اغتراب وغياب الحاضر والمستقبل

> محمد علي محسن:

>
محمد علي محسن
محمد علي محسن
من نحن وماذا نريد؟ سؤال لم يأت من فراغ أو لمجرد فكرة طارئة وليدة اللحظة، بل يمكن القول إنه نتاج حالة جمعية أفرزتها سنوات ما بعد حرب صيف 94م خاصة بين أولئك الحاملين لراية التغيير والإصلاح أو المسؤولين أخلاقياً وأدبياً وسياسياً عما خلفته الحرب من مشكلات وأوضاع مأساوية وبالذات الطرف المهزوم سياسياً وعسكرياً، وعندما نقول أزمة جمعية نعيشها فلأن الطليعة السياسية للأسف فشلت أو عجزت عن معالجة الظرف الطارئ والناتج عن الحرب ولو بإصلاحات اقتصادية لتحسين معيشة المجتمع من جهة السلطة أو إصلاحات سياسية وديمقراطية تحققت للمعارضة ويمكن الاعتداد بها لسد الهوة الحاصلة في الخطاب والوعي والواقع المعاش.

في كل التظاهرات الاحتجاجية والانتخابية أجد السؤال يطرح بقوة أمام حالة من الفوضى والعبث والتيه واليأس والإحباط والإخفاق والجمود والنزق والتطرف والقمع...إلخ ربما النظام السياسي هو من أوصل البلاد والعباد إلى هذه الأوضاع الصعبة والمتردية نتيجة لسياساته الخاطئة وإخفاقه في الإصلاحات الاقتصادية والسياسية والتشريعية والقضائية والديمقراطية وغيرها، كانت تجلياته المشهد الذي نراه ونشاهده لكن مع كل ذلك نسأل: أين هي الطليعة السياسية - التحفظ على المسمى- وما دورها تجاه مشكلات وقضايا حياتية لا حصر لها إذا كانت غارقة حتى تلابيبها بموضوعات خلافيه نظرية لا محل لها من الإعراب على صعيد الحاضر، وإن وجدت وصحت فلا مكان لها من الممارسة والتطبيق.

نعم هؤلاء الذين ينزلون للشارع من أجل حقوق مطلبية ولا يجدون من يحترم أو يصغي لهذه المطالب، فلا شك بمسؤوليتنا جميعاً، أما حينما تتحول معاناة وهموم هؤلاء إلى هواجس وأفكار تشاؤمية وانتقامية فبكل تأكيد هنا المسؤولية برأس السياسي الذي من صميم واجبه فتح السبل كلما أغلقت الأبواب أو جمدت الأفكار وليس العكس مثلما هو مشاهد وحاصل، ووصل الأمر لحد رؤية الطليعة السياسية نفسها وهي حاملة لأقفال بدلاً عن امتلاكها لمفاتيح الأزمات والمشكلات، وعندما نقول بمسؤولية السياسي فلأنه هو المعني بالتفكير والمبادرة والتوجيه والتصريف لشؤون العامة وفق مقتضيات اللحظة والمصلحة المرجوة، ودون قيام السياسي بدوره المفروض والمطلوب في كل الأوقات وفي جميع الظروف والأحوال حتماً ستكون أوضاع مثل هذه مرشحة للفوضى والعبث والضياع والمجهول أكثر مما هي مؤهلة للنظام والإصلاح والنهوض.

دعونا نلتفت لأنفسنا وواقعنا ولو بقصد التأمل والمراجعة، المؤكد أننا أخطانا التقدير، فعندما يصل بنا الحال إلى أفق مسدود تصعب الرؤية فيه يستوجب منا التوقف، وربما العودة للخلف أفضل هنا من المغامرة غير محسوبة العواقب.. 17عاماً على الوحدة، 13 عاماً على الحرب، لا شيء غير الاغتراب الداخلي واستجرار الماضي وغياب الحاضر والمستقبل، ثلاثة أشياء استعذب الحديث فيها لدرجة الإدمان المثير للرثاء والشفقة فما هي الحصيلة يا قوم؟ لسنا بحاجة للتأكيد أن المعاناة المستديمة ليست من الوحدة إنما من دولة الوحدة الهشة والفاقدة القدرة على إحداث النهضة المنشودة، كما أن طغيان التاريخ والجغرافيا على الإنسان والمصلحة ليس من الوحدة في شيء إنما هو نتاج حرب ونظام منتصر وعلى هذا الأساس نحن في معركة من أجل إصلاح وتغيير ما أفسدته الحرب، والمواجهة المطلوبة تبدأ في الفكر السياسي العقلاني المستنير والقادر على الخلق والإبداع والتجديد لوسائله وعلاقاته وخطابه وإدارته، فكلما وصلت المجتمعات لحالة من التأزم والجمود والانغلاق على ذاتها فلا يعني ذلك سوى غياب العقل والحكمة عند الطليعة السياسية أو أنها لم تقم بدورها على أكمل وجه، ولعل ما نشاهده ونسمعه من مظاهر احتجاجية مشروعة أو خطاب نزق وطائش بعد سنوات من التيه والخدر والمراوحة في المكان دليل قاطع على تخلف النخبة السياسية عن المجتمع الذي يفترض قيادته وتوجيهه وتبصيره لا الانقياد خلفه وسد كل الطرق من حوله.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى