متحف الهواء الطلق ..

> فضل النقيب:

>
فضل النقيب
فضل النقيب
«كريتر» فوهة البركان وهي عدن التاريخ إذ لم يكن خارجها شيء غير البحر المحيط والبر البعيد، وقد عقد الماء قرانه على جبل شمسان والتواءاته وامتداداته وخلجانه منذ الأزل، وكل ما هو خارج كريتر مما يعرف اليوم بعدن الكبرى عدا الشيخ عثمان وما يجاورها هو من صنع الإنسان اكتسبه من البحر اكتساباً بعمليات «الدّفان» والردم والتسوية. وفي نظري وتقديري أن «كريتر» هي متحف ضخم في الهواء الطلق بكل ما فيها وما عليها، وينبغي أن تعامل على هذا الأساس كمتحف بلا أبواب ولا حراس ولكن اللصوص الذين تمتد أصابعهم إلى حرمها ينبغي أن تقطع أيديهم وأرجلهم من خلاف جزاء وفاقا، فموروث هذه المدينة هو ميراث الناس جميعاً ومن أراد منها مقتلاً فكأنما قتل الناس جميعاً. ولا يزال الناس حتى يومنا هذا وبعد مرور حوالي نصف قرن على تقويض باب عدن في طريق العقبة يشعرون بالأسى وبالحنين إلى ذلك العقد الذي كان يربط بين جبلي حديد وشمسان، ولا أدري مَن من محافظي عدن أو تجارها سيدخل التاريخ بإعادة بناء العقد الذي لم يعد عملاً هندسياًَ مستحيلاً في عصرنا على أن يُزال ذلك الورم غير الحميد الذي شوه البوابة واعتدى على حرم الجبل بالنحت الغائر والهدم الجائر.

ولأن الشيء بالشيء يذكر فإن ألسنة الناس لا تكف عن الثناء على مشروع تبليط شوارع «كريتر» بالحجارة، وقد أخذت بشائر الإنجاز تظهر في شارع السيلة وشارع المتحف العسكري وما نرجوه هو ألا يتعثر هذا المشروع، شأن مشاريع كثيرة يوضع لها حجر الأساس ثم تغرق في النسيان، وقد حدث ذات يوم أن اشتقت إلى أدغال الخساف الحجرية فقادتني السيارة كأنها الرائد الذي لا يكذب أهله في طريق جديد ممهد إلى سفوح جبل شمسان الوسطى حيث توجد (الدروب السبعة). وقد أطللت من هناك على خليج صيرة وقلعتها في مشهد مهيب بالغ الجمال، وتبين لي كم هي «كريتر» منطوية على أسرار ومفاجآت ومناطق مخفية ووديان غير مرئية ومساحات مطوية ستكون في المستقبل مدناً تتألق تحت ضوء الشمس ودفق الأنسام في مناخ يختلف عن قاع البركان، هذا ونحن بعد لم نصعد إلى الأعالي ولم ننزل إلى الخلجان التي تشكل ثروة طبيعية لا نظير لها، ولا غفر الله لمن يتربص بها.

في الشهر الماضي دعتني الأخت الفاضلة الدكتورة رجاء باطويل، مدير عام الآثار في عدن لزيارة المتحف في كريتر. قلت لها أين موقعكم؟ قالت: في القصر. خجلت أن أقول أي قصر فأبدو كالابن الضال الذي لم يعد يتذكر مرابع طفولته، وبالاستفسار عرفت أنه «قصر السلطان» الذي بني في سنوات الحرب العالمية الأولى كمقر لسلطان لحج عقب التمدد العثماني إلى الحوطة، عاصمة السلطنة. ذهبت إلى القصر العتيق المشرف على صيرة في الخليج الأمامي برفقة صديقي علي صالح محمد، وتجولنا في المتحف الشعبي الذي أنجز بجهود الكادر ومتابعتهم رغم الظروف الصعبة، حيث إن الميزانية المعتمدة للقصر وأصحابه هي 45 ألف ريال، وهو مبلغ لا يكفي لتغذية غنمتين فكيف بمشروع عظيم وقصر مشيد.. ما علينا.. وقد انتقلنا إلى الطابق الأرضي حيث يوجد المتحف التاريخي الذي نهب منه ما لا يقدر بثمن في الحرب ولم يعد من المنهوب إلا أقل القليل، وكان الاخ علي أحمد مدير عام المتحف خير دليل، يحدثنا عن اللقى الآثارية كأنما عن أولاده، ويغرق في العاطفة فيسد الثغرات تمثيلاً وإيماء بالعربية والإنجليزية، ولولا تدخلات الأخت رجاء من أجل الإيجاز والاختصار لفاتنا وقت الغداء والمقيل، حيث لا توجد كافتيريا .. وطبعاً لا يوجد جمهور على الإطلاق.

أطللنا من الشرفة البحرية على قلعة صيرة وجبل «معجلين» سألت رجاء عن القلعة فأجابتني أنها من اختصاص الجمعية اليمنية لحماية الآثار والتاريخ- عدن برئاسة هشام السقاف.. وأنا أودع الأخت رجاء المهمومة بالآثار تذكرت تشبيه صاحب العين البصيرة واليد القصيرة بمن يحفر بئراً ارتوازية بإبرة.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى