الأنصاري.. الواقعي والغرائبي والخرافي في تبادل للملامح

> بيروت «الأيام» جورج جحا:

> في مجموعة قصص الكاتب والصحفي السعودي عبد الواحد الانصاري اجواء تأخذ القارئ الى ما يشبه مراوحة بين الواقعي والغرائبي والخرافي في حركية كأنها دائمة و في اجواء تبدو كالحلم.

وللانصاري قدرة مميزة على جعل الحاضر كأنه موغل في القدم وجعل ما نتصوره قديما يطل بوجوه حاضرنا وله قدرة مماثلة على المزج “الفني” بان يجعل اجواء الخرافي والغرائبي “تهبط” على الواقع فتضفي عليه بعض ملامح الغرائبي والخرافي حينا آخر وعلى الارتفاع بالواقعي الى اجواء هذين.

وفي قصص الانصاري القصيرة نشعر احيانا كثيرة بحالات “تواطؤ” يتبادل فيها الواقعي والخرافي الملامح خلسة فيبدو الواحد كأنه الآخر وتجتمع احيانا ملامح الثلاثة في واحد. لغة الانصاري في قصصه شعرية تصويرية على عراقة عربية. اشتملت مجموعة الانصاري على 17 قصة قصيرة جاءت في 125 صفحة متوسطة القطع. وصدرت عن “دار وجوه للنشر والتوزيع” في مدينة الرياض في المملكة العربية السعودية.

القصة الاولى التي حملت عنوانا هو “معتوقة” اختلفت عن الاخريات في اسلوبها الذي جمع سمات تبدو حوارية مسرحية واخرى سردية تضع “الراوي” من جهة وشخصية اخرى هي “شوعي” من ناحية ثانية الا ان الشكل الحواري الفعلي ينتهي هنا فالاثنان يرويان امورا تبدو متباعدة لكننا لا نلبث ان نجد فيها تكاملا.

الاثنان يرويان قصة دون حوار مباشر فكل واحد منهما يروي احداثا ويطلق افكارا وكأن الواحد منهما لا يرى الآخر وان اكمل بعض ما يقوله او ألقى عليه ضوءا او نظر اليه من اتجاه آخر. وقد يبدو للقارئ كأن كل واحد منهما يقف في طرف مسرح ويروي قصة او قسما منها. انهما لا يتحاوران وان تداخلت كلماتهما “من بعيد” احيانا. وتبدو الاحداث كأنها آتية مما اصبح الآن بعيدا عن الحاضر.

يبدأ الراوي بالكلام عن معتوقة وهي اسم على مسمى فيقول بكلمات قليلة تروي الكثير “لم يكن سيدها ممن يستمتعون بجواريهم لذلك اعتقها كفارة عن بعض ذنوبه وغيرت هي اسمها من بزة الى معتوقة وعاشت على الفتات الذي تجود به عليها نساء البيوت الى ان فطن لها (شوعي) ما خطرت معتوقة ببالي بل اعتقدت انه لايجري وراءها الا سفيه الى ان رأيت جرة العسل التي وجهتني اليها.”

وهنا كما في البداية ان الراوي يبدو اقرب الى فكرة الجوقة او “الكورس” اليوناني القديم وبعض مهماته ان يشرح للجمهور ما لا يستطيع الحوار المسرحي نقله الى المشاهدين بدقة.

نجد الراوي هنا يحلل ويشرح جوانب من نفسية الرجال فيقول “في هذا لم يكذب شوعي كما اننا لا نستطيع محاسبته على ما يخالف ذلك لان ذيوع اقبال الرجال على امرأة ما سيخلف اثره في كل رجل اما برغبة في التطلع او الفوز بها واما بحقد قد لا يخلو من احدهما.” وفي قصة “فوز” مثلا نقرأ عن النوازع والاحلام والطموحات البشرية في ما يشكل نسيجا من الواقعي والخرافي و”الفلسفي” الاخلاقي. كأن الانصاري يقول لقارئه “قل لي بماذا تحلم اقل لك من ستكون.” نقرأ بداية القصة حيث يقول “منذ جاء النور من ضفة النيل الابيض بالسودان على العبارة الضخمة المتجهة بعرنينها الاشم الى جدة تمخر عباب البحر الاحمر وتشاكس الامواج منذ ذلك وهو يحلم بالفوز بجائزة سباق الاحصنة الكبير. والحق انه جاء لهذا الغرض واما المهنة التي وضعت في اقامته (مدرس) فرغم استحقاقه المهني لها الا انها ليست سوى تنكر مكذوب. “واظب على اداء واجبه التعليمي بكفاءة وكان اشد مواظبة وحرصا وتعلقا بحضور سباقات الخيل التي جرب فيها كل المحاولات واختار كل الارقام الممكنة. وتحول الى مقامر مجنون يبدد مرتبه الصغير على سيارات الاجرة ومياه الصحة وشراء مجلات وكتب الحظ. “ ولم يفز بالجائزة. وسمع عن مشعوذ افريقي يجعل (اللاعبين) في السباق يقفزون فوق تيس اسود ثم يمارس طقوسا ويتنبأ لهم بالحصان الفائز. فعل (النور) ذلك خلسة ففاز بجائزة قيمة فتخلى عن التدريس لكنه اكتشف لاحقا ان ذيل حصان نبت له. في النهاية قرر العودة الى التدريس وكأنه في ذلك يسعى الى العودة الى عالم نظيف سعيا الى التخلص من (الذيل).” من النماذج التي تعكس قدرة سردية تصويرية بنبض موسيقي هادئ وترسم شبه كابوس يمكن ان يتحول اليه عالمنا بخيوط من الواقعي والغرائبي قصة “بحر.” انها قصة “مدينة ساحلية افتراضية بحر ورمال ونخيل وصديق ولا صخر لا حجارة ولا حصباء.. والماء ماء بحرها المالح يعدني بهناء الشفاء من آلام قدمي المتورمتين.

“لكن هذا البحر الذي كان يفترض ان يكون متنفسا وخلاصا تحول الى غير ذلك. قال له صديقه ان ألم رجليه سيختفي لكن لعنة (دوار الريح) الذي اقامه السكان اصابت رأسك.

“لقد غضبت الريح وغيرت اتجاهها ونتج عن ذلك غضب البحر الذي غير عادته وارسل اليهم اشارة تحذير لا يمكن التنبؤ بما سيأتي بعدها لم يعد يبتلع ما نرميه في جوفه.” وفي صورة سريالية حمل صديقه حجرا بيضاويا كان قد اهداه اليه “وطوح به وقذفه صوب البحر فصرخت معترضا ...لا ... لا... ولكن صرختي جمدت في حلقي عندما رأيت الحجر يطفو على وجه الماء البارد متمايلا على صفحته التي تجر اذيالها منسحبة بثقل ومتانة نحو الجنوب.” رويترز

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى