بمناسبة مرور أربعين يوما على رحيل الشاعر والفنان والتربوي والمناضل عبدالله هادي سبيت .. سبيت قامة لا تحتاج لتزكية أحد لأنه صاحب رصيد ضخم على مختلف المستويات

> «الأيام» نجيب محمد يابلي:

> رحلت عن دنيانا الفانية قامة كبرى قلّ أن يجود بمثلها التاريخ، رحل عنا الشاعر والفنان والتربوي والمناضل الكبير عبدالله هادي سبيت يوم الأحد، الموافق 22 أبريل، 2007م عن عمر ناهز السادسة والثمانين عاماً بعد مشوار نضالي وإبداعي خصب أنهاه باغتراب ذهني ونفسي وليته كان اغتراباً جغرافياً لهان الأمر.

عزَّ فراق هذه القامة على قلوب المحبين من الطبقة الوسطى وأحبه الله عندما عزل أصحاب البروج العاجية عن هذا الخطب الجلل، لأن هذه القامة لا تحتاج لتزكية أحد، لأنه صاحب رصيد ضخم على مختلف المستويات، فقد كان التربوي الجليل في المدرسة المحسنية العطرة الذكر بحوطة لحج، وكان وكيلاً للمعارف وقد كان رضوان الله عليه الشاعر والفنان الذي أدخلت (رابطة ابناء الجنوب) من خلاله الفن لخدمة القضية الوطنية والقومية وكان الداعية الوطني لقضية بلاده في قاهرة المعز إلى جانب السلطان الوطني الفاضل علي عبدالكريم فضل وكان عبدالله هادي سبيت يعمل من أجل قضية وطنه من خلال مكتب الرابطة في القاهرة وكان يقدم ايضاً قضية بلاده من خلال إذاعة (صوت العرب).

لقد كُتب الكثير عن الراحل عبدالله هادي سبيت، لكني وقفت أمام الاستثناء من الكتابات، ذلك أن راحلاً كبيراً آخر وهو السيد عبدالله بن علي الجفري كتب مقدمة ديوان «الدموع الضاحكة» لعبدالله هادي سبيت عام 1953 ورد في سياقها «أن شاعرنا من حوطة لحج ولد فيها (1921م) وترعرع. تعلم في المدرسة المحسنية وأصبح مدرساً فيها حقبة من الزمن. أصبح وكيلاً للمعارف اللحجية عام 1948م وهو الآن يعمل سكرتيراً خاصاً لعظمة سلطان لحج».

تمضي مقدمة الجفري الشائقة بالقول:

«الشاعر عبدالله هادي سبيت، شخصية عجيبة يحار الكثيرون في فهمها وإدراكها، لأنها شخصية عجيبة مثالية في زمن يكفر أهله بالمثل العليا والمثاليين». بعد أن يعرض السيد الجفري شعر سبيت، يقول: «لذلك ترى على شعره مسحة من الحزن والألم لا تفارق معظم قصائده والمتأمل في قصيدته «آمال فآلام» يرى صورة حية صادقة عن شخصية عبدالله هادي. حياته جلها حزن وألم وأسى، حزن على الحالة الاجتماعية وألم من الحياة السياسية وأسى على اضطراب المعيشة والمحيط العائلي».

اطلع الجفري في جدة على قصيدة «اعتراف» لسبيت وجاء في مطلعها:

نظرة من مقلتيها تسلم الروح إليها

فشاطر الجفري أحد شعراء الحجاز، (الذي اطلع على القصيدة) رأيه أنها رؤية مثالية نحو المرأة، وإذا تصفح القارئ قصيدة «حواء» (لسبيت أيضاً) يقول: الجفري:«سيرى (أي القارئ) اعتراف الشاعر أن ما يصبو إليه من جمال المرأة المادي والروحي إنما هو خيال في خيال وذلك من خلال هذا الشطر من القصيدة:

أنا لن ألقاك إلا في خيالاتي وحدسي

المتابع لشعر سبيت سيجد أنه أتقن عدالة توزيع ثروته الشعرية فقد خص المناسبات الدينية بشيء من روائعه، كما وجد نفسه ملزماً بأن يتفاعل مع تأسيس الجامعة العربية فجاءت قريحته بقصيدة عصماء ألقاها في دار الأبحاث العلمية بلحج في يوم الأربعاء، 25 شوال، 1364هـ (1944م) وهو في الثالثة والعشرين من عمره وقال عن الدكتور عبدالرحمن عزام، أول أمين عام للجامعة العربية:

إيه عزام ! يا أبا العزم والحزم

وطيب الخصال والأعراق

كما وظف سبيت شعره في قضية وطنه وقضاياه القومية وله قصائد في نصرة «بور سعيد» في العدوان الثلاثي على مصر في أكتوبر 1956م وفي نصرة شعب الجزائر في نفس العام وفي نصرة فلسطين وغيرها من القضايا العربية أو الإسلامية، ولم يبخل عبدالله هادي سبيت في ترجمة إطرائه على بعض المنتديات الثقافية شعراً ودبج قصائد أطرى فيها على رواد نادي الشباب الثقافي بالشيخ عثمان ونادي الشباب الأدبي بكريتر».

صدق السيد عبدالله علي الجفري في قراءة الشعر والشاعر عبدالله هادي سبيت عندما نعته بالحزين الدائم وهي ملاحظة ملموسة في عدد غير قليل من قصائده، ففي قصيدة «آمال فآلام» جاء في مطلعها:

ألا أيها الساقي قد حُطّمت كاسي

على صخرة الأيام في زمن قاسي

و جاء في قصيدة «حبيب ماشان»: «حبيب كم باصبر يا ما شربت المر ودمعتي وديان» وورد في قصيدة «ليه هذا الظلم ماشان: «قل لذي راجي ولوعي قل لذي يشتي دموعي خلني تايه وهيمان» وجاء في قصيدة «يا حياتي والعدم»: «باهجرك والقلب يتقطع ألم باهجرك والعين تبكيك دم». وهاهو سبيت يتفنن في توقيت ليله في قصيدة «يا باهي الجبين»: «يا باهي الجبين كم مرت سنين وأنا في أنين ليلي من بحين». ونلاحظ هنا أن الليل عند سبيت، ليل صيفي.

إن الشاعر سبيت يوظف كل أدواته اللغوية والمعرفية والشاعرية في وصف حبيبه، بل وفي إقناع القارئ أو المتلقى بأن حبيبه على درجة بالغة العلو في الجمال والسحر، فها هو ينشد في قصيدته اعتراف:

نظرة من مقلتيها تسلم الروح إليها

إنما الجنة يا أهل الهوى في جنتيها

عن يمين وشمال ها هنا في وجنتيها

وهاهو يتمزق في «يا باهي الجبين»: «قالوا مستحيل تحظى بالقليل خذ غيره بديل قلت لهم منين» هنا يغلق سبيت الباب أمام أي منافس لحبيبته.

أما في قصيدته «لا وين أنا لا وين» فقد وظف سبيت أدوات أخرى في إقناع المتلقى بأن أوصاف حبيبته لا تجدها إلا عند أقوام أخرى عندما أنشد قائلاً: «ذا هندي الأجفان طلياني البنيان أمريكي النهدين» لكن يعود إلى قاموس اللغة ليستكمل الأوصاف الأخرى عندما قال:

«ذا وردي الأجفان مفلج الأسنان ذا خمري الفرعين»

تأخذ ملكة الإقناع بعداً آخر ذلك أنه يقنعك أيضاً أن تنصره في مواجهة الشروط التعجيزية التي يريد الناصحون فرضها عليه، فهاهو سبيت يعبر عن حاله في قصيدة «ويا قلبي تصبر»: «يقولوا لي تصبّر تصبر موت واقبر وقع في القلب عنتر».

كل هذا غيض من فيض وأكتفي بهذا القدر وقد سبق لي أن تعرضت لسيرة الراحل الكبير في حلقات رجال في ذاكرة التاريخ في صحيفة «الأيام» بتاريخ 24 أغسطس، 2004م وكانت بعنوان: «عبدالله هادي سبيت فنار في بحر الظلمات غيبته شعارات الثورات» ، كما نشرت «الأيام» موضوعي الموسوم:«شهر ابريل في ساحة الأحزان اليمنية» بتاريخ 30 أبريل، 2007م.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى