزة وتقدير عن مجمل أعمال في مهرجان فينيسيا الإيطالي عام 2003 وأعتز بدوري في «زهور القرآن».

< هناك سؤال يلح على ذهني: لماذا تقاعست عن القيام بدور في «تلطيف» العلاقة بين الشرق والغرب؟

- تقاعست؟! كيف؟ الكل أصبح مجنونا. الشرق يتصادم مع الشرق، والشيعة والسنة يتقاتلون، والغرب يقاتل الشرق، والعكس. ماذا أفعل؟ أنا مجرد ممثل. وإذا كان السياسيون قد فشلوا فيما تسميه «تلطيف» العلاقة فهل سأنجح أنا؟ أنا أؤمن بالتسامح خصوصاً بين الأديان، وطبقت هذا على نفسي، فأنا مولود في مصر، وابني تزوج من ثلاث زوجات: يهودية ومسيحية انفصل عنهما، وهو الآن زوج لمسلمة متدينة، ولدي حفيدان، أحدهما يهودي والآخر مسلم، وهما متقاربان جداً. ولعلمك قمت بدور في صناعة السلام بين مصر وإسرائيل، فقد كلفني الرئيس المصري الراحل أنور السادات بجس نبض الإسرائيليين قبل أن يقوم بمبادرته بالذهاب إلى إسرائيل. وبالفعل ذهبت إلى هناك وقابلت رئيس الوزراء الاسرائيلي الراحل مناحيم بيغين، ونقلت ما دار في اللقاء إلى السادات، وبناء عليه اتخذ قراره.

< انظر إلى جورج كلوني، قام بدور مهم في دارفور ومناطق أخرى ساخنة، فأين أنت من هذا؟

- ما النتائج العملية التي حققها جورج كلوني؟لا أعتقد أنه حقق شيئاً. كان عليه أن تبرع بمبلغ إلى هؤلاء الجائعين في العالم. الناس يعتقدون - وأنا كذلك- أنه يقوم بالدعاية لنفسه، وآخرون أيضاً مثل أنجلينا جولي وبراد بيت ومادونا وغيرهم يذهبون إلى أفريقيا ويتبنون أطفالاً من قبيل الدعاية لأنفسهم، وتجميل صورتهم، ولعلهم صادقون فيما يقومون به. أنا كبرت في السن ولم أعد نجماً، وبدأت العمل في السينما منذ عام 1953، أي أعمل كممثل محترف منذ 54 عاماً لم أتوقف فيها، ولا أعتقد أن كثيرين يمكنهم فعل ذلك.

< تتحدث كثيراً عن العمر والسن.. هل تشعر بقلق تجاه لحظة الموت؟

(ضاحكاً): الحمد لله فمقارنة بمن هم في سني فإن صحتي «زي البمب»، أما الموت فهو لحظة ستأتي شئت أم أبيت، لذلك لا أنتظرها ولا تقلقني، لأن الله يرسم لكل منا بداية ونهاية، ولا يمكن لأحد أن يخرج عن هذه الحظة، أضحك بشدة عندما يدعو لي أحد بطول العمر، فأنا سأموت في اللحظة التي قدرها الله لي مهما كان الدعاء.

< نشرت بعض الأخبار عن قيامك قريباً بتمثيل دور الزعيم الكردي مسعود البرزاني في فيلم عالمي؟

- لا أعرف شيئاً عن هذا، ولم يعرض علي أي عمل من هذا القبيل.

عمر الشريف يحتفل بعيد ميلاده الـ 75 بالاسكندرية وسط أبطال مسلسله الأخير
عمر الشريف يحتفل بعيد ميلاده الـ 75 بالاسكندرية وسط أبطال مسلسله الأخير
< هل من الممكن أن تؤدي دور أسامة بن لادن مثلاً؟

- لا، أعتقد أنه لابد أن يمر قرن على الأقل حتى يمكن للسينما أن تتناول الشخصيات التاريخية،لابد من كشف الحقائق كلها، خصوصاً فيما يتعلق بالشخصيات السياسية. أنا رفضت أن يتم تقديم فيلم عن أنور السادات لأنه- رغم رحيله- مازال موجوداً بيننا. أما جمال عبدالناصر فقد قدم في لحظة تاريخية معينة، وهي عام 1956 وهذا مقبول. عندما قدمنا فيلم «لورانس العرب» حكينا عن سنة أو سنتين من حياته أثناء وجوده في الجزيرة العربية.

< هل تشاهد السينما العربية؟

-لا العربية ولا الأمريكية. لا أشاهد سوى قنوات الأخبار والرياضة.

< عملت مع نجمات عالميات.. هل مازلت تذكرهن ويذكرنك؟

- بالطبع.. عملت مع باريرا سترايسند في فيلم «فتاة مرحة» وكان ذلك أثناء حرب 1967م بين العرب وإسرائيل، فهاجمني اللوبي اليهودي، وكذلك النقاد العرب، لأنني تجرأت- كعربي- وقمت بدور يهودي، وشكل هذا ضغطاً كبيراً علينا. لكنني أنا وباربرا أصبحنا صديقين، وكانت تحكي لي عن حياتها العاطفية. كلوديا كاردينالي عملت معي في فيلم «ماغرنج» وهي كلمة أرمنية تعني الأم. وهناك أخريات فرق بيننا السن والاهتمامات المختلفة.

< تعيش أعزب.. ألا تشعر بالوحدة؟

- لو كنت أشعر بالوحدة أو أعاني منها لتزوجت أربع نساء.

< وهل ستقدر عليهن؟

(يضحك): لن أقدر عليهن (مداعباً) ربما دفعت لهن مالا كي لا يكشفن سري. أنا معتزل النساء تماماً، ولا أدخل في أي علاقات خوفاً من الإيدز والأمراض. أصبحت كبيراً في السن وتراجعت قدراتي. انظر شعري ولحيتي شابا. وجود المرأة في حياتي أصبح هامشياً.

< لو صبغت شعرك فستبدو أصغر من سنك بكثير؟

- ومن قال إنني أريد أن أبدو أصغر من سني! عمري 75 عاماً، ولا شيء يخجل في ذلك. بصراحة، لا يعجبني هؤلاء الذين يصبغون شعورهم، أشعر أنهم أكبر من سنهم بكثير، وليس أصغر، ويكفينا أن بعض الزعماء أتقنوا عملية صبغ شعرهم الأبيض بالأسود.

< هل تسير وفق نظام غذائي؟

- أمشي نحو 10 كيلو مترات، ولا أدخن، ولا آكل كثيراً، لكنني في فيلم «مسيو إبراهيم وزهور القرن» تعمدت زيادة وزني، لأن الشخصية كانت تتطلب ذلك. أصبح لي «كرش» كي يظهر في مشهد «الحمام» بالفيلم.

< هل ساعدت- كمسلم - مؤلف «مسيو إبراهيم وزهور القرآن» وهو يهودي، في فهم القرآن كما ظهر بالفيلم؟

- فيلم «مسيو إبراهيم وزهور القرآن» يحكي قصة بقال مسلم صوفي يتبنى طفلاً يهودياً لا عائلة له. مؤلف الفيلم متسامح ومحب للأديان، وكتب عدة كتب عن الديانات الأخرى.

< هاجموك كثيراً بعد تقديمك لهذا الفيلم؟

- لماذا هاجموني؟! الفيلم يتحدث عن الإسلام والقرآن بشكل جيد.. «البقال» بطل الفيلم سمى الصبى اليهودي «مومو» كي يجمع بين اسمي محمد وموسى. يموت البقال ويترك زهرتين في المصحف الذي تركه لـ «مومو» الذي يعتز بالقرآن.ويسمي الصبي نفسه عندما يكبر «محمداً». ببساطة «مومو» أحب والده بالتبني فأصبح على دينه.. هل في هذا مخالفة لأي شيء في الإسلام. لابد من التسامح، فنحن لا نختار أدياننا ولكن نرثها. أنا أؤمن بالله كرب عادل، حق.

< لكنك اخترت دينك؟

- عقيدتي الأساسية هي الإيمان بالله. أنا مسلم وهذا هو الذي اختاره الله لي. لكنني لا أعيب على غير المسلم ولا أندب عليه فهذا حظه أيضاً.

< هل لفت فيلم «مسيو إبراهيم وزهور القرآن» نظرك إلى شيء ما في القرآن الكريم؟

- أستمع كثيراً للداعية (المصري) الراحل الشيخ محمد متولي الشعراوي. أحب هذا الرجل كثيراً وأتقن تقليده ، فهو يفسر القرآن الكريم بشكل رائع، وله عمق لغوي مبهر. استمعت إليه وهو يفسر الآية الكريمة {وكذلك جعلناكم أمة وسطا} (قالها عمر الشريف بمعناها فذكرته بالنص) واكتشفت أن هذا «الوسط» يميز الإسلام عن غيره من الأديان. سمعته يقول: الشيوعيون، وهم اليسار، بعد سقوط الشيوعية والرأسماليون الآن في ظل الفوضى الحالية لابد أن يتجهوا إلى «الوسط» وهو الإسلام. طبعاً هتف الذين يستمعون إليه «الله أكبر»، أعتقد أن هؤلاء لا يفهمون شيئاً مما قال، ويهللون ليثبتوا أنهم يفهمون.

(توقف عمر الشريف ثم غمرته حالة كوميدية فدخل في فاصل من تقليد الشيخ الشعراوي، وراح يحرك أصابعه ويتمايل يميناً ويسارا، رشف رشفة من كوب الجعة الباردة التي جاءه بها النادل، وأغمض عينيه، ولعب بملامح وجهه وحرك شفتيه كأنه يتحدث).

< هل تستمع إلى الدعاة الآخرين؟

- أستمع إلى الحواراث التي تجري بين دعاة السنة والشيعة على قناتي «الجزيرة» و«العربية»، وأشعر بالحزن لأن كل فريق يتحدث في واد مختلف ولا يسمعه الآخر. سمعت داعية ينتقد (الخليفة الإسلامي الثالث) عثمان بن عفان، مع أن هذا الرجل مهم جداً في الإسلام وكان رجل دين حقيقياً.

< هل أديت فريضة الحج؟

- الحج صعب، ولو سمح لي ربنا سأقوم بالحج، أخشى أن أصاب بالمرض من كثرة المزدحمين الذين يموت بعضهم دهساً. عملت «عمرة» واحدة، كنت أجلس ليلاً في صحن الكعبة وأناجي ربي حتى الفجر. كانت لحظات رائعة جداً. مكة مدينة الله، ومن الطبيعي أن يأتي كل الأنبياء من الشرق، حيث الصحراء والنجوم، والقرب الشديد من الله.

< ألم تفكر في العمل بالسياسة؟

- أنا ممثل. وهذا شيء يسعدني جداً، ولا يحلم به أي سياسي. أقوم بتمثيل أي دور ، شريراً كان أم طيباً. عندما قدمت فيلم «بطرس» غضبت «القاعدة» مني جداً، وقالوا كيف تمثل فيلماً تقول فيه إن عيسى ابن الله، فقلت للجميع: أمثل أدواراً كثيرة وهذا لا يعني أنني أؤمن بها. كله تمثيل يحكمه نص هذه مهنتي التي «آكل عيش» منها ولا أتدخل في عقائد الآخرين. القرآن على سبيل المثال، كلام عظيم جداً، ومعجزة بلاغية، ولا يمكن أن يكون من تأليف النبي محمد- صلى الله عليه وسلم - أبداً، هذه عقيدتنا، ولكن هل يؤمن غير المسلمين بذلك بالطبع لا. أنتوني كوين ظهر في فيلم «عمر المختار» وهو يمجد القرآن ويقرأه، فهل يلومه المسيحيون على ذلك؟

< كيف تتعامل مع أحفادك؟

- عندي حفيد عمره سبع سنوات أحضرت له شيخاً يعلمه اللغة العربية والدين، وهو حر بعد ذلك.زوجة ابني متدينة جداً. وأمها وأبوها كذلك . وفاتن حمامة (النجمة المصرية الشهيرة وزوجته السابقة) حجت ومتدينة. وفي رمضان نزورها ونفطر عندها.أنا أدعو لهم بأن يكونوا مؤمنين، وألا ينسوا اسم الله. ابني طارق تربى في مدرسة إنجليزية داخلية،. فأحضرت له شيخاً فلسطينياً كان يعيش في إنجلترا كي يعلمه اللغة العربية والدين. طارق عمره 50 سنة الآن ويعيش حياة هادئة، وأكبر أحفادي عمره 24 سنة، ربيتهم جميعاً على ألا يؤذوا أحداً.

< العرب يتهمونك بتجاهل قضيتهم الأساسية، وهي الصراع العربي الإسرائيلي، فماذا تقول؟

- أنا حزين على الأطفال الفلسطينيين الذين يموتون يومياً، أنا مغ فلسطين ولست مع إسرائيل. أنا عربي مسلم، ويحزنني هذا التقاتل بين حركتي فتح وحماس.. ألم يكف ما يقتله الإسرائيليون منهم حتى يقتلوا هم بعضها بعضا. أهتم كثيراً بالقضية الفلسطينية، لكنني أحبط عندما أرى ما يحدث في غزة والضفة الغربية.. كنت أعرف الرئيس الفسلطيني الراحل ياسر عرفات جيداً، وتحدثت إليه كثيراً عن الحلول المطروحة للقضية الفلسطينية. كنت أتعشى مع الرئيس الأمريكي السابق بيل كلنتون في باريس، وتكلمنا عما دار في الاجتماع الذي دعا إليه الرئيس الفلسطيني السابق ورئيس الوزراء الإسرائيلي السابق في «واي ريفر» أيهود باراك، وكان رأيي أن رفض عرفات لما طرح عليه نوع من الغباء السياسي، لأن الكنيست كان سيرفض ما قدمه باراك، وبالتالي كان عرفات سيصبح بطلاً في نظر الجميع. قلت هذا الكلام لعرفات، لكنه كان يرى شيئاً آخر. المشكلة الآن أن الفلسطينيين يظهرون كما لو كانوا هم الذين يرفضون الحل، وأنهم الذين يسعون إلى إزالة إسرائيل من الوجود، ثم خرج علينا الرئيس الإيراني (نجاد) بتصريحات خطيرة، بدا فيها أن لا هم للمسلمين إلا إلقاء إسرائيل في البحر. أما أخطر بلد بالنسبة لليهود والأمريكان فهي باكستان، التي تمتلك القنبلة النووية، وأكثر من نصف جيشها من الإسلاميين. ولن يستطع أحد أن يلقي القبض على أسامة بن لادن أو الملا عمر أو الظواهري، لأنهم محميون من الجيش الباكستاني، وهم حاولوا اغتيال الرئيس الباكستاني برويز مشرف مرات كثيرة، وسينجحون في اغتياله، وسيصل المتطرفون في الجيش إلى الحكم، وسيقومون بتوزيع القنابل النووية على المتطرفين، وأول من سيحصل على حزام نووي ناسف هو أسامة بن لادن.

< ما رأيك في سياسة الرئيس الأمريكي جورج بوش؟

- دعيت عشرات المرات إلى البيت الأبيض، أيام فورد وكارتر وكلنتون ، ودعاني الرئيس بوش في إحدى المرات على العشاء في الكريسماس، واعتذرت إليه في خطاب لطيف بأنني:«أحب العشاء في الكريسماس مع عائلتي كما تحب أنت». الحقيقة أن ما يحدث في العراق الآن كارثة، هو من صنعها، فبالإضافة إلى القتلى، هناك أكثر من مليوني عراقي أصبحوا لاجئين، الفيتو الأمريكي أيضاً جاهز دائماً لمصلحة إسرائيل، ظالمة أو مظلومة. دمنا العربي أصبح رخيصاً في نظر الإسرائيليين والأمريكيين، فإذا خطف حزب الله اللبناني جنديين إسرائيليين، قام الجيش الإسرائيلي بقتل المئات من اللبنانيين والفلسطينيين. هناك عشرات المعتقلين من اللبنانيين والمصريين والفلسطينيين في السجون الإسرائيلية، ولم تتحرك الإدارة الأمريكية للإفراج عنهم.

< هل تتابع الأحوال السياسية في مصر والعالم العربي؟

- كلما سمحت لي الفرصة بذلك. قرأت أخيراً عن صحة (المعارض المصري السجين) أيمن نور، وأعتقد أنه لا يستحق السجن، للأسف هذه من الأمور التي تشوه سمعة مصر. أحب الرئيس المصري حسني مبارك. وأعتقد أنه لولا وجوده لحول التطرف حياة المصريين إلى جحيم. أسلوب مبارك هو الانسب تماماً في معالجة مثل هذه الأمور، في منطقة الشرق الأوسط. العرب مجتمع قبلي، ولا بد من حاكم قوي يبسط قبضته عليه كي تستقيم أحواله. الديموقراطية الغربية لا تصلح معنا على الإطلاق، لأننا نعشق الفرعون والملك، والزعيم. كنت أعشق «شيخ الحارة» وأنا صغير، وأعتقد أنه أجمل من الديموقراطية. المظلوم كان يذهب إليه فيعيد الحق إليه بسرعة، وإلا يتم طرده من الحارة.

< أي ديموقراطية هذه؟!

- نحن - العرب- لا نعرف الديموقراطية ولا نحبها. بصراحة.. نحتاج إلى حاكم قوي تتركز في يده كل السلطات، بشرط أن يكون في طيبة وعدل وعقل النبي محمد- صلى الله عليه وسلم.. هذا أفضل شيء.

< هذا رأيك، لكن ماذا تقول في الديموقراطية الأمريكية؟

- من خلال معرفتي بالحياة السياسية الأمريكية، أقول بصراحة: أمريكا ليس فيها ديموقراطية. كل شخص هناك يعمل لحسابه، ومن عنده فلوس أكثر هو الذي يتم انتخابه، ومن يصرف أكثر على الدعاية هو الذي يستأثر بأصوات الناخبين. المصالح تتحكم في الجميع.

< إذن.. ما الديموقراطية من وحهة نظرك؟

- أهم ما في الديموقراطية الثقافة، فلا ديموقراطية من دون وعي. البلدان المثقفان من زمان، إنجلترا وفرنسا هما اللتان تمارسان الديموقراطية الحقة. أمريكا بلد حديث، وستصل إلى الممارسة الديموقراطية الصحيحة، ربما بعد 300 سنة أخرى.

كيف نتحدث عن حكم الشعب لنفسه، إذا كان هذا الشعب أميا وجاهلاً وفقيراً. أستطيع أن أنجح في أي انتخابات عربية، لو أعطيت كل مواطن 10 جنيهات أو دولارات. فالمواطن يجري وراء لقمة عيش أولاده، ولا تعنيه السياسة أو الانتخابات، الإخوان المسلمون وحماس وحزب الله نجحوا، لأنهم يقيمون المدارس والمستشفيات ويقدمون المساعدات ثم يقومون بتحجيب الفتيات الصغيرات، فيكبرون وهن من أعضاء الجماعة، وكذلك الأمر بالنسبة للأولاد.. اللعبة كلها فلوس، وفي النهاية يصبح الشعب كله معهم.

< أخذتنا السياسة من الفن.. ما أخبارك مع المسرح؟

-قدمت مسرحية في إنجلترا لمدة سنة، المشكلة أن المسرح يربطني ويقيد حريتي. أنا كبرت وأحتاج إلى أن أجلس مع عيالي وأسرتي، وأحتاج أيضاً إلى السفر والذهاب إلى أماكن مختلفة في العالم. أحب التسوق وإنفاق الأموال.

< وبالطبع.. أنت بلا ثروة في هذه المرحلة الحرجة من العمر؟

- الصحة هي الثروة. كسبت أموالاً كثيرة وأنفقتها، وربنا يرزقني أكثر كلما أنفقت أكثر. أخشى أن أتوقف عن إنفاق الأموال التي يستفيد منها كثيرون، فيتوقف ربنا عن منحي المال. ربما أكون الواسطة التي يستخدمها الله لتوصيل أرزاق ناس من عباده، فلو صادرت هذه الأرزاق لنفسي، أعتقد أن الله سيتوقف عن عطائه لي. الحمد لله، لم يتركني الله مرة واحدة، فقبل أن أفلس يرسل لي ما أحتاج إليه وزيادة.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى