ما زال في الحلم بقية

> د.هدى علي علوي:

> «حين تسير ولا تجد الحلم يمشي أمامك كالظل.. يصفر قلبك» محمود دوريش عندما يصير الوطن نزفاً لا ينضب تصبح جدارية الاغتراب الإنساني مزاراً للمعذبين الذين يدحضون كل فرص الخلاص من عذاباتهم، وكلما سقطت الجغرافيا سهواً من ذاكرة التاريخ تجرف معها ما تبقى من رائحة الزمن الجميل، ومتى كان الحلم تحليقاً بجناحين أحدهما الإفلات من سياط الوجع وثانيهما النجاة من حالة الهلع لا يكون يأس البسطاء خروجاً على السياق التاريخي، وإذا لم يتعلم صغارنا دروس الحب في زمن الحرب على الإرهاب من أغنية جنائزية عذبة مثل «أنا وشادي غنينا سوا» للفنانة التي لا تتكرر «فيروز» فإنهم سيخافون دوماً الركض على موسيقى المطر.

وأما مناسبة هذه التوليفة من المشاعر فهي دورة تثقيفية ونقاشية لتدريب شبان وشابات من نشطاء الأحزاب السياسية والمنظمات المدنية على الثقافية الحقوقية والتي نظمها مركز اليمن لدراسات حقوق الإنسان، فكان اللقاء مشحوناً بالدلالات، محفوفاً بالاختلافات، مصدوماً، مشطوراً نصفه في جنة الحماس ونصفه الآخر في جحيمه لكنه ظل معبأ بالألق، محموماً بإعمال العقل وحفاوة الرأي، فكشف عن «الحياة المستلقية» كحيوان كبير نافق تحول بتعبيرهم كل المتنفذين والفاسدين فيها إلى دود تعيش على النهش.

كانوا يبكون ملء حناجرهم مرة على استحياء ومرة يصرخون غضباً وإباء، فكانت حاسة الخطر الداهم التي تدفع ببعض كائنات الطبيعة إلى الوعي بالزلزال قبل وقوعه قد جعلتهم يكتبون على الشواهد بالخط العتيق:

إن هاجس الخوف من الموت البارد أشد وطأة من إكسير الحياة، بينما طرحت أسئلتهم إشكاليات معقدة لكن- «من أي باب ندخل عليهم وكل الأبواب تؤدي إليهم؟» ولما كنت أتحسس حرارة الأرض المحروقة ونتوءاتها ووجع حجارتها آثرت في ورقتي الصفراء الفكاك بهم من مخالب ثالوث الحوار المحرم عن «الطفاة والغزاة والغلاة» إلى عالمية حقوق الإنسان وأولوياتها على الخصوصية الثقافية بمفهومها الأحادي الجانب وعلى أية اعتبارات منحسرة داخل قوالب مهترئة طالما أننا نمتلك حق توظيف تراثنا الإسلامي وموروثنا الثقافي لخدمة قضايانا المعاصرة بحيث لا تصطدم هذه المقولات الإنسانية الجديدة مع روح هذا التراث وجوهره ولا تنال من شأنه، ولما ظل الوطن حاضراً يشكو استفحال علله ويجترح وسيلة قاسية لعلاجه..

بدوا شباباً مشاكسين لكنهم أليفون، كفاحيون أكثر منهم خائفون، ولم يكن يجدر إلا استحقاق الإصغاء إليهم بدلاً من شتمهم أو تخوينهم أو ممارسة سطوة الوصاية الأبوية عليهم، لم يكن بالإمكان تقليص هذا المد أو احتواؤه أو التنظير عليه.

لم يكن أفضل من ترقبهم لا الرقابة عليهم، فلقد أصغى الله جل شأنه إلى إبليس في حواره معه وعندما خالف الأخير خالقه وعارضه كما عبرت عنه رؤية المفكر العربي الكبير (أدونيس) في أحد استجواباته «أثبت الله كلامه في النص القرآني فلم يلغ الشيطان ولم يراقبه أو يقتله وقد كان قادراً على محوه من الوجود».

ولأننا لم نتقن فن تقبل الآخر بعد ولم تؤهلنا اللغة لقواعد الإصغاء وعدم التهميش والاقصاء فإننا في كل مرة نضع أيدينا على قلوبنا حول أية طاولة مفاوضات أو حلبة ملاكمة حتى نخرج منها جميعاً مهزومين... «لأننا كقبيلة مازلنا نتشاجر حول جنس الملائكة فوق مركب يغرق».

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى